الأن أدركت معنى المشاهد التي رأيتها بداية الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003، كنت في حينها لم أتجاوز الرابعة عشر من عمري، استذكرت تلك الأيام والمشاهد المرة المخزية بالصدفة، وللوهلة الاولى تبادر الى ذهني بيت من الشعر للكبير احمد شوقي يقول: “وإذا أصيب القوم في أخلاقهم .. فأقم عليهم مأتماً وعويلا”.
لا أعرف من أين أبدأ لأنني على يقين سأواجه انتقادات حادّة كون الموضوع حساس جداً، ولكن حان وقت الحقيقة والمكاشفة.
في إحدى صباحات شهر أبريل نيسان من عام 2003 بالتزامن مع سقوط المدن العراقية بالتتابع بيد القوات الأمريكية، خرج العراقيون الى الشوارع بدعوة من المحتل الأمريكي وأمام أنظار كافة الوسائل الإعلامية العالمية والعربية في حينها، ولم تكن هناك وسائل اعلام محلية كون العراق كان يقتصر على قناة حكومية واحدة، لترافق القوات الأمريكية المدججة بالسلاح، ليعبروا عن فرحتهم بالخلاص من نظام صدام حسين.
اختلف الشعب العراقي بالتعبير عن فرحتهم، فمنهم من استعصم ولازم البيت ويتابع بحسرة وألم على ما يجري وسيجري في البلد خاصة الذين قرأوا التاريخ جيداً وهم الطبقة المثقفة والناس البسطاء الذين لا تربطهم أي مصلحة بنظام صدام حسين أو بالغزو الأمريكي للعراق.
وهناك من تحولوا الى وحوش كاسرة متعطشة للانتقام ليتباهوا بنصر غيرهم وليلبسوا اقنعة وجوه الحقد والبطش، وهذا الصنف من البشر للأسف الشديد هو الذي تحكم ببوصلة العراق ما بعد عام 2003 .
نساءاً وأطفالاً شيباً وشباباً أطلقوا مجتمعين رصاصة الموت البطيء على بلد إسمه العراق، حيث خرجوا منتفضين تجاه المقار الحكومية والمدارس والجامعات والمكاتب العامة والمستشفيات والقصور الرئاسية وامام أنظار الأمريكان كسروا الأبواب وسرقوا الأثاث والمعدات، بل وحتى النباتات، سرق الطفل من مدرسته التي يدرس فيها مقعده الدراسي ليحوله من ملك عام الى ملك خاص، وسرقت الام ماكنة الخياطة التي كانت تتعلم فيها كيفية الخياطة لتعين بها عائلتها في زمن الحصار، وسرق الاب معدات المكتب في الدائرة الحكومية التي يعمل فيها موظفاً ليعيش أولاده وزوجته.
هكذا تم تدمير العراق أمام أنظار أمريكا، بل أن الجندي الأمريكي كان يشجع السارق العراقي ويحيه بكلمة good وملئت البسمة وجه المواطن العراقي المصفر بل أصبحت الأولوية لبعض العراقيين هي للمواطن الذي سرق أكبر عدد من أملاك العراق العامة وضُربت معايير الاخلاق عرض الحائط في وقتها حين أصبح السارق شريف والشريف متخاذل، ظناً منهم ان هذه هي ثروة صدام حسين وأهله، متجاهلين ان هذه ثروة العراق بأكمله.
قطعٌ أثرية، سيارات عسكرية ومدنية، معدات كهربائية، مواد غذائية، مختلف أنواع الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والثقيلة، مواد بناء أولية، مختلف أشكال وأحجام وألوان الأثاث المكتبية، كتب ثقافية وعلمية وتاريخية وغيرها المئات من الكتب النادرة، بل حتى شهادات دراسية إبتداءاً من الشهادات الأولية وصولاً الى منحات شهادة الدكتوراه من أحدى أرصفة الشوارع العراقية، إضافة الى بيع العملة العراقية فئة 10 الف دينار تباع بكميات كبيرة جداً دون الـ 7 الف دينار، كونها عملة مسروقة وكان العراق مهدد بتغيير عملته بسبب سرقة كافة البنوك والمصارف العراقية.
كل هذه الأشياء تم سرقتها وكانت تعرض للبيع علناً في أماكن مخصصة وتحت حماية القوات الأمريكية.
إذاً فالمواطن العراقي هو الذي أعطى الشرعية للمسؤول العراقي ان يسرق خيرات العراق، كون المواطن هو الذي سبق المسؤول بالسرقة، للأسف هذه أحداث ووقائع سوداء من تاريخ العراق الحديث المعاصر.
لكن لو أن النظام العراقي السابق قام بتوفير أبسط مقومات العيش الكريم للشعب لما نزل الشعب الى الشارع وسرق الأخضر واليابس.
القواعد معروفة لكل فعل ردة فعل والمشكلة الأساسية التي يعاني منها المواطن العراقي انه جزء من الأمة التي لا تقرأ ولا تحلل ولا تفكر، لذلك كان الغالبية العظمى من العراقيون يصفقون لصدام حسين وبعد سقوطه صفقوا وسرقوا وانتخبوا الفاسدين ليستنزفو ثروة البلد إذاً الخلل ليس بالحكومات او السياسات المتبعة انما الخلل بالشعب ويبدو ان الذي قام بالأعمال التي ذكرت في أعلاه لم يفهم معنى قوله “كيفما تكونوا يولى عليكم”.