22 نوفمبر، 2024 6:51 م
Search
Close this search box.

من وحي شهريار وشهرزاد (33) خلاصة القول في الابتسامة والكلمة الطيبة

من وحي شهريار وشهرزاد (33) خلاصة القول في الابتسامة والكلمة الطيبة

في آخر هذا المقام ياشهرزاد نستطيع القول : إننا حين نستحضر النورانية في قلوبنا – منبع كل خير – تنطلق المحبة كألوان الطيف لتبهج النفوس .. إبتسامة بنكهة الصباح ترسم الفرحة ،ثم إنتقاء للحروف يصنع جسور الثقة ، فكلمات حانيات تعزز مكانتنا في قلوب الناس ، فإذا عصفت بنا ريح عاتية التزمنا الصمت حتى نستعيد التوازن بتأمل المنتصر ثم ننطلق من جديد لنواصل مسيرة العطاء .

نحن نخوض معارك يومية بين ( الأنا) والنورانية ، وكلما مالت الكفة الى المحبة ازدانت نفوسنا بالسعادة ، وانتشرت أنوارها الى أعماق بعيدة ، حتى كأن أحدنا فنارٌ على شاطئ بحر لجي تهتدي به النفوس لتصل الى بر الأمان .

ومادمنا بهذا السمو فإن الأمواج العالية لا تصل إلينا لطفئ الضياء ، فإن تهاوت طاقة المحبة انطفأ مصباح الهداية ،وتلاش الفنار ، وضيّع معه كل دليل يقي أحبابنا وأصحابنا والخيرين شر الغرق في الهموم .

إنها أمانة ياشهرزاد تهبها السماء للسرائر النقية ،وتذكرنا بها كل يوم ابتسامة الطفل البريئة ،ولعلنا نرتدي أقنعة لنتحاشى بها السيئين لكننا بحاجة الى وجوهنا من غير رتوش حينما نقابل الخير ،أوحتى من نجد عندهم النزر القليل منه ، فتلك الإبتسامة الصادقة الممتزجة بتعابير السعادة كفيلة باستنهاض المحبة في القلوب.

هكذا بكل بساطة نبتسم لنشعر بالسعادة، نتحرك ونجلس ونتحدث بتفاؤل، فتتغير الأحوال الى أحسن الحال ، السماء لا تهبنا السعادة لكنها تمنحنا القدرة على استحضارها في قلوبنا وقلوب الآخرين .

أصدق أنواع الحديث ذلك الذي نصارح به أنفسنا بأننا غير مسؤولين عن أودية مظلمة نختبئ فيها ،منذ عقودنا الأولى ، أوصلتنا إليها عبارات التنكيل وكسر الهمة ، وبالنتيجة فنحن قادرون على بلوغ أعلى القمم لو ألغينا تلك التصورات ،ومنحنا أنفسنا ما تستحق من التقدير والثناء .

 

نحن نلهم أنفسنا الخير بانتقاء الكلمات التي نرددها ، ونزيد من روابط الثقة والمودة مع الناس بالطريقة ذاتها ، الناس كل الناس يحبون أن يسمعوا الكلمات الحانية بشكل مستمر، وإنْ كنّا في كثير من الاحيان لا نشعر برغبة التعبيرعن تلك المودة المعلومة ابتداءً ، لكن الأهل والأصدقاء والأحباب والزملاء والجيران يرغبون بسماعها دائما ، ذلك أنهم بشر ، والمقياس موجود في ذات كل واحد منا .

ولذلك يقول رابي تلوشكين : “مايحتاجه منا الآخرون على نحو دائم هو أن يعرفوا أننا مهتمون بهم ، وأن أفعالهم الطيبة تشعرنا بالأمتنان ، وأننا نحبهم .. الأمر بهذه البساطة”.

ولو أدركنا ياشهرزاد أن الثناء ،الذي تشح به نفوسنا على الآخرين، ينعكس تقديراً وامتنانا يشعرنا بالسعادة لملأنا الدنيا بالمديح الصادق ،وتعطرت ألسنتنا بأعذب الكلمات ، لكننا نعتقد في غالب الأحيان أننا أجدر بذلك الثناء ، فتتغنى ( الانا) لنزداد عزلة من غير أن نحقق أي انتصار .

واذا كان ” أعمق دافع في الطبيعة البشرية هو الرغبة في الشعور بالأهمية والقيمة” كما يقول جون ديوي ، فعلينا أن نعلم قيمة الكلمات التي تبلغ مسامع الناس ،وأثرها على نفوسهم.

نحن نبحث عن المحبة ونريد أن تكون لنا أهمية وقيمة عند الناس ، لكننا لانفكر إلا ما ندر بأن هذا الشعور متبادل ، وعلينا أن نكون سباقين في إيصاله للآخرين ليرتد إلينا محبة وتقديرا .

ربما يستمع إلينا الآخرون حينما نتحدث عن أنفسنا وتجاربنا بإسلوب شيق متفائل ويزيد ذلك من تقديرهم لنا ، لكننا لا ننال محبتهم إلا حينما نتحدث عنهم وعن إنجازاتهم بكل خير .

التعبير بالمجاز يختصر المسافات الى قلوب الناس ، ويزيد من حماسهم وعطائهم ، لكننا نفقد المصداقية حينما نفتقر الى لغة الجسد المصدقة لتلك الكلمات ، لو قلنا ألف مرة لإنسان ما إننا نحبه بوجه متجهم ،او بايماءات رأس مطرقة فلن يصله ذلك الإحساس ،ولو اقسمنا بأغلظ الأيمان .

إذاً فالمحبة مجموعة أحاسيس صادقة نابعة من تصورات طيبة تتجسد بالإبتسامة والحركة والتعبير والكلمة لتبلغ أعمق نقطة في وجدان الآخرين ،وتنشر السعادة في نفوسهم .

 

مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة

أحدث المقالات