23 ديسمبر، 2024 5:19 م

من وحي ذكرى استشهاد سيد قطب !

من وحي ذكرى استشهاد سيد قطب !

سيد قطب إبراهيم حسين الشاذلي (9  أكتوبر تشرين أول  1906م  ــ 29   أغسطس آب 1966م ) ..
شعاره : (( لا بد أن توجد طليعة إسلامية تقود البشرية إلى الخلاص ))
 كاتب وأديب ومنظر إسلامي مصري وعضو سابق في مكتب إرشاد جماعة الإخوان المسلمين ورئيس سابق لقسم نشر الدعوة في الجماعة ورئيس تحرير جريدة الإخوان المسلمين .
ولد في قرية موشا ، وهي إحدى قرى محافظة أسيوط ، بها تلقى تعليمه الأولي وحفظ القرآن الكريم، ثم التحق بمدرسة المعلمين الأولية عبد العزيز بالقاهرة ونال شهادتها والتحق بدار العلوم وتخرج عام 1352 هـ 1933 م. عمل بوزارة المعارف بوظائف تربوية وإدارية ، وابتعثته الوزارة إلى أمريكا لمدة عامين وعاد عام 1370 هـ – 1950 م. انضم إلى حزب الوفد المصري لسنوات وتركه على أثر خلاف في عام 1361 هـ – 1942 م وفي عام 1370 هـ – 1950 م انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، وخاض معهم محنتهم التي بدأت منذ عام 1954 م إلى عام 1966 م، وحوكم بتهمة التآمر على نظام الحكم ، وصدر الحكم بإعدامه ، فأعدم عام 1385 هـ1966 م.
مرَّ سيد قطب بمراحل عديدة في حياته من حيث الطفولة ثم أدب بحث في مدرسة العقاد ثم ضياع فكري ثم توجه للأدب الإسلامي إلى أن صار رائد الفكر الحركي الإسلامي، وهذه المرحلة هي التي يعرف الناس اليوم بها سيد قطب.
يعتبر سيد قطب من أكثر الشخصيات تأثيرًا في الحركات الإسلامية التي وجدت في بداية الخمسينيات من القرن الماضي، له العديد من المؤلفات والكتابات حول الحضارة الإسلامية، والفكر الإسلامي. هو الابن الأول لأمه بعد أخت تكبره بثلاث سنوات وأخ من أبيه غير شقيق يكبره بجيل كامل. وكانت أمه تريد منه أن يكون متعلمًا مثل أخواله كما كان أبوه عضوًا في لجنة الحزب الوطني وعميدًا لعائلته التي كانت ظاهرة الامتياز في القرية، يضاف إلى ذلك أنه كان متديناً في سلوكه.
عرض على سيد قطب في يوم تنفيذ الإعدام ، وبعد أن وضع على كرسي المشنقة أن يعتذر عن دعوته لتطبيق الشريعة ويتم إصدار عفو عنه فقال:«لن أعتذر عن العمل مع الله .» فقالوا له إن لم تعتذر فاطلب الرحمة من الرئيس. فقال:«لماذا أسترحم؟ إن كنت محكوماً بحق فأنا أرتضي حكم الحق وإن كنت محكوماً بباطل فأنا أكبر من أن أسترحم الباطل .» وروى أيضًا أن الذي قام بعملية تلقينه الشهادتين قبل الإعدام قال له: تشهد فقال له سيد قطب :«حتى أنت جئت تكمل المسرحية ، نحن يا أخي نعدم لأجل لا إله إلا الله وأنت تأكل الخبز بلا إله إلا الله.»
كان سيد قطب يبتسم عندما سيق إلى المشنقة ابتسامةً عريضة نقلتها كاميرات وكالات الأنباء الأجنبية حتى أن الضابط المكلف بتنفيذ الحكم سأله. من هو الشهيد؟! فرد عليه سيد قطب بثباتٍ وعزيمة «هو من شهد أن شرع الله أغلى من حياته» وقبل أن ينفذ الحكم جاءوه برجل من الأزاهرة فقال له «قل لا إله إلا الله» فرد عليه سيد قطب :«وهل جئتُ هنا إلا من أجلها» وتم تنفيذ حكم الإعدام ونفذ فيه في فجر الاثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 أغسطس آب عام 1966 م.
