18 ديسمبر، 2024 9:15 م

من وحي شهريار وشهرزاد (46) كل الطرق تؤدي الى المحبة

من وحي شهريار وشهرزاد (46) كل الطرق تؤدي الى المحبة

شهرزاد : في حديثنا السابق أراك تحصر معنى الثقة بين الوالدين والأولاد بإنصات الصنف الأول من أجل الفهم ، وسعيهم لتقدير إدراكات الصنف الثاني ، ونزع قبعة الخبير ،والامتناع عن إسقاط سيرتهم الذاتية على تجارب الجيل الجديد .

شهريار : بما ذكرته أنتِ ياشهرزاد تتحقق معالم الثقة ولا تنحصر فيه ، فكما إن الكثير من أصحاب الخبرات الحياتية يلبسون أقنعة متبدلة لتحاشي مواقف وصدمات لا يمتلكون روح التصدي لها فإن الكثير من الآباء والأمهات يلجأون إليها في منازلهم لإضفاء صورة ما على العلاقة مع أولادهم ، ولو أخذنا على سبيل المثال لا الحصر قناع الصادق الصدوق الذي لا يخفي على عائلته شيء ، ويعيب عليهم كذبة ملاطفة أو مزاح ، وهو يكسب رزقه ورزق عياله بالغش والخداع ، وهكذا تتعاظم شيئا فشيئا تلك الهالة المتلونة الخدّاعة في عيون أبنائه وبناته، وهم يتحرّون الصلاح والصدق في حديثهم كلما وقعت عيونهم على الأب (الصدوق) ، وكلما مضى وقت أطول كان تقبل الصدمة أصعب ، لكن ذلك القناع المحكم بمهارات سطحية الى زوال لا محالة ، وعمر الكذب قصير كما هو شائع ، تلك المهارات السطحية لن تلبث طويلا حتى تصطدم بالواقع ليسقط القناع ويصدم المصدقين به أيما صدمة ،فلو جاء أبنه الأصغر المتسلح بالصدق متعجبا وهو يخبره بصوت مشحون بالألم بأن معلمته في الصف الثاني الإبتدائي عاقبته بالوقوف أمام السبورة والنظر إليها حتى رن جرس انتهاء الدوام بعد أن قال لها : ” لم أكتب الواجب المنزلي لأنني لم أفهم طريقة الحل في الدرس السابق”.

وتخيلي ياشهرزاد ذلك الموقف .. جميع أفراد الإسرة مجتمعون في غرفة المعيشة ،وقد ساد الصمت بعد عبارات طفل مصدوم بصدقه ، في تلك اللحظة إرتجفت معالم القناع ، وتقطعت أربطته ، وتهاوى بسيل من كلمات اللوم للطفل الصدوق : أحمق لِمَ لَمْ تحاول إقناعها بأنك نسيت دفتر الواجب المنزلي في البيت ، أو أنك كتبت الواجب في دفتر الإملاء ولم تحضره معك لانه غير موجود في جدول الدراسة لهذا اليوم،لا ألومها أبدا فانت تستحق تلك العقوبة لأنك لم تستطع أن تخلص نفسك منها .

ساد الصمت من جديد بينما العيون متجمدة نحو الأب ، تكاد تسقط من الوجوه المصدومة !.

قال الأبن الأكبر ذو الـ15 ربيعا : بالأمس فقط دفعتني بقوة وكدتُ أسقط حينما قلت لك : انا أمزح فقط أبي لا تنزعج ، بعد أن أخبرتك بأنني لم أحضر الفاكهة التي تحبها من السوق ، والأن أنت تطلب من أخي الصغير أن يكذب على المعلمة ليخلص نفسه !!.

البنت ذات الـ13 عاما : أبي لا تقل لي إنك جاد فيما قلت .. وكيف لا تكون جادا وأنت تعلمنا إن المزاح كذب وإفتراء ؟!.

إنفض المجلس وذهب كل واحد منهم الى غرفته بخطوات متثاقلة تجر خلفها آثر الخيبة والخذلان ..بعد تلك الصدمة بدأت تتكشف الحقائق المُرّة يوما بعد آخر .. صار الأب تحت عين الرقيب بدلا من عين الإفتخار والتقدير ..هل ترين يا شهرزاد أي اثر للثقة بعد ذلك اليوم ؟ .

شهرزاد : أكاد أتخيل الموقف حقا ،وكأن الأب المخادع أمسك بفأس كبيرة وانهال بالضرب على جذع شجرة مزهرة بالثقة حتى أسقطها في لحظات ..لكن كيف لنا ان ننزع الأقنعة قبل أن تسقط وتكشف المستور وتصدم ابناءنا وبناتنا ؟.

شهريار : كأنك نسيت ياشهرزاد ماتحدثنا به مسبقا عن الطاقات المتفجرة من أنوار المحبة ؟ ، فكما إنها قادرة على زرع ابتسامة صادقة نقابل بها وجه مدير ثقيل الظل ، وخلع قناع المجاملة ، أو ابتسامة تفاؤل تمنعنا من إرتداء قناع المواساة لزميل قرر أن يكون عبوسا في صباح يوم جديد ، فلابد لتلك الأنوار أن تستنهض في نفوسنا هامات القيم العليا وتكون منارا نستدل به الى تحقيق النصر الذاتي على علل نفوسنا لتكون سلوكياتنا مطابقة لقناعاتنا ، وحينها لن نحتاج الى أي قناع لأننا نواجه أبناءنا وبناتنا بما نحن عليه لا بأقولنا أو أفعالنا المصطنعة .

شهرزاد : ياالله !!.. كل شيء ترجعه للمحبة ، وفي كل مرة تسلك طريقا جديدا لأقناعي بفعلها السحري !، فتارة تقول :إنها أساس للتواضع ، وأخرى: إنها أساس للنجاح في العمل ، وثالثة : إنها اساس لبناء الثقة مع الزملاء ، ورابعة : إنها الطريق لتحقيق السعادة ، وخامسة : إنها السبيل لإرضاء الوالدين ثم إرضاء الله ، وها أنت تعيدنا للقول : إنها الطريقة المثلى لخلع أقنعة متعددة نلبسها لنسير في ركب الحياة ، وآخرها أقنعة يلبسها الكثير من الآباء والأمهات للتعامل مع أولادهم !! ، ثم تَعطف على تلك المحبة أسباب التمسك بالقيم العليا وبناء ثقة رصينة مع الأبناء والبنات!! .

شهريار : ولِمَ العجب ياشهرزاد ؟ ، إنْ كانت 19 طريقا شقها الرومان لربط الدول الواقعة تحت سيطرتهم بعاصمة الإمبراطورية القديمة ، حتى قيل :”كل الطرق تؤدي الى روما” ، فإن جميع النجاحات ، والإنتصارات ، والصالحات الباقيات ، والإبداعات ،والإبتسامات المشرقات ، وحتى الأفكار الملهمات ، مرتبطة بأنوار المحبة ، وبإمكاننا القول ولو لمرة واحدة : “كل الطرق تؤدي الى المحبة” .

مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة