23 ديسمبر، 2024 12:07 ص

من وحي شهريار وشهرزاد (26) الكلمة بلسم سحري لكل القلوب

من وحي شهريار وشهرزاد (26) الكلمة بلسم سحري لكل القلوب

ثقي ياشهرزاد بما سأقوله لك : إن كانت الإبتسامة مفتاح للقلوب فان الكلمة الطيبة بلسم لجراحها وغذاء للروح ومنار للعقول.

شهرزاد : أسترجع في مخيلتي الآن كلمات عن ابتسامة الطفل فينا بوصفها أصدق ابتسامة تسعدنا وتسعد من حولنا ، لكن ماذا بعد أن تتفتح القلوب ،وتشرق السعادة على الوجوه ؟ .. كيف لنا ان نغتنم هذه الاجواء لنزيد من سعادتنا ؟ .

– بتلك الإبتسامة مددنا جسورا رقيقة من الإرتياح والثقة المتبادلة ،ونحن بأمس الحاجة الى تمتينها ، فإن إنطلقت السنتنا بخير زادت المحبة ،وصار للجسور أعمدة تحميها من الإنهيار السريع ،فإن زدنا طيبا تركنا في النفوس انطباعا كرائحة المسك لا تزول بسرعة أبدا ،وهنا نُذكّر بإطلاقات المحبة التي تزيد العلاقة ارتواءً وخضرة ، وتعجّل بثمارها الشهية ، وتجبر كل غضن نكسره بأخطائنا غيرالمتعمدة في غالب الأحيان .

شهرزاد : لكننا قد نصطدم ، بعد حديث طويل وعلاقة طيبة ، بأن المقابل قد بنى لنا صورة مخالفة لما نحن عليه.. ماالسر في ذلك ؟.

شهريار : السر ببساطة إننا بنينا تلك الصورة في ذهن المتلقي من خلال ما نصف به أنفسنا ، قد نستخدم كلمات طيبة بالحديث مع الناس، لكننا نتحدث أيضا عن (حظنا العاثر) ، ونقلل من أهمية تجاربنا ونجاحاتنا باختيار عشوائي للكلمات فنفقد ثقة الآخرين شيئا فشيئا من غير أن نشعر ، جميل أن نحسن اختيار الكلمات والسلوك بالتعامل مع الآخرين لكننا ملزمون بوصف أنيق متفائل لاوضاعنا حتى تكتمل الصورة الحسنة في أذهانهم .

فقد نحصل على تعاطف آني ونحن نعيب تجاربنا السابقة ، لكننا بالنتيجة نرسم صورة مغايرة لحقيقتنا ، ونفقد التعاطف مرة بعد أخرى ، كما نفقد المحبة والثقة وإنْ حافظنا على ابتسامتنا وإشراقة وجوهنا حينما نتحدث .

إنها معادلة لا تقبل التجزئة ، كأننا نسحب الناس من ظلام دامس، ثم نبلغهم بكل بساطة بأننا لا نمتلك شمعة لنضيأها لهم ، علينا أن نفكر بإيجابية بأنفسنا وبتجاربنا وخبراتنا تماما كحرصنا عليها في نظرة الناس لنا .

إستحضار النورانية والإستعداد لإبتسامة مشرقة صادقة يعني أننا رسمنا صورة طيبة للمتلقي ، ومحونا أي نظرة سلبية عنه،وعلينا أن نترك لتلك الإبتسامة متسعا من الوقت لتتغلغل في نفوسنا أكثر ، وتطرق على أبواب الأيجابية فينا أكثر فأكثر لتنعكس على أفكارنا بحق أنفسنا كما انعكست على تصوراتنا للأخرين وأفكارهم .

يقول مارك توين :(الكلمة الصحيحة هي القوة الفاعلة، وكلما وقعنا على إحدى تلك الكلمات الصحيحة جدا يصبح التأثير الناجم عنها بدنيا، إضافة الى كونه روحيا وسريعا كالكهرباء) .