  من المؤسف حقاً ؛ أن تكون الشعارات التي يرفعها السياسيون أيام نضالاتهم السلبية ، لا تتوافق ـ في أكثر الأحيان ـ مع متبنيات أتباعهم عندما يستلمون سلطة الحكم .
والحالة هذه ؛ فقد نذر الشهيد سيد قطب حياته الفاضلة لأجل الإسلام المحمدي ، ولأجل تحقيق حلم الأنبياء (ع) ، في إقامة حكم السماء على الأرض . في مثل هذا اليوم 29/آب/ 1966 أقدم نظام جمال عبد الناصر على جريمته التاريخية بإعدام الشهيد سيد قطب (رحمه الله) ، وهو أشبه ما يكون بالجريمة التاريخية التي أقدم عليها نظام صدام حسين بإعدام الشهيد السيد محمد باقر الصدر ( رحمه الله ) في 9/نيسان/1980.
 النظام العالمي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لا يريد للإسلام ان يحكم شعوبه وأوطانه ، فتوظف حكومات تبدو وطنية التطلعات ، قومية الأهداف ، إلا أنها في حقيقتها ، وجوه لهوية واحدة ، تحكم الوطن باسم الوطنية .. تحكم العرب باسم العروبة.. تحكم المسلمين باسم الإسلام ، والوطن والعروبة والإسلام منهم براء !
العاطفة المصرية ؛ حالة سيكولوجية في شخصية المجتمع المصري ، والمجتمع المصري مجتمع يتشابه مع المجتمعات العربية الأخرى ، من حيث الانبهار بالخطب والبيانات الرنانة الطنانة التي تتعالى من على وسائل الإعلام الحاكمة على لسان الحاكمين . فقد هزت العالم العربي خطب الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر ، حتى وصل دويها وصداها إلى أقصى الشرق العربي وغربه ، وما زال العرب الخمسينيون يتغنون ببريق خطب بطل العروبة والقومية حتى يومنا المنهار هذا . وهو الذي أخزى الأمة العربية بمأساة عام 1967، ورجالاته الذين أخزوها بعده بالمعاهدات المصرية ـ الصهيونية ، التي توارثها الخلف عن السلف ، حتى جاء اليوم الذي حكم فيه الأخوان المسلمون ليلوحوا للعالم موقفاً مغازلاً ـ مع جديد عهدهم ـ بزيارتهم لجمهورية إيران الإسلامية ، وبتأييدهم للجهاد الإسلامي وتعاطفهم مع إسماعيل هنيه ونضاله ضد الإحتلال الصهيوني لفلسطين الحبية السليبة ، فأحسّت الإدارات الحاقدة على أية تجربة إسلامية في الحكم خطرَ هذا المنحى ، فدأبت إلى ما دأبت إليه ، من خلال تجييش الجيش على إرادة الجماهير الانتخابية بمصر .. وهي إرادة انتخابية ، رغم كل السلبيات التي بدرت من هذه النتيجة الانتخابية .
أخبرني والدي رحمه الله أنه سأل عمه الشيخ حسن الدخيلي ـ أحد زعماء ثورة العشرين العراقية الكبرى ضد الإحتلال البريطاني للعراق عام 1920 في النجف وقلعة سكر ـ قائلاً : لماذا تحب هتلر يا عمي ؟ أجابني قائلاً : يا بُـني ! أنا لا أحب هتلر ، لكن؛ العرب يحبون شجاعة الشجاع ، فأنا أحب شجاعة هتلر ، لهذا تراني أتابع أخباره خلال الحرب !..
 فالمشكلة السيكولوجية للمواطن العربي ؛ أنه عاطفي الأحاسيس ، يعجب بالشجاعة .. يعجب بالكرم .. يعجب بالفصاحة .. يعجب بالبلاغة .. يعجب بالثراء … وهذا ؛ ما جعلنا ـ نحن العرب ـ ننبهر دائماً بالبطل .. في القصة .. في الرواية .. في الحكاية .. في السرد . وهي سمة محبذة ؛ عندما يكون البطل قدوة وأسوة يحتذى بها ، كما ورد في انبهار بنات نبي الله شعيب (ع) بقوة وأمانة نبي الله موسى (ع) ، أو انبهار المسلمين بشجاعة الإمام علي (ع) وبلاغته وتقواه ، وانبهار العرب ببطولة عنترة . وهذا منحى إيجابي في الشخصية المكتسبة للسلوك المحمود .
