19 ديسمبر، 2024 12:54 ص

من يتسلق “ساق البامبو”؟

من يتسلق “ساق البامبو”؟

الرواية اما ان تعالج امراض المجتمع فيؤدي الروائي دور عالم الاجتماع, او تتسلل امراض المجتمع الى صفحاتها بمن في ذلك النقطة والفارزة وراس السطر فيختلط حابل مجتمع الرواية بنابل خيال الروائي. رواية “ساق البامبو” للروائي الكويتي سعود  السنعوسي بدت استثناء فريدا. اعترف انني لم اسمع باسم هذا الروائي من قبل. ولولا بوكر العربية التي منحته جائزتها للعام 2013 لبقي مجهولا لدينا ولدى جمهرة كبيرة من القراء. السنعوسي تناول قضية تشغل المجتمع الكويتي وهي قضية البدون وزواج الكويتيين من الخادمات الاجنبيات. قد لايبدو الامر جديدا على صعيد هذه الجزئية.  فهناك اعمال روائية وقصصية ومسلسلات تلفازية ناقشت هذه القضية في الكويت او سواها من المجتمعات الخليجية.
ما صنعه  السنعوسي بدا امرا مختلفا تماما. فعلى صعيد الصنعة الروائية استطيع القول انه قدم للقارئ العربي نصا مدهشا من حيث البناء الفني  بدء من الغلاف الذي احتوى على اكثر من مفاجاة وانتهاء بالسطر الاخير منها. الغلاف حمل اسم “ساق البامبو” الذي بدا قناعا للاحداث واسلوب معالجتها. كما حمل اسم مترجم ومراجع لاحداث الرواية. لم يكن الامر مجرد حيلة روائية بقدر ما كان محمولا دلاليا  قدر لنا معايشته والتعامل معه كما لو كانت الرواية مكتوبة بالفلبينية ومترجمة للعربية. نعرف ان هذه مجرد حيلة تقنية  لكن لبراعتها تعاملنا مع ابراهيم سلام كمترجم وخولة راشد كمراجعة من حيث تدقيق بعض الاحداث والوقائع كما لو كانا بالفعل كذلك.
 
الرواية نقد قاس وفظيع للمجتمع الكويتي بتقاليده وتناقضاته الطبقية والاجتماعية والمفاهيمية من خلال بطلي الرواية “خوزيه” بالفلبينية او “عيسى” بالعربية وغسان. المفارقة التي برع السنعوسي في توظيف كل جزئية منها على المستويين الفني والدرامي تتمثل في ان  عيسى المولود من اب كويتي “راشد” وام فلبينية  تزوجها سرا “زواج عرفي” يحمل قوة القانون والشرع من الناحية الرسمية لكنه مرفوض اجتماعيا. شكل عيسى بملامح الام الفلبينية الخادمة وصوت الاب الكويتي تحول الى لعنة دائمة لايستطيع الفكاك منها. بينما غسان  صديق ومواطن راشد “الكويتي” لاتقل معاناته  ماساوية عن خوزيه او عيسى المعترف به مواطنا كويتيا يدخل المطار من بوابة مواطني دول مجلس التعاون الخليجي بينما غسان لايسمح له لانه من فئة “البدون”. معاناة غسان  تبدو معكوسة ولكنها تفضي الى النتيجة نفسها. مقبول اجتماعيا لانه لايختلف عن الكويتيين من حيث الشكل والسحنة والولاء والتضحيات “شاهده عيسى يبكي بحرقة عند وفاة الامير” لكنه بلا وثائق اثبات رسمية. المجتمع الكويتي يتعامل شكلا مع غسان ككويتي مرفوض على مستوى الهوية ويقبل خوزيه الفلبيني الام او عيسى الكويتي الاب على مستوى الوثائق ويرفضه على مستوى الواقع باستثناء اخته غير الشقيقة خولة التي تحبه وجدته التي قبلت صوته لانه يشبه صوت ابيه لكن ليس بمقدورها تخطي نظرة المجتمع الدونية له بدء من جارتها ام جابر الى ازواج بناتها الاثرياء.  
 
الرواية وبرغم نقدها القاسي للمجتمع الكويتي فقد فازت  بجائزة الدولة التشجيعية في الكويت وهي بحد ذاتها التفاتة رسمية في غاية الاهمية. السؤال الذي تبادر الى ذهني حال انتهائي من قراءة هذا العمل الروائي الفذ .. اين وقفت الرواية العراقية منذ محمود احمد السيد حتى احمد السعداوي الفائز هو الاخر بالبوكر لعام 2014 ؟ لا اقصد احداث المجتمع العراقي ووقائعه بل امراضه؟ السنعوسي الكويتي قام بدور علي الوردي عراقيا. شخص الامراض وكتب وصفات لمعالجتها. لكن عراقيا مازلنا نعيش على وصفات علي الوردي كعالم اجتماع دون ان يسعفه على امتداد عمر الرواية العراقية الطويل روائي واحد تناول امراض المجتمع العراقي وتناقضاته بما يقدم وصفة حقيقية للمعالجة. صحيح انها  نجحت في سرد  وقائع واحداث المجتمع العراقي بدء من عشبة خلود كلكامش حتى احداث العنف الطائفي عام 2006 مرورا بـ “دكة الرارنجية” لكنها اكتفت بنقل امراض هذا المجتمع الى ابطالها وشخوصها. امراضنا نجدها في سلوك البطل المزدوج مثل شخصيتنا التي شخصها الوردي بينما تجسدت في شخصية البطل انتصارات وهزائم بدء من الغلاف وانتهاء بالنقطة وراس السطر.