22 ديسمبر، 2024 2:19 م

من وحي شهريار وشهرزاد (6) بين الثناء والمداهنة تكمن أسرار المحبة

من وحي شهريار وشهرزاد (6) بين الثناء والمداهنة تكمن أسرار المحبة

قالت شهرزاد: دخلنا دائرة الإهتمام وأشعرنا الآخرين بأهميتهم في حياتنا ،هل علينا أن نثني عليهم بكل صغيرة وكبيرة لدوام الحال ؟

شهريار : الثناء هو غاية الأحساس بالأهمية ، وإنه لمدعاة للفخر بما ينجزه الإنسان من أعمال صغيرة كانت أو كبيرة ، وإن أحدنا ليلتمس الثناء التماسا بعبارات رقيقة أو شديدة تُذكّر من حوله بنجاحاته التي لم يُكافأ عليها ، ذلك الثناء الذي يدفع المعلمين المخلصين الى تخريج أجيال وأجيال ، على مدى عقود طوال ، لينالوا البركات والتهاني ببلوغ طلابهم أعلى الدرجات ، وإنهم ليتفاخرون بطبيب تخرج من صفوفهم قبل 20 عاما، أو مهندس بارع تعلم على أيديهم في أيام شبابهم ، وهو الذي ألهم الشعراء والفلاسفة والمفكرين والمبدعين ليسطروا أعظم العلوم الإنسانية ويحققوا ذواتهم ويثبتوا أهميتهم وينالوا اعلى مقامات الثناء.

يقول وليم جيمس : (إن أعمق مبدأ في الطبيعة البشرية هو التماس الثناء).

وعلى قدر فهمنا لأهميته نسلك طرقنا للثناء ، فهناك من يسلك طرق الخير بإنشاء المستشفيات ،او معالجة الفقراء ، وهنالك من يسير في طرق الإبداع كالرسامين والموسقيين ، وصنف ثالث يكسب الشهرة بالإجرام ،وهو يتلذذ بوصفه رئيس عصابة او تاجر مخدرات ،وإنه لعاجز على القيام بأي خير ليكسب الثناء المحمود .

ولناخذ أمثلة عالمية على التماس الثناء طلبا للإحساس بالأهمية : جورج واشنطن أراد أن يدعى (جلالة رئيس الولايات المتحدة)، والتمس كولومبوس لقب (أميرال المحيط ونائب الهند ) ،وكانت كاترين العظيمة ترفض فتح الرسائل التي لاتحمل عبارة (جلالة الملكة) .

إن الثناء ياشهرزاد باب من أبواب المحبة في قلوب الناس،لكن ذلك لايعني الثناء عليهم بما لايستحقون، فإن التماس الثناء ، أو الثناء على العدم هو النفاق بعينه .

ومن أجل أن نفرق بين الإثنين ونحن نعلم يقينا أن الجميع يبتسمون حين تتعالى أصوات المديح والثناء نقول : لقد وصلنا الى قلوب الناس بغايات سليمة ، إستنهضنا المحبة في قلوبنا وبادرنا بتواضع لفتح بوابة الإهتمام وكانت تلك بداية نابعة من نفوس طيبة ،فكيف لنا أن نعفرها بالمداهنة ؟.. الفرق بين الثناء والمداهنة ،إن الذي أبدى الثناء إنسان محب نصوح يرى السعادة في نجاحات الآخرين ،ويرغب أيما رغبة بأن يكون داعما لها ،فهو صادق لا يثني إلا على مايرى من خير ، وأمّا المداهن فهو منافق لا يعرف الى الحب سبيلا ، يستخدم مهاراته الماكرة في بناء علاقات بلا أساسات سرعان ما تنهار، وهو يغدق القول الحسن على رؤسائه في العمل ،وزملائه الذين يبغضهم ،ويظن أنه بتلك المداهنة والكذب يبقي الأمور على أحوالها ،وهيهات أن يستطيع .

نحن ندرك بالفطرة والإيماءات المنبعثة مِن أعماق مَن حولنا ،ولغة العين ، والسلوكيات الدائمة، والإهتمام غير المتكلف مَنْ يحبنا ،ونعرف تماما مَنْ يداهننا، وتلك لغة الأرواح تعكسها مرآتها التي لا تكذب (العين) ،وتفضحها الحركات اللاإرادية (تعابير الوجه وايماءاته)، ويُظهر مقاصدها السلوك العام ،وتنجلي مكامنها بمسالك الإهتمام .

علينا أن نتبع بصيرتنا قبل حواسنا لنتعرف على المحبين من حولنا ، وإنهم لألمع من نجوم الصيف ، وأقرب من أوراق الخريف ،وإنْ لم يظهروا المحبة.

كثير من الناس ياشهرزاد لا يجيدون المبادرة في الحب والعطاء ، وهم بحاجة الى متواضع تتكشف به رقة قلوبهم ، ومهتم يوقد أنوار محبتهم ، ومثنٍ صادقٍ يستنهض الإبداع في نفوسهم ، هم كأغصان الياسمين كلما زدناهم هزا أفاضوا علينا عطرا .

 

مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة

للتواصل مع الكاتب : [email protected]