-1-
الدنيويون – وما اكثَرَهم – لا يُحسنون إلاّ فنّ الوقعية بالآخرين ،ونسج المكائد لهم ، وصولا الى أغراضهم في الاستحواذ على المناصب والمكاسب والامتيازات …!!!
ومن هنا تجد أنّ عمليات العزْل ، والنقل لهذا أو ذاك ، انما تصدر عن مثل هذه الخَلْفِية ….
والتحذيرات تتخذ من المصالح الشخصية للحكّام ، لا المصالح العامة للدولة ، المبررات للتغيير والتخلص من هذا أو ذاك ….
تلك هي السمة العامة في الغابر والحاضر ، لمعظم التغييرات في المواقع والمناصب ..
-2-
ويحدثنا التاريخ عما دار بين المغيرة بن شعبة وبين معاوية بن ابي سفيان حين عَيَّنَ معاوية (عبد الله بن عمرو بن العاص ) والياً على الكوفة فيقول :
” أتاه المغيرة بن شعبة ، فقال استعملتَ عبد الله بن عمرو على الكوفة ، وأباه عَمْراً على مصر ، تكون أنت بين لحييْ الأسد “
ومن الواضح أنَّ هذا التحذير لم يكن صادراً من خشيةٍ على مصالح الأمة ، وانما كان بدافع مصلحي شخصي ، صِيغَ بخبث ودهاء ، وكأنه خوف على ما ينتظر الحاكم (معاوية) من أضرار وتداعيات .
ولقد أثّر كلام (المغيرة) أيما تأثير في معاوية، فسارع الى عزل (عبد الله بن عمرو بن العاص ) عن الكوفة ، واتخذ قراره بتعيين المغيرة بن
شعبة بديلاً عنه .
وهكذا وصل (المغيرة) الى ما يُريد ، عبر هذه الإثارة الخبيثة .
( راجع : تجارب الامم ومناقب الهمم لابن مسكويه /ج2 /ص3
-2-
وحين سمع عمرو بن العاص بما قاله المغيرة لمعاوية ، جاءه وقال له :
” أتستعمل المغيرة على خراج الكوفة ، فيغتال المال ، ويذهب به ، فلا تستطيع أنْ تأخذه منه ؟
استعملْ على الخراج رجلاً يهابُكَ ، ويتقّيكّ “
وبالفعل فقد نجح (عمرو بن العاص ) في إثارة مخاوف (معاوية) من (المغيرة)، فبادر الى عزله عن الخراج واستعمله على الصلاة ..!!
وما هو بالرجل المناسب لهذا المنصب ..!!
لأنَّ الذي يؤم المصلين لابُدَّ ان يكون من الأبرار الاتقياء، لا من الموصوفين بالمكائد والزلات ..!!
-3-
وبعدها لقي (المغيرةُ) عَمْراً فقال له :
” أنت المشير على أمير المؤمنين بما أشرتَ ، في عبد الله ؟ “
قال :
نعم
قال :
” فهذه بتلك “
-4-
وهكذا تقع الأمة ضحية الصراعات بين دهاقنة السياسة ومحترفيها،
وفرسان السعي المحموم لاصطياد المناصب والمكاسب …