7 مارس، 2024 11:03 م
Search
Close this search box.

من هو المثقف الديني الناقد؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

في مقال له، كتب الدكتور عبد الجبار الرفاعي، وهو كاتب معروف واستاذ مختص في الفلسفة الاسلامية، مع تحفظنا على مصطلح “الفلسفة الاسلامية”، كتب مقالًا بعنوان “ولادة مجهضة لبذرة مثقف ديني عراقي”.
يريد القول بذلك: إنه وُلد عندنا مثقف ديني عراقي “ناقد” أي ينتقد بعض الاطر والافكار المتدنية أو، بمعنى آخر التي هي ليست لها علاقة وثيقة بالدين “الحقيقي” الدين الذي نزل من السماء من خلال ملاك ليخبر الانبياء بأنهم مبعوثون من الله الى الناس كافة، ليخبروهم بعبادة اله واحد والخضوع الى تعليماته وبعكسه سينتقم الاله منهم، في الآخرة، ويعذبهم بعذاب شديد!.
لكن بعض الفقهاء حوروا وحرفوا في كثير من تعاليم الدين، او بمعنى اكثر دقة، وضع هؤلاء الفقهاء خرافات وترهات، بدل التعاليم الصحيحة التي جاء بها الانبياء، او يمكن القول: إن هؤلاء الفقهاء وضعوا احاديث مزورة على لسان النبي، احاديث فيها الغث والسمين، ما انزل الله بها من سلطان. ومن خلال هذه الاحاديث تفرقت الامة الاسلامية الى ملل ونحل وفرق ومذاهب، كلٌ منهم يدعي إنه على الحق والصواب، وغيره على الباطل والضلال، وهنا، وبحسب ما اراد الاستاذ الرفاعي القول، بإنّ الناقد الثقافي الديني، واجبه أن ينتقد الاحاديث المزورة، فينفض الشوائب والغبار عنها، ويتعرض بالنقد والتمحيص الى الخرافات التي وضعها بعض الفقهاء وروات الاحاديث، بغرض هدف معين او منفعة دنيوية او غير ذلك، ويبين الناقد للناس زيف تلك الاحاديث والفتاوى والآراء المغلوطة، التي شتت شمل الامة بدل لملمتها.
لكن – وبحسب الاستاذ الرفاعي- فإن مشروع ولادة المثقف الناقد قد باء بالفشل، او ولد ميتا، وهذا المشروع هو من قام به عالم الاجتماع العراقي الدكتور علي الوردي من خلال كتابه “وعاظ السلاطين”، كما يرى الرفاعي.
ويتأسف الاستاذ الرفاعي إنه قد “أجهضت ولادةَ هذا النوع من المثقّف القيمُ التقليدية الراسخة في العشيرة، ونمطُ التدين الكلامي الفقهي الذي تنتجه معاهدُ التعليم الديني”.
ويرى الرفاعي في مقاله المشار اليه إن “المثقّف الديني النقدي يتخذ العقلَ مرجعية، ولا يتردّد في النقد العلمي لمختلف المسلّمات والمفاهيم المتجذّرة والقناعات الراسخة. لا يخيفه اللايقينُ والشك، يعلي من قيمة العلم والتعليم، لا يؤجل التفكيرَ بأيّة قضية راهنة، ولا تثنيه أيةُ ذريعةٍ عن فتحِ أرشيفات التاريخ المطمورة، ودراسة ما هو منسي ومهمَّش ومتكتَّم عليه فيها…”
ويضيف الكاتب من إنّ “المثقّف الديني النقدي ليس مرادفًا للمتكلم القديم أو الفقيه، ولا بديلًا عنهما، بل يمكن أن يكون هذا النوعُ من المثقّف أحيانًا متكلمًا جديدًا، وفقيهًا مجدِّدًا”.
ويوضّح بأنّ “همومُ المثقّف الديني النقدي ترمي إلى بناءِ الإيمان وتمتينِه، لا تبديده وتهديمه، والعملِ على حمايةِ الأجيال الجديدة من القلق والتمزّق والعبثية والضياع، وفقدانهم لمعنى الحياة”.
وهنا لدينا مآخذ على هذا المقال نود بيانها:
اولًا: إن علي الوردي لم يكن رجل دين ولا متدينا، بل كان رجل علماني وله ثقافته ومنهجيته الخاصة به، وقد ردوا على كتبه الكثير من رجال الدين والمشايخ، حيث إن الرجل ينتقد القضايا التي تتعلق بالدين في صورة مباشرة، وفي لغة جميلة سلسة، لا يشوبها الغموض، بحيث قد يؤولها البعض لاويا عنقها لصالحه هو نفسه. والوردي بهذا لا يفترق عن طه حسين في كتابه “في الشعر الجاهلي” ولا يفترق عن عباس عبد النور فيما كتب بهذا الشأن، ولا يفترق كذلك عن مصطفى جحا في كتاب “محنة العقل في الاسلام” كذلك الدكتور كامل النجار في كتاب “قراءة منهجية للإسلام” والدكتور نصر حامد ابو زيد في كل ما كتب بهذا الخصوص، لاسيما في كتابه “مفهوم النص” او حتى الدكتور فالح عبد الجبار في كتابه “العمامة والافندي” وغير هؤلاء الكثير. فهل هؤلاء هم نقاد مثقفون دينيون؟ الكلام موجه للدكتور الرفاعي.
ثانيًا: إن رجل الدين او الفقيه او المفتي، ليس من العقل في شيء أن نطلق على كل هؤلاء بأنهم مثقفون، بل هم دينيون او مختصون او مفسرون او غير ذلك. فمثلا إن الذي يعتقد إن المرأة ناقصة عقل كثير بحقه أن نطلق عليه عبارة مثقف. فالدين له شأن بعينه، والعلم له شأنه الخاص، وهو التجربة، وجناب الاستاذ الكريم سيد العارفين بهذا الموضوع، فمصادر العلم والمعرفة هي التجربة والتمحيص، وخضوع كل القضايا الى المشرط والتشريح بمعية العقل والتحليل الموضوعي. وهذه القضايا لا يخضع لها الفقيه بقدر ما يذهب الى الاحاديث المروية والى الموروث وما جاء فيه من قضايا، وجُلها يصدم العقل، والواقع الراهن، وحتى المنطق، خذ مثالا كتاب “صحيح البخاري نهاية اسطورة” للكاتب رشيد ايلال، ستجد تلك الاحاديث تستهزأ بالعقل البشري ولا تنسجم معه، من قريب او بعيد.
ثالثا: يمكن أن نطلق على الذي يريد أن ينتقد الموروث وما جاء به من ترهات وخرافات وغير ذلك، عبارة “ناقد الموروث” وهذا “الناقد الديني” وهو ايضا يخضع لبعض الخرافات ويؤمن بها، (ولا يسمح المجال بإعطاء الامثلة بذلك) فينتقدها الجانب الآخر، ولا يقر بها المثقف اللامنتمي، بحسب تعبير كولن ولسن. اما المثقف الذي يحمل هذه الصفة بحق وحقيقة هو “مثقف” من دون عبارة الديني. وبمختصر مفيد: الديني، ديني، والمثقف مثقف، وإن كانت ثمة قواسم مشتركة بين الاثنين فهي طفيفة. مع تقديري واعتزازي بالكاتب ولرأيه.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب