لاشك ان نفوذ ايران اليوم في العراق هو اكبر من كل مرحلة سابقة، الا تلك الموغلة في القدم والتي كان فيها العراق يرزح تحت حكم الامبراطورية الصفوية، لكن ايران لم تنفك تطمع في السيطرة على العراق وان اختلفت اسباب هذه السيطرة اليوم عن ذي قبل.
فسابقا كانت تحرك الجيوش وتخوض الحروب مع العراقيين تارة، ومع امبراطوريات اخرى كان لها ايضا اطماع في هذا البلد.
لكن بتغير الزمن والاحوال والظروف، تغيرت ايضا طرق ايران في التعامل مع العراق، على الرغم من ان عينها لازالت ترمقه باهتمام بالغ.
فبعد سقوط نظام صدام في 2003 لاحظت ايران ان فرصتها اصبحت مناسبة، وانها لم تتكرر في العصر الحديث منذ انهزام الجيش العثماني امام الانكليز في مطلع القرن المنصرم.
فوجهت طهران كامل طاقاتها الى العراق مستغلة في ذلك المذهبية غطاء مناسبا لتتحرك بسهولة، خصوصا وان الحكم اصبح للشيعة الذين اقنعتهم ايران بانها تريد الحفاظ على المذهب الشيعي وتدافع عنه.
وعلى مدى السنوات السابقة تمكنت ايران عبر الفوضى التي حلت بالعراق من تصفية خصومها من رجال النظام السابق الذين اذاقوها الويل والثبور خلال حرب الثماني سنوات التي دارت بين العراق وايران، فلم تبق طيارا او ضابطا او اكاديميا او مفكرا، بل طال الامر حتى بعض السياسيين المعارضين للوجود الايراني وتدخله المباشر في حكم العراق.
لكن ايران تعلم ان العراق اذا اراد النهوض، فهو يمتلك كل المقومات لذلك، و يستطيع التخلص من واقعه المزري بسنوات قلائل قد لا تتعدى عدد اصابع اليد الواحدة اذا توافرت لديه القيادة المناسبة، وهذا طبعا يشكل ارقا مزمنا لطهران خصوصا وانه يتزامن مع دخولها في صراع طويل مع الغرب من جهة ومع مذاهب المسلمين الاخرى من جهة ثانية.
لذلك بدأت باتباع سياسة جديدة في العراق، مستغلة ظهور داعش وسيطرته على عدة مدن عراقية، فسياستها تعتمد على اجهاض الجيش العراقي بالكامل وسلب ارادته وتقويض دوره، وجعله غير مؤهل وفاقد لثقة الشعب في الدفاع عنه، لتستبدله بمليشيات طائفية يقودها رجال موالون لايران، وقد اكتسبت هذه المليشيات زخما كبيرا بعد ان اقنعت الشيعة بانها ستدافع عنهم وستحمي وجودهم، ولان غالبية الشيعة هم من البسطاء المنقادين اما لاصحاب الاموال او لاصحاب العمامات، لذلك فقد اقتنعوا بهذه الفكرة بسهولة دون ان يفكروا كيف سيتم التعامل معها في حال تحررت المناطق المغتصبة من قبل داعش وعادت هذه الملشيات الى بيئتها، او ان العراق مضى نحو الاقاليم، فمن سيكف يد هذه المليشات عن الجمهور الشيعي الذي سيجد نفسه معها في اقليم لا يتسع للاثنين.
ايران لا تبالي ابدا بالشيعة ولا بمصالحهم، وقد تضحي بهم اذا ما حدثت مواجهة مع جهة ما (الغرب او حلفاؤه) وربما تقنعهم ايضا (واعتقد بسهولة) ان الدفاع عن طهران هو جهاد في سبيل الله، وعليهم ان يموتوا فقط ليدركوا الجنة، وربما هذا السيناريو هو الاخطر على شيعة العراق العرب من اي فكرة اخرى.
لكن يبدوا ان السياسة الايرانية في العراق لم تتوقف عند هذا الحد، فالايرانيون خبراء في السياسة ولديهم صبر كبير وحنكة، فهم يدركون ان العرب السنة هم اخطر مكونات الشعب العراقي على المشروع الايراني، ولابد للقيادة العراقية التي ستدفع بها طهران لحكم العراق وتناضل دونها ان يكون لها مؤيدون من السنة لكي تحظى بالمقبولية، ولتغلق اي ثغرة يمكن ان تستغلها الدول الاقليمية لرفض هذا النموذج من الحكومات والذي يقوم على تهميش السنّة. لكن؛ وهنا السؤال المهم.. من هم القادة السنّة الذين اختارتهم ايران وحصلت على موافقتهم ليكونوا حلفاءها في المرحلة المقبلة؟.
من يستطيع ان يجازف هذه المجازفة، وهو يعلم جيدا انه سيكون مرفوضا من قبل المكون السني وحلفائه، ومرفوضا ايضا من قبل كثير من القيادات الشيعية التي تحاول لملمة الاوضاع، كما انه سيكون عميلا رخيصا لدى ايران والقيادات الشيعية الاخرى الموالية لها ربما ستضحي به عند اول مصلحة.
المشكلة الكبيرة في بعض القيادات السنية ان الصراع والفساد والسمسرة قد وصل بينها الى الحد الذي بدأ البعض منها يتسابق لنيل لقب عميل ايراني، وقد بدأو بتنفيذ جزء من عمالتهم كعربون ثقة لطهران يجسدون عبره جاهزيتهم لبيع كل شيء.
هؤلاء العملاء لايران والذين يسعون لعقد اتفاق معها هم بالحقيقة الاخطر من نوعهم على العراق، وهم في نفس الوقت الاكثر جرأة على بيع ما تبقى من هذا البلد.
هؤلاء معروفون جيدا، وقد لا يحتاج العراقي الى كثير من التفكير ليعرفهم، فاليوم هم اصحاب مشاريع سنّية بحتة، وهو الغطاء الخبيث الذي يسيرون تحته، وتراهم يطلقون عبارات الوطنية ويكثرون منها، كما انهم يظهرون كثيرا على وسائل الاعلام التي تدعي او هي بالفعل معارضة لايران، كما انهم يوهمون الناس انهم ضد التمدد الايراني داخل العراق وانهم رافضين لسياسة الاحزاب الشيعية المتطرفة ويظهرون انهم ضدها بشكل مباشر، بل ويحاولون ان يمنحوا انفسهم امام الناس بانهم سنّة متطرفون نحو سنّيتهم لكي لا يتبادر الى ذهن احد انهم متحالفون مع طهران.
وربما سنحتاج لويكليكس بنسخة جديدة يخترق الحكومة الايرانية او وزارتها الخارجية، لتظهر لنا جيف ونتانة وخسة هؤلاء المقرفون جدا..