18 ديسمبر، 2024 4:55 م

موضوع الخلق امر مختص بالله تعالى. ولا يمكن للمخلوق ان يخلق. وقد ورد في القران قوله تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} وورد في القران انه في يوم خلق ادم عليه السلام تجرأ ابليس ان يعصي ربه . وابليس من الجن وليس من نوع الشيطان لان الشيطان ليس مخلوقا مستقلا بذاته كالإنسان والملائكة والجان والحيوان والشجر . بل هو حالة معنوية تحدث في النفس البشرية او في نفس الجن .. وهذه الحالة تحول الانسان والجان وحتى الحيوان الى شيطان:

هنا لا بد ان نعرف لغويا معنى ابليس ونفرق بينه وبين معنى الشيطان.  كلمة الشيطان مشتقة من الشطن ،أي: بعد عن الخير .فكل مبتعد عن الخير يطلق عليه لغويا معنى شيطان. ومن معاني الشيطان كما في مختار الصحاح: كل عاتٍ متمرد من الإنس والجن والدواب. اما معنى ابليس. في مختار الصحاح تعني: من انقطعت حجته  فيَئِسَ وتحيّر وسَكَتَ وعندنا كلمة شعبية نقول لمن لا يعرف ما يتكلم{انبلس} أي اسكت ولا تتكلم. ورد في المعوذات من وسوسة النفس قوله تعالى: [قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَٰهِ النَّاسِ مِن شَرِّ الْوَسْوَاسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ] يقول فقهاء الشيعة والسنة: والوسوسة: الحديث الخفي في باطن الانسان الذي لا كلام فيه وإنما هي معاني تخطر في الذهن وأوهام تلقى في مخيلة الإنسان ليقع تحت تأثيرها ويقوم بالامتثال لها  ولا يميز في صوابها من خطأها دون تحكيم العقل. وغالبا ما تكون الوساوس مصدرها النفس الأمّارة بالسوء (وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ) فيتحول الانسان الى حالة شيطانية يقول تعالى(فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ) لانه لا يمكن للعدل الالهي ان يخلق غولا يقودنا الى كل رذيلة اقوى منا اسمه الشيطان  ثم يعاقبنا الله لامتثالنا له. يقول تعالى :{ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} وحين تتصارع النوايا في نفس الانسان يمكن ان يطرد حالة الشيطنة في نفسه بالاستعاذة او بالخوف من الله.او بسبب تربيته البيتية  يقول تعالى{أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ  وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} هذا التدافع في نفس الانسان يميز الانسان الصالح عن المنحرف الذي يتحول احيانا الى شيطان .يصفه القران بقوله [ فَلَا اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ  وَمَا أَدْرَاكَ مَا الْعَقَبَةُ فَكُّ رَقَبَةٍ]. ومن واقع تفسير هذه الآية المباركة عندما تم تكليف عمر بن سعد لحرب الحسين{ع} كان عمر يعرف منزلة الحسين{ع} عند الله ولكن الصراع في نفسه عبر عنه بأبياته المعروفة ومنها: أأترك ملك الري والري منيتي .. أم ارجع مأثوماً بقتل حسينِ .

اما افضل توضيح لهذا المعنى ما قاله الحسين{ع} يوم العاشر مبينا النوايا التي حولتهم الى شياطين: مستشهدا بالآية19 المجادلة: اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذكر الله.. فكل من وقف ضده في كربلاء كانت نفسه تمنيه ان يحصل هدية او يخاف من سطوة بني امية او له مارب اخرى.. ولا دخل لشيء خارجي عليهم اسمه الشيطان لانه غير مخلوق..

اذن طبيعة عمل الشيطان وحدود تأثيره على الانسان لا يزيد على الوسوسة في النفس متخفيّاً عمَّن يوسوس له، يقول تعالى : فَطَوَّعَتۡ لَهُۥ نَفۡسُهُۥ قَتۡلَ أَخِیهِ : والتطوع هنا هو ان القاتل يستهين بالقتل كما يحدث عندنا كثيرا الان : سهّلته له أن يقتل أخاه،  فسهل عنده القتل؟ بينما اخاه كانت نفسه تمنعه  من القتل:{لَئِن بَسَطتَ إِلَيَّ يَدَكَ لِتَقْتُلَنِي مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِيَ إِلَيْكَ لِأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ} فمن يقتل انما نفسه دفعته واستهان بالقتل ولا يوجد مخلوق اسمه شيطان بل الانسان حمل صفة الشطن والابتعاد عن الحق والصواب والسلام عليكم.