20 أبريل، 2024 7:42 م
Search
Close this search box.

من يجسِّر الهوّة بين المحتجين والحكومة وينال جائزة نوبل ؟!

Facebook
Twitter
LinkedIn

منذ عام 2003 والتهديدات التي انبعثت من سخونة سطح العملية السياسية تعرقل سير العمل الحكومي في العراق ولحد الآن , ومجمل هذه التهديدات هي ; الفساد الاداري , تنامي ارتفاع مستويات البطالة مع ارتفاع مستوى خط الفقر , عدم السيطرة على موارد الدولة , النزاعات الداخلية بين القوى السياسية , تنامي حالات الأغتيال المرتبطة بالإرهاب , جائحة كورونا والركود الأقتصادي الذي صاحبها والتلوث البيئي .. الخ .
ولم تكتف التهديدات من خراب البلاد فحسب , بل اخرجت من كُمها الأحتجاجات التي لم يُفرّق فيها الأمر السيء من الحكيم لتصبح جزء من ذلك الخراب , فهيّجت العنف وخطاب الكراهية وارتفاع سقوف مطالبها ومعطياتها والإختراق السلبي لها . اما الحكومات فقد تمحّلت ليس في ايجاد حل لها فحسب , وإنما في إيجاد الحلول لتلك التهديدات والسياسات التي نمت تحت ظلها وإصلاح الأضرار التي تسببتها للبلاد في كافة النواحي .
ولكي تقضي الحكومة على هذه التهديدات فإنها تحتاج الى رؤية تتجاوز المصالح الشخصية والخصوصية الجغرافية كما يرى ذلك المعنيون بالسياسة بشرط ان تتم بالتنسيق مع خيوط القوى السياسية الفعلية التي نسجت ثوب العملية السياسية والنقاش معها بصوت واحد ووجهآ لوجه وتحذيرها من وطأة الأذى الذي سيصيب البلاد ويصيبها إن لم يخرجوا من الاطار الضيق في التعامل مع الفساد والفاسدين من خلال الترتيبات والاجراءات التي يرونها تضع حدا لهذا الفساد وتكون فيها مصلحة البلاد والدولة فوق المصالح الأخرى .
أما ماخلقته الأحتجاجات فتلك هي الهوّة الكبيرة التي تبدّت وكانت على اشدها في فترة رئاسة السيد عادل عبد المهدي وتحمل وطأتها السيد الكاظمي , فضلآ عن الفقدان بالتوازن والصور الدرامية في المشهد الأجتماعي وبوادر نشوء خطاب الكراهية وعدم التصالح بين الحكومات السابقة وفئات من الشعب على شبكة التواصل الأجتماعي , فأستغول بالعداء وتعمقت عروقه بسيل الدماء ولا يمكن ان يبرد غليانه بين حكومة غير منتخبة , لم تقم إلا بحلول جزئية لم تثاب عليها لأنها كسابقاتها محكومة بمنهج سياسة ادارية مكتبية مجردة من الفعل على الارض في حل الازمات الكبرى وكأنها تعاقب إذا ما تركت هذا المنهج , وبين المحتجين إلا بالدخول في صراع الحل الشامل وهو اكبر من الصراع مع الإحتجاج , لكنه يفتقد الى القدرة والى الخطاب الجهير والمحفّز .
وأستمر خطاب الكراهية بدلالة الشعارات التي رفعت في استثارة شخصيات وكيانات معينة اتهمت بالوقوف وراء الفساد الذي تفشى بالبلاد حتى خضع لقوة جذبها نحو العنف المبطن طرف ثالث متهم تارة على انه قوة ارغامية مجهولة مساندة للحكومة وتارة اخرى انه تشكيل ارهابي , مما دل على ان عجز المسؤولين في ايجاد ذلك الحل يعود لسببين ; إما انهم غير متفقهين بأمور السياسة , وإما أنهم يعرفون الحل ولكنهم لايتمتعون بالقوة السياسية التي تفرضه .