أما عندما يأخذ الانبهار منحىً سلبياً في المكتسب السلوكي للشخصية المتلقية ، فيكوّن أثراً وإرثاً مريضاً في السيكولوجية الفردية التي تتبلور وتتمحور حولها تكوينة المجتمع الواسعة ، ومنها ؛ الانبهار بأبطال الأفلام الساقطة وتقليد سلوكم المتدني أخلاقياً ، أو الانبهار بالحكام المتخاذلين والظلمة ، أمثال أنور السادات وجمال عبد الناصر وصدام حسين ، والقبول بسلبياتهم .. حتى وإن دمّرت الحرث والنسل . و مأساتنا العربية الإسلامية ؛ ( إنَّ عين َ الرضا عن كلِّ عيبٍ كليلةٌ) !!!
 لقد اشتغل المرحوم الشهيد سيد قطب بحراك سياسي إسلامي تغييري منظم وفاعل ، بعد عودته من الدراسة بالولايات المتحدة الأمريكية في أغسطس آب عام 1952م ، تأثراً بنهج أساتذته الأجلاء جمال الدين الأفغاني و أبي الأعلى المودودي ومحمد إقبال و حسن البنا (رحمهم الله) ، وهو ذات الاشتغال الذي اشتغله الشهيد السيد محمد باقر الصدر(رحمه الله) الذي حمل راية الرسالة التغييرية الانقلابية منذ عام 1957 لمواجهة المدّ الفكري الماركسي الرأسمالي آنذاك ، من خلال تجديد وتفعيل طرح النظرية الإسلامية القادرة على سياسة وقيادة الدولة والمجتمع ، بالقدرة المعاصرة المتجددة زمانياً ومكانياً ، من خلال تثوير طاقاتها الكامنة . 
لقد رأينا ـ نحن شباب السبعينات ـ انبهارنا بشخصية الشهيد السيد محمد باقر الصدر (رض) فرحنا نتسابق لأجل قراءة جميع مؤلفاته ، وأتباع توجيهاته ـ والكثير منا دون تنظيم في حركة الدعوة الإسلامية ، رغم ما لاقيناه بفعل الشبهة آنذاك ـ
اليوم ؛ نأسف كثيراً ؛ عندما نرى النتائج لم تحاكِ المقدمات ، أو المخرجات لا تفرح المدخلات !!!
 وهي الحقيقة المرّة ؛ التي يعيشها المواطن المصري اليوم ؛ عندما لم يرَ في الأخوان المسلمين وجه التسامح والتصافي الذي كان مشرقاً على وجه الداعية المسلم الصادق حسن البنا (رحمه الله). لعله ؛ مازال الثبات المبدئي الصادق الذي ارتسم على وجه سيد قطب لحظة تنفيذ حكم الإعدام وليس سلوكه في الأخوان المسلمين اليوم . كما أن الشارع المصري المتدين  ولم يقرأ اليوم الأفكار التي كان يطرحها الشهيد سيد قطب (رحمه الله) في السلوك السياسي لحكومة الأخوان المسلمين بمصر البارحة ، حتى تاجر الجيش بخطب الشيخ محمد متولي شعراوي (رحمه الله)،مغازلة لهؤلاء المتأسفين على نتائج الحاكمية العابرة لحركة الأخوان المسلمين بثوبها السياسي الجديد ، موحية للمؤمنين من مسلمي مصر بدائلَ غير مسيّسة للشارع المصري المتديّن ، وهي تريد بهذا الطرح المتاجر به ، تبني مشروع الإسلام الغير سياسي ، من خلال إسقاط الهوية الوطنية الإسلامية لتنظيم الأخوان المسلمين .. الأخوة الأعداء !!! 
ولأنَّ الإرادات الدولية الكبرى لا تريد للإسلام أن يحكم شعوبه ، ولأنَّ المسلمين السياسيين سيّسوا الأمّة على التناحر الطائفي . فأنا بتواضع ؛ أخشى على الإسلام العظيم ، من أن يتعرض إلى كارثة استنساخ التجربة السياسية المصرية المعاصرة في عراق الغد . فالتنافر بين الأطراف السياسية الإسلامية العراقية .. سنية ـ شيعية ، شيعية ـ شيعية ، مهددة  بما يهدد الحراك السياسي الإسلامي المصري والتونسي اليوم. مالم تنتبه القوى السياسية الإسلامية ـ الآن ـ إلى مصيرها الخطير في العراق !..