23 ديسمبر، 2024 1:56 ص

من هم المنقبون عن الفساد ؟… 

من هم المنقبون عن الفساد ؟… 

اثارت الاتهامات التي وجهها وزير الدفاع خالد العبيدي في مجلس النواب في حينه ردود فعل واسعة على الصعيد الرسمي والاعلامي والشعبي … ووصفت بأنها أكبر فضيحة سياسية الى الأن … وبالمقابل كان هناك من يرى في حينه ايضا أنه لا جديد فيما قاله الوزير العبيدي ، ويحتمل النفي والاثبات الى أن يحسمه القضاء ، ويُشبّه قوة ما تحدث به الوزير في حينه بصوت الاطلاقة في لحظة انطلاقها الى أعلى ، ثم تبرد فيما بعد ، لأنها إستنفدت طاقتها في الارتفاع ، وفقدت زخم الانطلاق عند النزول ، فلم يعد لها تأثير لحظة الانطلاق ، وهذا ما حصل في قضايا سابقة .. فالفساد يكاد يكون هو اكثر كلمة تتردد يوميا على المسامع ، ويتنافس مع توأمه الارهاب في تدمير الدولة والمجتمع معا … وقيل في حينه ايضا أنه ظهرت قبل العبيدي حالات كبيرة ، وتصريحات أخطر بكثير ، واذا كان هو قد اتهم مجموعة ، فغيره اتهم الجميع ، ولم يستثن المتحدث حتى نفسه وعلى الهواء ، ولكن ليس تحت قبة البرلمان …. فما الجديد اذن في هذه القضية …؟.. ذلك ما يكشفه التحقيق لاحقا … وهذا ليس موضوعنا الأساس في هذه الاسطر القليلة … ولكن ….
وسط هذه الازمة الكبيرة ، وأصوات القنابل السياسية المنفلقة والدخان المتصاعد منها تسمع تساؤلات مهنية مريرة ، لم يستطع ضجيح تلك الاصوات أن يطغي عليها …. تساؤلات عن الصحافة الاستقصائية ، واسهاماتها في كشف قصص الفساد والمفسدين ، واين هي من هذه القضايا .. ويُفترض أن يظهر في العراق أعلام كبار لهم تراثهم المتميز في هذا اللون الصحفي على غرار الامريكي ( سيمور هيرش ) الذي كشف مذبحة ( ماي لاي ) في فيتنام عام 1969 ، وكذلك فضيحة سجن ابو غريب التي كشفتها الصحافة الامريكية ، و قضية ( بسكويت اطفال العراق الفاسد ) التي حصلت بسببها الصحفية الاردنية حنان الكسواني على أفضل جائزة اممية من الامم المتحدة عن تحقيقها الاستقصائي عام 2014 عن هذا الموضوع … فكان يمكن أن تكون للعراق مدرسة خاصة في الاستقصاء بسبب الكم الكبير من الظواهر الغريبة التي ظهرت فيه ، وخاصة الفساد وتعقبها واكتشافها ، وتكون مادة علمية مهمة تدرس لطلبة الاعلام عامة في هذا الفن الصحفي الخطير الذي قد يسبق احيانا أجهزة الامن والهيئات المتخصصة في كشف الحقائق والفضائح ، وتعقب الجرائم الذي تسقط هيبة الدولة بالفساد ، وقيمة المنصب بالاتهام ، وتنهك المواطن بالفقر والحاجة … فلا يجوز مثلا ان نستسلم لقدرنا في كل شيء فنكون (عالة ) الى الأبد على غيرنا في ما نأكل ونلبس ونستهلك … وتكون ارضنا مطمعا للغازي ينهبها ، ومن ثم يدعي أنه يحميها على طريقة المثل
( حاميها حراميها ) .. وكذلك في الصحافة ايضا يفترض ان نكون نحن الأولى بكشف ما كشفه لنا الأخر البعيد عنا مسافات طويلة جدا من فضائح كانت تعيش معنا ولكن لا تراها العين لمرض فيها ، او تغمض عنها ، أو لا ترى الا ما تحب ، فتراه جميلا ، بينما هو في حقيقته قبيح على طريقة المثل الشائع ، أو لأي سبب أخر.. وبعد أن تُكتشف ( الفضيحة ) وتعلن للعالم .. من هنا يبدأ دورنا ( الألي ) اذا جاز التعبير في النقل… نتابعها بالتحليل ، والتعليق والاخبار والاستضافات ، واحصاء الضحايا والخسائر والاموال والدمار ..ونقيم الدنيا ولا نقعدها ، وكأننا نحن من إكتشفها ، وتخفت الضجة تدريجيا وتنتهي ، وتأتي أخرى ، وهكذا …وصحافتنا تمارس الدور نفسه …. … العراق بحاجة ماسة الى تفعيل وتعزيز الصحافة الاستقصائية لاهميتها الكبيرة ، ودعم وتشجيع الصحفي الذي يُطلق عليه في هذا اللون من الصحافة ( منقب عن الفساد ) … ذلك هو دور الصحافة الاستقصائية ، وخاصة في الظروف الاستثنائية يكون دورها أكبر ، فتكون لها اسهامة متميزة في كشف الفساد والفاسدين والظواهر الغريبة الشاذة ، لكي تكون الحقائق واضحة كما هي للجماهير ، بعيدا عن أغراض السياسة والسياسيين ، التي قد تختلط فيها الحقيقة بالوهم ، اوالصدق بالتسقيط ..