نعم ياشهرزاد إنها كالكهرباء ، فاما أن تكون كلمة صحيحة جدا تنير فينا السعادة والإرادة على تحقيق مزيد مع النجاحات في الحياة وفي قلوب الناس ، وأما أن تكون تيارا صاعقا تقشعر منه النفوس والأبدان ، وتذبل من أثاره كل معاني السعادة والثقة .

– وماذا عن القناعات الراسخة في نفوسنا عن فشلنا الساحق في تجربة او علاقة او وظيفة ؟ .. لا أعتقد أن تلك الابتسامة او الكلمات قادرة على تغيير قناعاتنا بهذه السهولة !.

شهريار : الإبتسامة محفز لكل طيب .. ألم تكن تلك الكلمات الجارحات التي تلقيناها كوابل نيران محرقة من أحد الوالدين، أو أخ أكبر، أو معلم جهول ،أوقريب حقود ، أو صديق حسود سببا ببناء قناعاتنا التي كانت سببا في فشلنا ؟.

لقد خضنا التجربة ونحن ابتداءً نردد مع أنفسنا : (لا أستطيع النجاح .. لن يكون الأمر سهلا، أنا عاجز عن تحقيق هدفي) .. فكان ماكان من فشل ، حتى ذلك الفشل لايخلو من نجاح، الأحمق فقط هو من لا يتعلم من فشله وكلما نهض سقط في فشل آخر .

يقول أحمد توفيق حجازي :(إن الفرق بين الأحمق والحكيم هو ليس في كون الحكيم لايرتكب الأخطاء ، ولكن في تعلمه من الأخطاء التي ارتكبها ) .

هكذا هو الحال ياشهرزاد علينا أن نتعلم من أخطائنا ، ونصحح تصوراتنا ، ونوقر ذواتنا ، فكما أن كلمات تافهات زرعت في نفوسنا قناعات سيئات عن قدراتنا ، وكانت سببا في إخفاقاتنا ، فإن الكلمات القيّمات الملهمات الناصعات قادرة على بناء قناعات مضيئات تستلهم طاقاتنا، وتغيّر أحوالنا ، وتعيد بناء ثقتنا بأنفسنا ..لن نكون قادرين على نيل الثقة الآخرين ما لم نحقق الثقة بذواتنا أولا .

كما ترين فالأمر كله مرتبط بأفكارنا نحن وتصوراتنا عن أنفسنا وعن الاخرين ، حتى الابتسامة والمحبة والكلمات الطيبة كلها في الأصل أفكار ،و لو أدرك كل واحد منا قدرته على التغيير ابتداءً بذاته هو لمحى كلمة المحال من قاموسه، ولتجلت بين يديه طاقات كامنات لايعلم قرارها إلا الله ثم الباحثون عنها في أعماقهم .

إستحضار النورانية ونحن في أسوأ حالتنا فكرة ، وإستنهاض الإبتسامة الصادقة من أعماقنا فكرة، وتغيير تصوراتنا عن الآخرين لإطلاق تلك الإبتسامة الساحرة فكرة ، وإظهار المحبة العفوية فكرة ، واستجماع الإيجابية عن ذواتنا فكرة ، وبالتالي فان تغيير قناعاتنا ماهي إلا أفكار إيجابية مودوعة فينا ، وماعلينا إلا تغليبها على السلبية الطاغية بسبب التراكمات السيئة في عقولنا اللاواعية.

يقول إمرسون “إن الانسان هو مايفكر فيه طوال اليوم “.

فلو أننا سمحنا للتراكمات السيئة بالهيمنة على طريقة تفكيرنا طوال اليوم ، فكيف لنا أن نحسّن من تصوراتنا ؟ ، ونغير قناعاتنا السلبية عن أنفسنا او الآخرين ؟ !.

مقتبسات من مؤلفي : شهريار من بغداد وشهرزاد من القاهرة

للتواصل مع الكاتب : [email protected]