في الجزء الأول من هذا المقال كنّا قد استعرضنا ثلاثة من خصوم المالكي , هم مسعود بارزاني وأسامة النجيفي وأياد علاوي , وأوضحنا للقارئ الكريم سبب عداء كل واحد من هؤلاء لنوري المالكي وأسباب رفضهم عودته لتشكيل الحكومة القادمة بالرغم من فوز ائتلافه الساحق في الانتخابات العامة التي جرت في الثلاثين من نيسان الجاري , وقلنا إنّ السبب الحقيقي وراء رفض هؤلاء الخصوم هو موقفهم من المشروع الوطني الذي يقوده ويتبناه نوري المالكي في إقامة حكومة الشراكة الوطنية واستكمال بناء المؤسسات الديمقراطية وإنهاء حكومات التوافق والمحاصصات الطائفية والقومية التي أوصلت البلد لهذا الوضع المزري , وفي هذا الجزء سنسلط الضوء على خصمين آخرين لنتعرف على الأسباب الحقيقية التي تقف وراء عدائهم لنوري المالكي , وتصديهم لعدم عودته لتشكيل الحكومة القادمة :
الخصم الأول : عمار الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي , فحين ورث عمار الحكيم قيادة المجلس الأعلى من أبيه المرحوم عبد العزيز الحكيم عام 2009 , كان المجلس الأعلى حينها قد فقد إدارته للعاصمة بغداد وكل محافظات الجنوب والفرات الأوسط لصالح ائتلاف دولة القانون الذي يقوده نوري المالكي , والذي اكتسح الشارع الشيعي في انتخابات 2009 المحلية , وبعدها جائت الصدمة في الانتخابات النيابية العامة عام 2010 , حيث تراجع المجلس الأعلى بشكل كبير , تاركا قيادة الشارع الشيعي لائتلاف رئيس الوزراء نوري المالكي , وقد أدرك عمار الحكيم أنّ سبب اكتساح نوري المالكي للشارع الشيعي هو شخص رئيس الوزراء نوري المالكي الذي استقطب حب الناس والتفافهم حوله , وكان لا بدّ من نزع هذا الحب والالتفاف الجماهيري من حوله , فحاول جاهدا من عدم توّليه للولاية الثانية , لكنّه لم ينجح في جميع محاولاته وأصبح نوري المالكي رئيسا للوزراء مرة ثانية , ومنذ ذلك الحين اصبح منهج عمار الحكيم في قيادة المجلس الأعلى قائم على ستراتيجية إسقاط نوري المالكي في أعين أبناء شعبه , واستثمار عداء الكتل السياسية الأخرى في نفس الاتجاه من أجل خلق قناعة في الوعي الجمعي الشيعي مفادها أنّ نوري المالكي فاشل وديكتاتور , وهو يعلم علم اليقين أنّ المالكي لا دكتاتورا ولا فاشلا , بقدر ما أنّ الذي فشل هو العملية السياسية القائمة على أساس المحاصصات الطائفية والقومية , فأصبح المجلس الأعلى بقيادة عمار الحكيم يعزف على ذات الأنغام التي يعزفها خصومه وأعدائه من قوميين شوفونيين وطائفيين , ولم يترك وسيلة إلا وقد استخدمها من أجل تحقيق غاياته , وآخرها جرّه للمرجع الشيعي بشير النجفي وتوريطه من خلال أبنه بفتوى أصبحت مثار جدل واسع في أوساط الشارع الشيعي وعبئا على المرجعية الدينية , وبالرغم من النجاح النسبي الذي حققه المجلس الأعلى بمضاعفة مقاعده في هذه الانتخابات , إلا أنّ هذا الفوز لم يرتقي لقيادة الشارع الشيعي , فالرياح جائت بما لا ىتشتهي السفن , وعاد المالكي بقوة أكبر من السابق لقيادة هذا الشارع , فأدرك عمار أنّ هدف إبعاد نوري المالكي لم ولن يصبح ممكننا إلا من خلال التحالف مع اعدائه , حتى وإن كان الثمن تدمير العراق وتمزيق وحدته الوطنية .
الخصم الثاني : مقتدى الصدر رئيس تيّار الأحرار , ومقتدى الصدر هو الآخر قد ورث قيادة تيّار واسع وعريض من أنصار أبيه الشهيد محمد محمد صادق الصدر , ومشكلة هذا التيّار الأساسية مع الحكومة ونوري المالكي تحديدا , تتمحوّر حول عدم موافقة رئيس الوزراء وائتلافه على تشريع قانون العفو العام الذي يطالب به تياره ,فهذا العفو من شأنه أن يطلق سراح بضعة مئات من انصاره متورطين بجرائم قتل وأعمال إرهابية ومحكومين بالإعدام من قبل القضاء العراقي , فبعد أن عجز أعضاء التيار الصدري عن اقناع رئيس الوزراء بتشريع هذا القانون بالصيغة التي يطالبون بها , عمدوا إلى الإلتحاق بركب تحالف أربيل من أجل سحب الثقة عن حكومة نوري المالكي , من دون أن يدركوا أنّ العفو الذي يطالبون به هو كارثة ما بعدها من كارثة على أمن البلد , لأنّ مثل هذا العفو سيؤدي إلى إطلاق سراح الآلاف من عتاة القاعدة والقتلة والمجرمين وسيعيد الأمن إلى أجواء ما بعد عفو عام 2008 الذي أدّى إلى إطلاق سراح كل قيادات القاعدة والبعث , فهذا الخلاف بين التيّار الصدري ورئيس الوزراء , هو السبب الحقيقي وراء معاداة مقتدى الصدر لنوري المالكي وانضمامه للتكتل المناهض لعودة نوري المالكي مجددا لرئاسة الحكومة المقبلة .
فمن خلال هذا الاستعراض لأبرز خصوم نوري المالكي , تبيّن لنا أنّ الخصوم لم يتصدّوا لنوري المالكي من أجل البناء والإعمار والخدمات والأمن ومحاربة الفساد وتصحيح المسارات الخاطئة في العملية السياسية وتعديل الدستور , بل أنّ جميع الخصوم ينطلقون من اعتبارات أخرى ليست لها علاقة بالمشروع الوطني , فهم جميعا يرون نوري المالكي عائقا جدّيا أمام تحقيق أهدافهم وغاياتهم السياسية , ولو نجح هؤلاء الخصوم لا سامح الله في تشكيل الحكومة القادمة , فإن العراق بخارطته الحالية سيكون أثرا بعد عين , فلا غرابة اليوم حين نشاهد هذا الحشد من السيئين يساندهم إعلام وكتّاب وكاتبات باعو شرفهم الوطني للشيطان من أجل دنيا زائلة .