23 ديسمبر، 2024 7:10 ص

كثُرت المعاني التي أُطلقت على كلمة ثقافة في اللغة ومن هذه المعاني ما يفيد، الحذق والفطنة والذكاء، يقال ثقف الشيء إذا ادركه وحذقه ومهر فيه، والثقيف هو الفطين وثقف الكلام فهمه بسرعة، اما اصطلاحا ً فقد عُرّفت بانها ((المعرفة التي تؤخذ عن طريق الإخبار والتلقي والاستنباط ، كالتاريخ واللغة والأدب والفلسفة والفنون من وجهة نظر خاصة عن الحياة)) يرى انطونيو غرامشي ان المثقف هو صاحب مشروع اصلاحي ثقافي اخلاقي , بمعنى ان المثقف هو عضو فاعل في المجتمع يبذل قصارى جهده في انتشال الطبقة المحرومة من وضعها المأساوي والاخذ بيدها لما فيه مصلحتها ومنفعتها حيث لا يرى غرامشي وظيفة اخرى للمثقف غير الوظيفة الاجتماعية, فيقول (عندما نميّز بين المثقفين وغير المثقفين فإننا في الحقيقة نشير فقط إلى الوظيفة الاجتماعية المباشرة التي يؤديها المثقف في المجتمع) الثقافة مسؤولية كما يراها الدكتور علي شريعتي الذي يرى في أبي ذر نموذج للثقافة الاسلامية الخالصة التي تتبنى ايدلوجيا احتجاجية رافضة للهيمنة السياسية والثقافية والاجتماعية للطبقة الحاكمة المستأثرة بخيرات السلطة على حساب جياع الشعب ,فالثقافة هي احتجاج ورفض ونقد وسلوك وحركة وتضحية بحيث يمكن ان يكون شعارها وجذرها هو ( أنا أحتج اذاً أنا موجــــود ) وهذه وان كانت رؤية جزمية تشبه الى حد ما (الايدلوجيا ) 
لكن يمكن ان تكون للايدلوجيا ثمرة جيدة ومفيدة اذا كانت تسير بصورة تكاملية كما يرى شريعتي ولا تهرم وتشيخ بسبب جزميتها وجمودها كما يرى الماركسيون هناك كلمة جدا رائعة وفيها عمق كبير واشارة وافية هذه الكلمة هي للمفكر هادي العلوي حيث يقول ((اننا نسعى الى تحويل المثقفين الطبقيين الى فلاحين حتى يتأصّلوا أكثر ((فالعلوي يرى ان المثقف الطبقي لايحمل الاصالة في روحه ولا ينتمي لواقعه كما هو الفلاح المتأصّل والمرتبط بأرضه والمنتمي لواقعه والذي يمزج عرقه وروحه بتراب وطنه ويحرث الراكد والجامد ليخرج منه ثمراً طيباً , يرى المفكر العربي الكبير علي حرب ان المثقف هو (من تشغله قضية الحقوق والحريات، او تهمه سياسة الحقيقة، او يلتزم الدفاع عن القيم الثقافية، المجتمعية او الكونية، بفكره وسجالاته او بكتاباته ومواقفه فالمثقف هو الوجه الاخر للسياسي، او المشروع البديل له) وقد يكون هذا تعريف جدا واقعي وله اثار رائعة فيما لو تبلور بشكل نسق ثقافي عام لدى المثقفين الفاعلين اذ ان قضية الحقوق والحريات هي التي نهضت بالدول المتقدمة وبتجاربها في الاعمار الاجتماعي والانساني قبل الاعمار المادي , فعندما يعرف الانسان ان لديه حق يجب ان يسعى بحرية لتحقيقة حينها يكون انساناً واعياً ومنتمياً لمجتمعه وفاعلا ومؤثراً فيه ولا يكتفي بان يكون صدى لصوت السلطة وتابع مقموع لاحول ولا قوة له ,نحن اليوم في عصر القلق والاضطراب والعنف كما يقول الكاتب العراقي سعد محمد رحيم ((في عصر القلق والاضطراب واللاعدالة واللايقين والعنف , تُصبح السياسة قدر المثقف , لا بمعنى ان يغدو هو نفسه سياسياً , وأنما يمتلك دراية كافية بالمجال السياسي , متخذاً منه موضوعة رئيسة للتحليل والنقد والتقويم , فوظيفته , ها هنا , هو ان ينغّص على السياسيين , ويجعلهم مكشوفين أبداً ,وتحت طائلة المساءلة ..)) فواجب المثقف هو التنغيص على السياسيين والتحرك بكل اتجاه يقلق تمتعهم واستحواذهم على السلطة واستعباد الناس ,
 نحن اليوم بحاجة الى المثقف الحركي الفاعل لا المثقف الحزبي الذي تكون وظيفته تبرير اعمال السلطة ومحاولة اظهارها بالشكل الايجابي , في حين ان دور المثقف هو اظهار الواقع بصورته الحقيقة كما يقول ادونيس ((فالمثقف برأي ادونيس هو انسان يمثل بوضوح وجهة نظر ذات طبيعة ما، ويعبر بجلاء لجمهوره عن تلك الافكار التي يمثلها، برغم كل انواع العوائق )) اختم ما بدات برأي السيد الخميني بالمثقف , حيث يرى الخميني ان المثقف هو (ظل النبي ) بمعنى ان المثقف يمارس دور الانبياء في التصدي للواقع المنحرف ومحاولة تصحيحه وانتشال الطبقة المحرومة من واقعها المزري وتهديم رمزية اصنام الفكر والتبعية في اذهان هذه الطبقات . لذا نلاحظ ان اغلب المفكرين والعلماء بمختلف انتماءاتهم العلمية والدينية يرون ان المثقف هو ذلك الشخص الفاعل والعضو الحركي الذي لا يهادن ولا يتناغم مع السلطة .

[email protected]