22 فبراير، 2025 1:18 ص

من هو المدعي الذي تتوفر فيه المصلحة عند إقامة دعاوى حماية المال العام امام القضاء الدستوري؟

من هو المدعي الذي تتوفر فيه المصلحة عند إقامة دعاوى حماية المال العام امام القضاء الدستوري؟

من هو المدعي الذي تتوفر فيه المصلحة عند إقامة دعاوى حماية المال العام امام القضاء الدستوري؟
لم يمضِ يوم او اكثر على قيام المحكمة الاتحادية العليا برد دعوى أقامها عدد من أعضاء مجلس النواب للطعن بعدم دستورية جلسة التصويت على قوانين العفو العام وقانون تعديل الأحوال الشخصية وقانون إعادة العقارات المشمولة ببعض قرارات مجلس قيادة الثورة المنحل وعلى وفق القرار الذي تلته في الجلسة العلنية لنظر الدعوى 17 وموحداتها/اتحادية/2025 بتاريخ 11/2/2025، حتى اردفتها في اليوم التالي بقرارٍ اخر ردت فيه دعوى أقامها عضو مجلس النواب ايضاً بالعدد 249/اتحادية/ 2024 بتاريخ 12/2025، وفي كلا القرارين أسس الحكم بالرد على عدم توفر المصلحة عند المدعين الذين اقاموا تلك الدعاوى، لانهم أعضاء في مجلس النواب وان تلك التشريعات محل الطعن لم تمس حقوقهم الشخصية،
وحيث ان هذه الاحكام القضائية هي باتة وملزمة، ولها اثر كبير في تغيير اتجاه الفقه القانوني سواء في فقه قانون المرافعات والإجراءات القضائية او في فقه الدعاوى الدستورية، لذلك لابد من مناقشة الفكرة القانونية التي وردت في الاحكام وليس مناقشة الاحكام ذاتها، لأنها كما اسلفت باتة وملزمة ولا يعلى عليها أي رأي فقهي نتقدم به بعنوان البحث الفقهي والعلمي.
وسوف لن ادخل في تفاصيل المصلحة التي وردت في المادة (6) من قانون المرافعات المدنية رقم 83 لسنة 1969 والشروحات التي قدمها فقهاء القانون او الاجتهاد القضائي في موضوع المصلحة لجميع أنواع القضاء الاعتيادي او الإداري وحتى الدستوري، وانما سوف انطلق مما ورد في القرار الذي تلته المحكمة عبر البث التلفزيوني للدعوى المتعلقة بالطعن بالقرارات الخلافية المشار اليها في اعلاه، حيث أشار السيد رئيس المحكمة المحترم بان المدعين ولأنهم أعضاء في مجلس النواب فان الدعوى لن تتوفر على وجود مصلحة لهم في اقامتها لإنها لا تمس حقوقهم الشخصية وعلى وفق الشرح المسهب الذي تضمنه القرار،
وعند الوقوف على محتوى الدعويين اللتين ردت فيهما الدعاوى بسبب عدم توفر المصلحة، فان الدعوى الأولى التي أقامها عدد من النواب بالعدد 17وموحداتها/اتحادية/2025 ومنهم عضو مجلس النواب الدكتور رائد المالكي وعدد من زملائه النواب، فإنها انصبت على الطعن بعدم دستورية الجلسة التي بموجبها صوت على تلك القوانين، ومنها قانون تعديل قانون العفو العام، ومن خلال الاعلام والتعليمات التي أصدرها مجلس القضاء للعمل بالقانون منذ لحظة التصويت عليه وحتى قبل إصداره من رئيس الجمهورية ونشره في الجريدة الرسمية، فانه قضى بشمول المدانين بجرائم الفساد المالي والإداري وسراق المال العام،
كذلك محتوى الدعوى التي أقامها النائب باسم خشان بالعدد 249/اتحادية/ 2024 فان محتواها الطلب بالحكم ببطلان جداول الموازنة العامة لعام 2023 ، 2024، 2025 المصطنعة التي نشرت في الجريدة الرسمية، واعتماد الجداول التي صوت عليها مجلس النواب لإنها تمثل ضرر في المال العام وهدر في التخصيصات وحرمان بعض الجهات على حساب جهات أخرى وعلى وفق ما نشر في صفحة جلسات المحكمة على موقع المحكمة الاتحادية العليا الالكتروني الرسمي،
والمشترك بين هاتين الدعويين هو الطلب بحماية المال العام لان العفو سوف يلحق الضرر من خلال افلات المدان من العقوبة مع وجود فسحة لعدم إعادة الأموال المسروقة او التعويض عن الضرر الذي لحق بها، كما يتمثل بوجود شبهة تزوير في جداول الموازنة العامة وهو ضرر محقق لان جداول الموازنة العامة تتعلق بالنفقات لميزانية الدولة،
وحيث ان عضو المجلس النواب يحمل هذه الصفة النيابية فإنه بحكم الدستور ممثل عن الشعب وانه يمارس صلاحياتها بموجب التفويض الدستوري الذي فوضه الشعب من خلال الانتخابات وعلى وفق احكام المادة (49/اولاً) من الدستور التي دجاء فيها (يتكون مجلس النواب من عدد من الاعضاء بنسبة مقعد واحد لكل مائة الف نسمة من نفوس العراق يمثلون الشعب العراقي بأكمله، يتم انتخابهم بطريق الاقتراع العام السري المباشر، ويراعى تمثيل سائر مكونات الشعب فيه)، ومن ثم فان أي خرق لحقوق الشعب التي اقرها الدستور تكون لهم المصلحة في الدفاع عن حقوقه من خلال تمثيلهم لمصلحة الشعب،