والقوة السياسية بحسب رأي مؤسس الفلسفة السياسية الحديثة توماس هوبز (1588- 1679) لاتعني بالضرورة استخدام القوة العسكرية لما لها من مآزق كثيرة , بل الى استخدام البدائل التي توفر صياغة اخرى للعقد الأجتماعي الحالي الذي يربط الشعب بالحكومة لتتحقق الحرية والأمن والمساواة بين افراد المجتمع .
ولأن المحتجين لم يَرِق لهم ان الحكومة اطفأت مصباح الإصلاح واستلقت على فراشها فحسب , بل اعتبروها حكومة لا تبتعد عن استراتيجية تشكيل خلايا الأزمة ولجان التحقيق وقريبة من مفهوم سياسة التضليل والمناورة المعروفة , إذ في ظاهرها تسائل وحل وفي باطنها لا تضر ولا تنفع .
لذلك استقالت حكومة عبد المهدي من اعباء وغرائبية الواقع السياسي العراقي وكانت سديدة في ذلك , على الرغم من معرفتها للحل , إذ لم يستطع السيد عادل عبد المهدي وهو الشخصية المعتدلة ان يفلت بوزنه الثقيل في مجال السياسة من اصوات الاستنكار التي كانت توجه اليه , وإتهامه بالجهل بمقتضى قامته وفقهه السياسي المعروف الذي تناقض مع عدم قدرته في ايجاد الحلول الجذرية , فغادر رئاسة مجلس الوزراء ليحفظ تأريخه , تاركا كرسيه للسيد مصطفى الكاظمي .
أما الأسباب التي دعت فئة الشباب الى تلك الأحتجاجات والخصومة بشكل خاص وهم يؤلفون النسبة المئوية الأكبر من بين الآخرين في المظاهرات الإحتجاجية , فيفسرها ويجملها علم دراسة الظواهر الأجتماعية على أنهم لم يولدوا في عهود ماقبل السقوط , لأن اكثرهم بعمر السابعة عشرة والعشرين لا اكثر , ولايوجد في وطنهم من هو اولى منهم بالقيام بالإحتجاج ضد الفساد لأنهم أفرغ الناس قلوبآ من الأيديولوجيات وأحفظ لما سمعوا من آبائهم من آفة الظلم واستغلال تلك العهود لهم , لذلك أجازوا لأنفسهم القيام بذلك .
فأيُّ حلٍ يرتضيه هؤلاء الشباب وأيُّ حلٍ ذلك الذي ترتضيه الحكومة ؟
كان رد المحتجين عن السبيل الى تجسير الهوّة وإزالة الخلاف والتوفيق بينهم وبين الحكومة والقضاء على اسباب الإحتجاج هو أن تتبني الحكومة المطالب التالية التي اعلنوها امام العشرات من القنوات ووسائل الإعلام الدولية والمحلية ومنظمات حقوق الإنسان بلسان واحد وهي : أولآ ; تشريع قانون الانتخابات واجراء ها بوقت مبكر وبشكل حر ونزيهة بأشراف الأمم المتحدة . ثانيآ ; مقاضاة حيتان الفساد وإعادة الأموال العامة التي سرقوها وهم الرؤوس الكبيرة التي ساهمت بتدمير العراق منذ 2003 وعلى رأسهم المتواطئين مع المنظمات الإرهابية في احتلال الموصل والكشف عن اسمائهم .
ثالثآ ; إصلاح البنى التحتية وتحسين الخدمات وخاصة في قطاع الكهرباء والصحة والبلديات .
رابعآ ; القضاء على ارتفاع معدلات البطالة وايجاد الحلول المناسبة للعاطلين عن العمل وتعيين الخريجين من طلبة الجامعات واصحاب الشهادات العليا .
خامسآ ; الكشف عن المتورطين بقتل واختطاف النشطاء والمراسلين والصحفيين من المحتجين . وهناك امور اخرى مجتمعية لها صلة كبيرة بوحدة الشعب والبلاد .
