نحن بحاجة الى قيادة سياسية قادرة على إنقاذ العراق من الفوضى ج 1
لست في معرض الحديث عن صاحب الكتاب أخي وصديقي قصي محبوبة ، ففي العرف الشرقي الكتابة عن صديق شهادة مثلومة ، في العرف الشرقي الكاتبة عن عبقرية الناس الأحياء كلمات تقبل التأويل السيئ ، بالتالي نحن نخفي مشاعرنا ثم سرعان ما نطلقها بعد رحيل العباقرة ونكتب عنهم حتى نبالغ فيها حد التطرف او اللامعقول ، بما أني شرقي العرف والعادات والتقاليد، لذا سوف أتطرق للكتاب وأهميته استنادا إلى ظروفنا الراهنة وليس للكاتب .
يبدوا أن كتاب ( القائد … بين السياسة والسلطة والنفوذ ) لم يكن ترفا فكريا بل كان شعور الكاتب أن العراق الممزق بحاجة له ، يقول الكاتب في إهدائه ( الى وطني الممزق بين ال ” أنا ” وال ” أنت ” ….. و ال ” نحن ” تموت واقفة كنخلة ) , قد تم طبع الكتاب عام 2010 ، ولا يخفى أن الكتاب اخذ الكثير من الوقت تفكيرا وتأملا وتجميع للمصادر العربية والانكليزية ، السنوات الأخيرة التي مرت بالعراق دفعت الكاتب الى رفد المكتبة العربية بهذا الكتاب على الرغم أن الكتاب لم يتطرق الى التفاصيل السياسية في العراق بقدر ما تطرق الى مفهوم القائد وأهميته في بناء حاضر ومستقبل الشعوب .
الكتاب الذي طبع للمرة الثالثة لحد الآن وهو من أكثر المبيعات في المكتبات العربية ” يكشف عن أسرار القيادة ويفسر مكوناتها ويعلن على الملأ أنها أي القيادة هي الأزمة وهي الحل ومنها يبدأ التخبط وبها ينطلق التألق ” .
الأزمة العراقية آذن في القيادة التي هي بلا شك فقيرة ، لكن ماذا نفصد بالفقيرة ؟ يجيب الكاتب محبوبة ” القيادة التي همها الأساسي والوحيد هو الحفاظ على الوضع الراهن ، ويكون هدفهم الوحيد هو القيادة من اجل القيادة ذاتها وليس من اجل الناس او أهداف يسعون لها ” ص 36
وهذه القيادة السياسية العراقية الحالية ليست فقيرة وحسب بل أنها قيادة بعقلية القرية ، والمقصود بعقلية القرية هنا استنادا الى الكتاب يعني الاهتمام بالأتباع ، الموالين الى أقصى درجاته ، بينما الاهتمام بالأهداف يكون في أدنى درجاته ، ولا شك أن مايجري في العراق هو الاهتمام بالأتباع على أساس أنهم المصدر الأساسي لوجود هذا القائد او ذلك دون الاهتمام بالأهداف او الانجازات ، عقلية القرية او القيادة الريفية التي تعتمد على منضومة العلاقات الخاصة التي هي اقرب الى علاقة شيخ القبيلة بأفراد قبيلته ، القرابة والدم والمعرفة الشخصية هي الأساس لانها مصدر الولاء . (ص 37)
عقلية القرية هذه تعتمد على شعار ( الشين الي اعرفه أحسن من الزين الي ما اعرفه ) بالتالي لا عجب أن تشاهد الاعتماد على جاهل بدلا من خبير او متخصص مع تبريرات الولاء والثقة ، لذلك لا يمكن حصر أي انجازات قد تحققت خلال السنوات الماضية ، وان تحقق شيء من الانجازات أنما هي انجازات مخجلة معيبة لا تتناسب مع إمكانيات العراق المالية والبشرية . الحقيقة الواضحة هي أن القيادة العراقية التي تصدرت المشهد السياسي العراقي بعد سقوط صدام حسين هي قيادة تبحث عن بناء سلطة وليست دولة ، وكما معروف أن عقلية القرية القائمة على ولاء الأتباع والاهتمام بهم قادرة على بناء سلطة ، بينما بناء الدولة والمؤسسات تعتمد على عقلية القيادة التي توازن بين مشروع الدولة والوسائل ، بين الأهداف والأتباع .
أكثر من 1000 مليار دولار أمريكي هي واردات العراق في السنوات العشرة الماضية ولحد الآن لا توجد خدمات مثل الكهرباء والصحة والمياه الصالحة للشرب والتعليم ، مليارات من الدولارات صرفت على الأمن ولكن داعش استطاعت أن تحتل أكثر من ربع أراضي العراق بلا قتال .
هذه الكوارث ليس من نتاج الشعب او الأتباع أنما هي نتاج القيادة التي همها الوحيد أن تبقى ممسكة بعنوان القيادة وتحت عنوان القيادة الفقيرة العاجزة من انجاز أي أهداف او مشروع للحاضر او المستقبل .
لكن يبقى السؤال لماذا عجزت القيادة العراقية الجديدة ولمدة عقد من الزمن أن تحقق اي انجاز ، لماذا فشلت في تأسيس دولة بل لماذا فشلت حتى في مشروعها الطائفي ؟؟؟
يجيبنا محبوبة في كتابه الرائع ( تطور الفكر البشري استطاع أن يطور اشكال الحكومة حتى وصلت الى درجة عالية من الإتقان ، لكن من يسعون الى أن يكونوا في الحكومة لم يطوروا او يفهموا كيف يطوروا شخصيتهم مع تطور مفهوم
الحكومة . يحدد الرئيس باراك حسين اوباما هذا الخلل فيقول ” الحكومات وصلت الى سن الرشد ، ولكنها مازالت تفتقد الى قادة سياسيين في سن الرشد ” ) ص 211.
أكثر من عشرة سنوات في الحكم ولم يصلوا الى سن الرشد ، تصرفاتهم تؤكد هذه الحقيقة المرة ، مهاتراتهم وصراعاتهم مع الداخل والخارج أوصلت بلادنا الى الإفلاس والضياع ، لا تدري ماذا يريد القادة السنة ، لا ندري ماذا يريد القادة الشيعة ولا ندري ماذا يريد القادة الكورد !!!! فوضى عارمة في كل المجالات ، نرجسية عالية في كل الاتجاهات ، لم نسمع من احدهم اعتذارا ولو بسيطا عن ما جرى ويجري في بلادنا ، نسمع تبريرات وأكاذيب لا تنطلي على طلبة الصف الأول الابتدائي .
لا يريدون انفصال ، لا يريدون وحدة وطنية ، لا يريدون أقاليم .. لا يريدون اي شيء سوى أبقاء الحال على ما عليه ، فرهودا ونهبا ، والنتيجة …. ؟؟؟ الحاضر والمستقبل يدفع أثمانا باهظة . الحاضر المبهم والمستقبل المجهول هو من نتاج قيادة العراق السياسية الحالية التي تكمن فيها المشكلة وليس بالشعب العراقي المقهور .
اختم هذا الجزء بهذه المقولة :
” جيش من الخرفان يقوده أسد يرعب أكثر كثيرا من جيش من الأسود يقوده خروف “
جابريس ، ملك قبرص : 410- 375 قبل الميلاد .