لذلك فان من صلب واجباتهم الدستورية هي حماية المال العام بوصفهم النيابي، عبر اتباع جميع السبل القانونية والدستورية ومنها الدور الرقابي وتشريع القوانين التي تحمي المال العام، وكذلك حق اللجوء الى القضاء الدستوري والاعتيادي والإداري، من اجل حماية المال العام،
ولو سايرنا الاتجاه القضائي للقضاء الدستوري، فان عضو مجلس النواب هو مواطن قبل ان يكون حاملاً للصفة النيابية، التي هي اصلاً صفة عارضة سوف تزول لاحقاً عند انتهاء الدورة الانتخابية،
وفي كل الأحوال فان عضو مجلس النواب سواء بصفته النيابية او بوصفه مواطناً فانه ملزم بحماية المال العام بموجب الزام دستوري يسمو على نصوص وقواعد المرافعات التي وردت في قانون المرافعات المدنية او في النظام الداخلي للمحكمة الاتحادية العليا، حيث ورد في في الفقرة (أولا) من المادة (27) الاتي (للأموال العامة حُرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن)
وهذا الواجب يمثل المصلحة في إقامة الدعاوى التي يهدف من خلالها الى حماية المال العام، بل يرتب جزاء عليه ان هو لم يقم بأداء واجبه الدستوري، لان صيغة النص الدستوري تضمنت (الوجوب) بمعنى الزام كل مواطن بحماية المال العام عندما اشار الى ان حمايتها واجب على كل مواطن، وفلسفة الواجب في القانون، يتعلق بها الجزاء على من لم يؤدي واجبه الذي قرره القانون او الدستور،
لذلك فان المصلحة متوفرة في كل من اقام تلك الدعوى طالما تتعلق بحماية المال العام، ومصدرها النص الدستوري في المادة (27/أولا) من الدستور، الذي هو اسمى من القانون والنظام الداخلي،
ومن الاحكام القضائية المقارنة التي اعتبرت المصلحة متوفر في كل مواطن يقيم الدعوى لحماية المال العام، ما جاء في قرار للمحكمة الإدارية العليا المصرية في قرارها الذي عرف بقضية عمر افندي، رقم 11492 السنة 65 قضائية في 7/5/2011، حيث ان المحكمة اعلاه اعتبرت ان المدعي وان كان مواطناً عادياً لا يملك صفة مباشرة تؤهله ليكون مدعياً في الدعوى بموجب قانون الإجراءات المدنية المصري، والذي يقابله في العراق قانون المرافعات المدنية، الا انها وجدت ان هذا المواطن تتوفر له الصفة والمصلحة في الدعوى، لان عليه واجب دستوري بحماية الملكية العامة (المال العام)، حيث ان الإعلان الدستوري لعام 2011 النافذ في حينه في مصر جاء فيه نص يلزم المواطن بحماية الملكية العامة في المادة (6) من ذلك الإعلان الدستوري وعلى وفق الاتي (للملكية العامة حرمة وحمايتها ودعمها واجب على كل مواطن وفقا للقانون) وتطبيق نص الوجوب بالنسبة لاي مواطن يكون من خلال اللجوء الى القضاء لحماية الملكية العامة من أي اعتداء.
كما يؤكد قرار المحكمة المصرية اعلاه على ذلك الوجوب والالزام وتوفر المصلحة وعلى وفق ما جاء في حيثياته حيث جاء فيه (أن ما خلص إليه الحكم من توافر صفة رافع الدعوى جاء متفقاً وصحيح حكم القانون على اعتبار أنه أقامها دفاعاً وذوداً عن الملكية العامة التي هي ملكية الشعب والتي يجب دستورياً على كل مواطن الذود عنها عند النيل منها، و بذلك فقد ألقى المشرع الدستوري على عاتق كل مواطن التزاماً بحماية الملكية العامة من أي اعتداء و الذود عنها ضد كل من يحاول العبث بها أو انتهاك حرمتها ، الأمر الذي من شأنه أن يجعل لكل مواطن صفة و مصلحة أكيدة في اللجوء للقضاء مطالباً بحماية الملكية العامة ، سواء بإقامة الدعوى ابتداء أو بالتدخل في دعوى مقامة بالفعل ، ومتى كانت الشركة محل النزاع من الأموال المملوكة للدولة ، فقد أصبح على كل مواطن ، بما في ذلك المدعي و الخصوم المتدخلين، واجب حمايتها بالمطالبة بالتحقق م مشروعية الإجراءات التي اتخذت للتصرف فيها و مدى صحة عقد بيع أسهمها ، و من ثم يتوافر للخصوم المتدخلين صفة و مصلحة في تأييد المدعي في طلباته و الانضمام إليه للقضاء بهذه الطلبات ، بما يجعل تدخلهم في الدعوى انضمامياً إلى جانب المدعي مقبولاً)
ومما تقدم نرى ان حماية المال العام واجب على كل مواطن سواء كان نائباً او تنفيذيا او قاضياً وكل من يحمل الجنسية العراقية، باي وصف كان، وهذا هو جوهر المصلحة في الدعاوى التي تقام لحماية المال العام، بل البعض يرى ان هذا السند القانوني للرقابة الشعبية على دستورية القوانين، وهو ما رسخته المحكمة الإدارية العليا في مصر بقرارها أعلاه.
سالم روضان الموسوي
قاضٍ متقاعد