29 ديسمبر، 2024 2:09 م

من نجاشي الحبشة .. إلى أردوغان الأناضول

من نجاشي الحبشة .. إلى أردوغان الأناضول

لربما سيرى البعض في العنوان أستفزازا لقناعاته , وسيكون من الصعب عليه أن يوفق بين المعطيات على الأرض وما نهل فكره من تثقيف تحكمت به توجهات حكومية وحزبية عملت على شيطنة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان , وهذا ما أكده الباحث الدكتور عبد الله النفيس حين قال إن حكومات عربية تعمل على إسقاط أردوغان وتجربة حكمة عبر تمويل حزب العمال الكردستاني لإثارة القلاقل .
أردوغان لم يتسبب بالحرج لبعض القادة والرؤساء بسبب مواقفه من قضايا الأمة فحسب , بل بات يؤرق أنظمة بعينها بسبب حضوره الشعبي , وهذا ما ذهبت اليه صحيفة فرانكفورتر ألغيمانية تسايتونغ والتي كتبت في عددها الصادر بتاريخ 3 من نوفمبر قائلة ” فوز العدالة والتنمية سيكون له إشعاع في العالم العربي , فالتركي أردوغان بات بطل الشارع العربي وملهمهم بعد أن سمح لهم بما يتوقون له في بلاده ألا وهو الحرية ” .
وهو ما دفع بدول خليجية تحارب الإسلام السياسي للحيلولة دون تحقيق ما تطمح له تركيا في أن تكون قوة عظمى مؤهلة لتشكيل اتحاد إسلامي بحلول عام 2020 .
هناك قول مأثور مفاده ” أن أردت أن تعرفني فسأل من هو عدوي ” وغيرهم قال ” لتعرفنهم بنوائحيهم ” , ولست هنا للتمسح بأبواب السلاطين تزلفا لتزويق وتجميل ما قبح من قول وفعل , عافانا الله وإياكم من هذا الداء الذي تفشى بمنطقتنا العربية , ولكن هناك التزامات أدبية وأخلاقية تفرض علينا عرض الوقائع للجمهور ويترك له بعده الخيار ليحتكم لصوت الضمير المستتر خلف النعرة الجاهلية وليس الأنفة اليعربية .
الغريب في الأمر إن معظم من يوجهون فوهات أقلامهم ويطلقوا العنان لألسنتهم عِبر كيل الأتهامات صوب أردوغان هم من الميسورين معيشيا , سواء أكانوا جماعات أو أفراد , فيغلظون له في القول ويهاجمونه في مناسبة وغير مناسبة وليس كما يذهب البعض في وصفه بأنه “رجل إسلام البيزنس” وإنه يتاجر بالأزمات .
كما إن الوقائع على الأرض تشير لغير ما ذهب إليه أولئك , فتركيا ما زالت تعمل بقانون “الحماية المؤقتة” الذي أقره البرلمان التركي في نيسان عام 2013 لتتنتهج أنقرة سياسة الباب المفتوح التي أستضافت على أثرها أكثر من ثلاثة ملايين لاجيء من عدة دول ومنها سوريا والعراق ومصر وليبيا والتي وفرت بموجبها الظروف اللازمة لتأمين حياة كل من يهجر بلاده لإسباب باتت معروفة , يأتي هذا في وقت أعتمدت فيه دول عربية سياسة غلق المنافذ وتضييق الخنادق وإغراق الانفاق والمعابر بقوانين المسائلة والمتابعة .
وللحديث صلة , لنستذكر هنا قيام إحدى دول الخليج العربي بالاحتفال في رأس السنة الميلادية عبر إضاءة سماء عاصمتها بنحو 40 الف مفرقعة من الألعاب النارية , احتفالات تزامنت مع ضرب عاصفة ثلجية قادمة من سايبيريا لمخيمات اللاجئيين السوريين جنوب تركيا , لتسارع أنقرة حينها بتوزيع أكثر من 50 ألف ملحف وغطاء على هؤلاء .
التنظير السياسي وإطلاق حزم من التهم بأن أردوغان يدعم الإرهاب ويمول تنظيم الدولة في سوريا عبر شراء النفط منه , بات أقرب إلى الهراء الذي تمتهنه الصحافة الصفراء منذ عقود مضت .
فأستنباط المواقف وتحليل الأحداث ما عادت حكراً على ما قيل إنهم سياسيون وخبراء استراتيجيون يتسول الكثير منهم عند طرقات الفضائيات ويميلون بالقول ذات اليمين وذات الشمال بحسب توجه مستضيفيهم ومقدار ما يدفع لهم من عملة صعبة , فحتى بائع “الجرجير” بسوق الخضار بات قادرا على تبني موقف واضح وصريح , وكي ندرك هزالة وتفاهة عالم السياسة , يكفينا أن نقرأ تصريحا لسياسي عراقي معمم ينصح بترك تناول النستلة “الشكولاته” لمنع أنهيار اقتصاد البلد , وفي برلمان دولة ليست ببعيدة , يؤجل النواب نقاشهم حول تبني قرار يجيز زواج المثليين لغرض تأدية الصلاة التي كان قد حان وقتها .
الطفرة النوعية التي قفزت بتركيا من دولة مديونتها تجاوزت الـ 16 مليار دولار لتصل قيمة صادراتها اكثر من 500 مليار خلال اقل من 6 سنوات ليعلن بعدها أردوغان تسديد اخر قسط مستحق بذمة بلاده لصندوق النقد الدولي عام 2013 , دفع لبروز العديد من الخصوم , خصوصا وإن ايدلوجية الحزب الحاكم هي إسلامية .
فالتهم جاهزة والبيئة المكانية والزمانية وفرت الظروف لتسويقها , ومن السخرية بمكان , ان هؤلاء الخصوم تقاسموا الأدوار , ففريق يتهم تركيا بتوفير الغطاء لمنظمات ومجموعات إرهابية , فيما يرى الآخر إن تركيا تقاتل الاصوليين وتسمح للغرب باستخدام قواعدها العسكرية لشن الحملات ضد قوى ومجاميع إسلامية .
فأن كان نجاشي الحبشة قد أسر إسلامه خوفا من بطش حاشيته بمائة مهاجر مكي لجأوا لدياره , فكيف بمن أستجار به اكثر من ثلاثة ملايين لاجئ .
فاقول الى الحكومات التي نصبت العداء لتركيا, رفقا باردوغان ولا تحملوه ما لا طاقة له به , فهو اليوم حمالٌ لخطاياكم وحماقات سياساتكم .