23 ديسمبر، 2024 2:24 م

هناك ركامٌ هائل ومجاميعُ كبيرة من الناس تشكو سوء الحال ويكثر عندها القيل والقال ..!! وهذا معلوم لدى الجميع … ولكن السؤال الآن : من هو الأسوء حالاً من كلّ تلك الكراديس ؟
والجواب :
ذكر الشيخ الطوسي في أماليه (ج2 ص41) حديثاً لأمير المؤمنين علي بن ابي طالب (ع) يُحدّد فيه من هو أسوأ الناس حالاً .
قال (ع) : { أسوأ الناس حالاً : من لم يثق بأحد لسوء ظَنِّهِ ، ولم يَثقْ به احدٌ لسوء فِعْلِهِ }
وهذا ما يقتضينا ان نتحدث عمن :
1 – سُلبتْ ثقتُه بالناس ..!!
2 – سُلبتْ ثقةُ الناسِ به ..!!
مسلوب الثقة بالناس لن يذوق طعم الراحة على الاطلاق كلُّ مَنْ ملأتْ نفسه الظنون السيئة بالناس ، فهو لاينظر اليهم على انهم اخوتُه وشركاؤه في العيش ، وانما ينظر اليهم بعين الريبة والإتهام وكأنهم المتآمرون عليه ، الساعون الى تجريده من كل ما يملك، لا من الاموال فحسب بل من المواقع والأوراق ..!! وهذه النظرة المليئة بالسلبيات لاتنتجُ الاّ سلوكاً مضطرباً، وأعمالا غريبة، تُباعِدُ بينه وبين الناس، وتعمّق شعوره المتزايد بالخوف والاضطراب …. ان الاصل في التعامل الانساني هو ان تنظر الى أخيك على أنه (برئ الذمة) من الانطواء على الزيف والزيغ والانحراف حتى يثبت العكس . وحين يكون هذا هو الأصل فلن تتلبد الأجواء بالغيوم …. وليس ثمة ما يدعو الى ان تحمل أطنانا من الهموم ..!! انك في ضوء هذا المناخ السليم، تتنفس برئتين، وترمق المستقبل بعين التفاؤل ….، على العكس تماماً من الحالة البائسة التي تجعلك تتعامل مع الآخرين، وكأنهم أعداء ألداء ، وخصوم متربصون ينتظرون الفتك بك ، وينتهزون الفرص للاجهاز عليك ..!! ان الثقة حينما تنعدم بمن حولك، تقودك الى التعامل معهم بكل غلظة وقسوة، وهذا ما يؤدي الى تراكم ألوان عديدة من التشنجات والاحتقانات والمفارقات لافي الجانب الاجتماعي فحسب، بل في كل الجوانب والمجالات …. وهكذا تصل الى الفشل الذريع بسبب ما انطوت عليه نفسُك من هواجس ووساوس ،وانفعالات رديئة …!!! ومن الطبيعي جداً ان يكون حصاد هذه الحالة السلبية هو المزيد من العُزلة والانكفاء ، والمزيد من الناقمين والمعترضين …
-2-
ثقة الناس المسلوبة
ثقة الناس المسلوبة ليس ثمة من موقف محدّد مُتخذ من قبل الناس إزاءك بشكل عشوائي بعيد عن واقع ممارساتك وأعمالك . ان موقف الناس منك ترسمه وتحدده مواقفك منهم : فكيفما تكون معهم تجد انعكاسات ذلك في مواقفهم منك . ولا نريد ان ننفي اساءات بعض المرضى ازاء من يُحسنُ اليهم ، ولكنّ هولاء شواذ ، لايُقاس عليهم بحال من الأحوال …. ان التهاون في الحفاظ على أرواح الناس مثلاً ، لن يقود الى وضع وردي مُبهج ..!! وان ممارسة التضليل بحقهم ،والضحك على ذقونهم يؤدي حتماً الى تنفيرهم وامتعاضهم وسخطهم الشديد ..!! وان الاهتمام بالأقرباء والأصهار بشكل مفرط، دون العناية بالآخرين، عملُ استفزازي آخر يدينه الناس بشدّه ، وبلا هوادة …. وإنَّ اللهاث وراء المناصب والمكاسب الشخصية والفئوية مظنةُ الإفلاس السياسي والاجتماعي … وان محاولة شراء الذمم والأقزام، لن تغيّر الصورة الحقيقية البائسة كثيراً..!! وان ضرب الموازين والقوانين عَرْضَ الجدار، مما لاتحتمله النفوس الشريفة على الاطلاق … وان ايجاد الفرص للفاسدين والمفسدين للعبث بالوطن والمواطنين لن يمّر دون ان يترك آثاره السلبية العميقة في نفوسهم … وان تركهم بعيدين عن الحساب والمساءلة ، يزيد القضية وخامةً وقتامة .. ان حفنة من المرتزقة والمأجورين لايستطيعون ان يلّمعوا صورة من سُلِبَتْ ثقةُ الناس به ، وترتد عليه بالتاكيد – آثار ذلك التزييف والتحريف للحقائق والأرقام والوقائع … ان الإعراض ،عن المهنيين وذوي العقول والكفاءات والتجارب المهمة ، لن يكون موضع رضا من الناس . إنَّ من يكيل بمكيالين، ويُطلق الأقوال على عواهنها، ثم يكذّبها عمليّاً، لاترتاح الناس الى مسلكه ، ولا تثق بأقواله ووعوده …وانّ من يغضّ الطَرْف عن كلّ ما ارتكبه الساقطون من مفارقات ، متى ما أظهروا له ولاءهم ، لن يحظى بثقة الناس على الاطلاق ، لأنه يجعل مصالحه وذاته هي الميزان ، لامصلحة الشعب والوطن … وان التهميش والاقصاء وإذكاء الحس الطائفي ، عملية ممقوته مرفوضة لا تؤدي الى احراز ثقة الناس . وان حجب الحقائق والمعطيات عن الناس ، والتعتيم عليها ، هي الأخرى من المسائل التي تتبخر معها الثقة بصاحب ذلك المنهج البائس … إنّ الاساءة الى الأعلام ، من المراجع والشخصيات المهمة ، والتعبير عنهم بما لايليق ، لن يعود الاّ بمردود سلبي على صاحبه …وايّ مردود سلبي أكبر من فقدان الثقة به ..!! وان تقديم أشباه الأميين ، والمزورين على رجال الصدق والاستقامة، يقود في نهاية المطاف الى انتزاع الثقة بصاحب هذه التصرفات المريبة . ان التستر على المفسدين ، وعزل الساعين الى كشف ملفاتهم ، لن يؤدي إلاّ الى سلب الثقة يُقينا ..!! ان ” الشخصنة ” والحيلولة دون إقامة المؤسسات المهنية العادلة هي الأخرى علامة سلبية كبرى توجب انعدام الثقة بأرباب هذا المسلك العجيب. وتطول القائمة ، قائمة الأفعال الممجوجة اذا أردنا الاسترسال في استعراض المزيد منها … وهكذا يتجلّى للعيان من هو الأسوأ والأردأ …