ولكن الحكومات السابقة التي توالت على السلطة بشكل عام , لم يتملكها الحرص على ارضاء حاجات الناس إلا بتقديم النمط المكرر الذي لا تملك غيره في التعامل مع اسباب الفساد وهو عدم التعرّض للفاسدين الوارثين عمى البصيرة والدين والأخلاق , الذين اتت بهم الإنتخابات السابقة ليقلبوا حياة العراقيين من واقع مرّ الى أشد مرارة , حتى بلغوا بالفساد واستغلال المناصب للمصالح الشخصية الى درجة بيع المناصب بنفس اسلوب مزاد بيع العملة , بل جوزوا ذلك البيع فيما بينهم ليوجبوا العمل به وكانت ظاهرة من اعلى ظواهر الفساد التي انتقدها العديد من السياسيين وبالأخص رئيس الوزراء الأسبق السيد حيدر العبادي من خلال تغريدة له يقول فيها ” هل وصل بيع المناصب الى المؤسسة العسكرية والأمنية ؟ ” .
الحكومات لم تبرأ ذممها حين طغى الفساد وتفشى اخلاقيآ وسلوكيآ في جميع مفاصل الدولة ولا من الآثار النفسية التي صنعتها اياد الشر في قلوب الملايين من افراد الشعب وما خلفته من جرائم التهجير والتشريد وانهيار العلاقات الاجتماعية المجتمعية ودمار المدن وتحطيم البنى التحية . وكل حكومة كانت أسوأ من السابقة بالخلف والسلف , عدا اهل الجيد والصحيح منها الذين لم يمسكوا بسهام الفساد ليرموا بها جسد الوطن والشعب ,
كما لم تقدم تلك الحكومات منذ 2003 أيِّ صياغة لحلول حاسمة وقاطعة دون تشكيل اللجان التي باتت كالمسكنات تمتص بها نقمة الشعب في آونة الأحتجاجات فحسب ومن دون إعلان أي نتائج لها لحد الآن إلا من بعض الإقالات في المناصب هنا وهناك والمجيء بآخرين بنفس جينات الحنق والبغض والفساد واحلام السابقين .
في هذه المعضلة وقف النقاد السياسيين على الحياد , إذ انهم ورثوا الامر في عدم تقديم الحلول للمشاكل السياسية لكونها تجاوز على حرية التعبير ويعتبرون ذلك بابا مغلق , لكنهم لاينكرون فضل العلم في هذا المقام والأسترشاد به لما يقدمه من قرائن تقارب بالمعادل الموضوعي لمشاكل العصرالمستعصية .
من هذه القرائن معضلة الضوء الذي عجز علماء الفيزياء الكلاسكية عن إيجاد الاجابة للسؤال التالي : هل الضوء سيل من الموجات أم من الجسيمات ؟
بعد عقود أجاب العالم اينشتين عام 1905 على هذا السؤال الذي نجمله بالآتي : ان الضوء المسلط على سطح معدني هو سيل من جسيمات صغيرة تسمى ” فوتونات ” لها طاقة محدودة كلما زاد تردد الضوء تزداد طاقة الفوتون التي تستطيع ان تحرر به الكترونات ذلك السطح بطاقة حركة وسرعة اكبر . وفي ذلك اثبت ان الضوء هو موجات وجسيمات .
إذآ سبب عدم قدرة الحكومات على إيجاد الحل لإقتلاع الفساد المتمثل بألكترونات الفساد المختبئة في مدارات القوى السياسية يعزى الى ضعف الوعي السياسي في إيجاد المصطلح السياسي الجديد الذي ينطوي على شجب واحتقار ورفض للفضاء السياسي الذي ولدت وترعرعت فيه والتفكير بالمجيء بفضاء آخر بمبادىء جديدة لاتضع البلاد والعباد وراء ظهره لتبدأ منه الحكومة الحالية او القادمة بالوصول سواء بشكل فردي او جماعي الى الوعي الذي يرقى الى مستوى وحجم اينشتين في الفيزياء ليتجلى ذلك الحل الحقيقي للناس برؤية ثاقبة وعندئذ لا فساد ولا زيف ولاتمايز طبقي ولا محسوبية وتسود العدالة لتستحق على ذلك جائزة نوبل في الفيزياء السياسية ويخلّد ذكرها .

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب