قراءة في البيان الختامي للأحزاب الشيوعية العربية المنعقد ببيروت في 20-21/06/2019
بداية يستغرب المراقبون انه على غير العادة في تاريخ الأحزاب الشيوعية في البلدان العربية في مواقفهم تقسيم شعوب الأمة العربية التي كانوا يرون فيها بسخرية منظرهم السوفيتي السابق سوسلوف أنها ” امة في مرحلة التكوين” .
جاء البيان الأخير الصادر من بيروت بتاريخ 20/21 حزيران 2019 ليفضح النفاق السياسي لهم بالظهور بمسمى جديد عنوانه [ لقاء الأحزاب الشيوعية العربية]، وهو إقرار عروبي جديد ،لا سابقة له في مسميات الأنشطة الشيوعية السابقة ، فجأة باتت من خلال هذا البيان ” أحزاب شيوعية عربية” تعترف بذلك المسمى لأول مرة.
هذه الأحزاب بكل مسمياتها ذات المناحي القطرية وحتى الفئوية، التي اجتمعت بكل تناقضاتها ببيروت هذا الأسبوع، يجمعها رابط وهاجس معين هو الاستجابة لما تريده سلطة ولاية الفقيه بطهران وفرع ولايته ببيروت ، لإصدار بيان سياسي، حملت جل فقراته عبارات تشم منها الموقف الانتهازي وعمى المواقف وانعدام البصيرة وتجاهل مسببات وجوهر الظروف التي تمر بها عامة البلدان العربية ، وخاصة المشرق العربي، وما البيان في مجمل تفاصيله وسرده الممل الا لمجرد الاستهلاك المحلي.
وبدلا من مراجعة شجاعة لنقد موقف الشيوعيين العرب أنفسهم وتخاذلهم من قضايا النضال العربي وخاصة في أقطار سوريا والعراق ولبنان، وما الحق بهم في هذا اللقاء من ملاحق وزوائد [ حزيبات شيوعية جديدة كارتونية في البحرين والكويت]، نجد أن هاجس البيان بمجمله يحمل مزايدة لفظية فارغة من القضية الفلسطينية حيث احتل مؤتمر المنامة الأخير مساحة كبيرة من البيان، وكأن قضية مشروع صفقة القرن اكتشاف لهم ليفضحوه كما فضح أسلافهم البلاشفة الروس قبل قرابة قرن اتفاقيات سايكس بيكو. يقينا إن هناك فرق كبير بين بلاشفة لينين ومناشفة حميد مجيد وأيتام خالد بكداش وشراذم الحزبين الشيوعيين في فلسطين والأردن وما آل إليه وضع الحزب الشيوعي اللبناني، وما التحق بهم من شيوعي البحرين والكويت في هذا الاجتماع ببيروت.
لا فرق البتة بين بيانات المؤتمر القومي العربي لصاحبة معن بشور وبطانته وبيان الأحزاب الشيوعية العربية، فكلاهما يعقد تحت حماية مليشيات حزب الله اللبناني، ومن كواليسه وخيمته تملى على فقرات البيان المعلن عن ذلك اللقاء ما تريده طهران تحديدا.
إن تغافل جرائم النظام الإيراني في تمزيق بلدان عربية يحضر منها ثلاث أحزاب شيوعية هي: العراقي والسوري واللبناني، وكأن الهاجس الوحيد لهم في ثنايا هذا البيان هو الدفاع بالوكالة عن مواقف إيران ودورها، والحديث عن مظلوميتها أمام الامبريالية والشيطان الأكبر، وهم يعلمون حق العلم والمعرفة إن إيران باتت تفرض نفوذها واستبداد مليشيات الحرس الثوري على أربعة بلدان عربية بمطلق التصرف تدمرها وتعيث بها المليشيات الطائفية الإرهابية.
وقد بلغت عصابة شيوعية قادها حميد مجيد موسى ورائد فهمي وجاسم الحلفي أن أصبح الحزب الشيوعي العراقي احد أحصنة طروادة في غزو واحتلال العراق وانتهى ليكون احد دكاكين سرايا السلام وبطانة من بطانات الفساد لمقتده الصدر في العراق .
إن البيان الصادر عن هذا اللقاء يتباكى على النازحين العرب، مركزا على الفلسطينيين، بدموع التماسيح ، في الوقت الذي تجاهل مأساة الملايين من نازحي العراق وسوريا ، وتجاهل سبب مأساتهم كما تجاهل استمرار احتلال العراق والنفوذ الإيراني بموافقة ضمنية صريحة من قيادة حزب شيوعي عراقي يجلس في مقدمة الحاضرين بلقاء بيروت الأخير. ولولا تخلصهم من بطانتهم الشيوعية الكردية الانفصالية المعروفة لما تجرأ هذا اللقاء الشيوعي ان يسمي نفسه هذه المرة [ لقاء الأحزاب الشيوعية العربية] .
لا ندخل في تفاصيل ديباجة البيان المعلن ومقدمته وكثير من فقراته الخالية من أي مضمون فكري أو نضالي، لكونها باتت كليشيات وعبارات من لغة الخشب الذي أكلته السوسة والأرضة، وقد عفا الله عليها والزمن، وهي تكرار ممجوج لما قراناه في مثل هذه المناسبات منذ قرابة ستة عقود.
فالرأسمالية التي تلفظ أنفاسها، حسب البيانات الشيوعية، وسقوط الاستعمار القديم – الجديد يجري تجاهلهما هذه المرة، بتغيير اللافتة المضللة بتكرار مصطلحات ” النيوليبرالية” وما يسمى “السياسات النيولبيرالية”، التي أتاحت لبعض الشيوعيين العرب التواجد في المنطقة الخضراء والجلوس مع الأمريكيين وحتى الإسرائيليين، ومنهم من يباركون سلطات الغزو والاحتلال، ويمارسون الديمقراطية المضللة بالتحالف مع اعتي القوى الظلامية والاسلاموية، على حساب حقوق الكادحين والمعدمين وملايين المشردين ؛ بل إن الفخر بات ديدنهم وهم يجلسون ليل نهار مع قوى الاحتلال لبلدانهم وفي مقدمتهم قادة إيران ووكلائها في المنطقة .
لقد تكررت عبارة نقد إدارة ترامب من خلال الدفاع عن فنزويلا وإيران لغاية في نفس اليعاقبة الجدد الذين يتناسون أن يد الاحتلال الأمريكي ليست وحدها تعمل في المنطقة فهناك حلفاءه، وبسكوت روسيا والصين، كلها تنال من استقلال اكثر البلدان العربية خاصة التي حضرت منها تلك الأحزاب الشيوعية في هذا اللقاء.
إن مربط الفرس في هذا البيان لا يحتاج إلى مبررات تضمينه ما ورد فيه على حساب تغييب قضايا اخرى، هي الأهم والأجدى في التناول . أما الإدانة من مثل: ( تدين الأحزاب الشيوعية العربية الاعتداءات والحروب والاحتلال والعقوبات التي تمارسها الولايات المتحدة والكيان الصهيوني وتركيا وحلفائهم ضد كل شعوب المنطقة، وتدعو الأحزاب إلى وقف فوريّ للحرب التدميريّة في اليمن، والاحتلال التركي لشمال سوريا. ويدين المجتمعون استمرار الاحتلال الإسرائيلي لمرتفعات الجولان السورية، ويعبّرون عن إدانتهم الشديدة لقرار الإدارة الأميركية الأخير بالاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على الجولان العربي السوري، والتمهيد لقرارات مماثلة حول الضفة الغربية.).
أين دور إيران في جميع تلك الحالات التي أشارت إليها تلك الفقرة من الإدانة المفصلة وفق مقاسات ومتطلبات الخطاب الإيراني وواجهاته الطائفية والمذهبية ومتطلبات المصالح المتشابكة به.
وفي هذه الفقرة ومثيلاتها تظهر المواقف الازدواجية والانتقائية في نص البيان : ( وفي هذا الإطار نرفض كل أشكال العقوبات التي تفرضها الإدارة الأميركية على العديد من دول منطقتنا والتي تتسبب بأزمات اقتصادية تدفع ثمنها وتتحمل أعباءها شعوب المنطقة، وندعو إلى إلغاء هذه العقوبات فوراً، كما ترفض النهج الأمريكي في اصطناع الأعداء الموهومين، وتدين سياسة واشنطن في التهديد وإثارة الحروب والنزاعات بهدف خلق وزعزعة أمن واستقرار المنطقة، وتحشيداتها العسكرية والتلويح بالحرب على إيران إثر الحصار الاقتصادي المفروض عليها. وتهدد هذه التطورات بإشعال حرب أخرى في المنطقة ستكون لها نتائج كارثية على السلم والاستقرار في المنطقة والعالم، وستكون شعوب المنطقة الضحية الأولى والرئيسية لها، وتفاقم من معاناتها وتجلب لها المزيد من الخراب والدمار. وإذ تدين أحزابنا الشيوعية هذا التصعيد من جانب الولايات المتحدة وحلفائها في المنطقة، فإنها تدعو إلى إطلاق مبادرات شعبية وسياسية، يُدعى للمساهمة فيها أوسع طيف من قوى اليسار والقوى الوطنية والديمقراطية في المنطقة وفي العالم من اجل نزع فتيل الحرب ورفع العقوبات مع تأكيدنا على حق شعوب المنطقة بأن تختار أنظمتها السياسية وفق إرادتها الحرة من دون تدخلات خارجية ) .
إن قوى اليسار وعديد القوى الثورية والمقاومة في وطننا العربي تتجاهلها تلك الأحزاب الشيوعية العربية ولطالما وئدت الجبهات الوطنية التي يسعى الى تشكيلها على المستوى الوطني والقومي ، ظل الشيوعيون العرب بسياسة النأي بالنفس يعرقلون مبادراتها وانجازها. حيث تعاني فصائل حركة التحرر الوطني والقومي العربية في اكثر من بلد عربي من حصار وملاحقات مليشيات إيران وأذرعها المسلحة التي باتت كلاب حراسة لحماية الاحتلال الأمريكي والنفوذ الفارسي، وأضحى الحرس الثوري الإيراني وتوابعه ومنها أحزاب شيوعية عربية هو الظهير الساند لقوى الإرهاب والدواعش في المنطقة ، تلك الحقيقة يتجاهلها الرفاق العرب وخاصة الحزب الشيوعي اللبناني والسوري، حلفاء حزب الله اللبناني الذي بات بحد ذاته فصيلا من فصائل القمع والإرهاب يقف بالضد من تطلعات الشعب العربي السوري واليمني .
وما عدا الموقف المستحق من التضامن مع الحزب الشيوعي السوداني ودوره الوطني في قيادة الانتفاضة السودانية ضد نظام عمر البشير وتحالفه الصادق مع فصائل قوى الحرية والتغيير في السودان، فان القضية العراقية التي تجاهلها بيان الأحزاب الشيوعية العربية الجديد وقد اختزلت معاناة شعب العراق وما تتعرض له قواه الوطنية والكلفة البشرية الضخمة من مئات الألوف من الشهداء والمعتقلين وملايين المشردين والنازحين داخل وخارج العراق وعشرات الألوف من المجتبين والمفصولين من وظائفهم، ونسيان أؤلئك الأسرى والمقاومين والمعتقلين السياسيين من أحرار العراق، ومنع مئات الألوف من الكادحين والفقراء والمعدمين من العودة إلى بيوتهم مزارعهم وأرزاقهم ووظائفهم، وما يواجهونه من قمع واستبداد من حلفاء الحزب الشيوعي العراقي أبرزها عمليات التطهير الديموغرافي الذي تقوم به إيران واذرعها في العراق، وفي مقدمتهم سرايا السلام ، فقد اختزل البيان كل هذه المأساة الوطنية العراقية بهذه الفقرة البائسة للتضامن مع حزب حميد مجيد وبطانته، وهم مرتزقة الغزو والاحتلال وهم حلفاء القوى الظلامية المتحالفون في “سائرون” مع مقتده الصدر.
وإن ما يسمى القوى المدنية الديمقراطية ، المنوه عنهم في بيان الأحزاب الشيوعية العربية ، هم جزء أساسي من ديكور العملية السياسية الفاسدة، التي تستهدف أحرار العراق والعمل على تصفيتهم ومطاردة القوى الوطنية والقومية والإسلامية في العراق، وما هذه الفقرة البائسة في الدفاع عنهم، إلا من سياق ذر الرماد في العيون. ولن تنطلي تلك العبارات على احد من أبناء الشعب العراقي: (وتعبّر الأحزاب المشاركة في اللقاء عن تضامنها مع نضال الحزب الشيوعي العراقي والقوى المدنية الديمقراطية ضد نظام المحاصصة والطائفية السياسية والفساد، والتصدي للإرهاب والتطرف، من اجل إنقاذ البلاد من الأزمة العامة البنيوية التي تعصف بها، والفشل في بناء الدولة وإدارتها، والتوجهات الليبرالية للسياسة الاقتصادية والتدخلات الخارجية، والسير على طريق التغيير والإصلاح وبناء الدولة المدنية الديمقراطية، دولة المواطنة والعدالة الاجتماعية. وتدين الأحزاب المشاركة الاعتداءات الجبانة التي تعرضت لها مقرات الحزب الشيوعي في الناصرية والبصرة مؤخراً في محاولة بائسة لعرقلة مسيرته والحد من تنامي نفوذه الجماهيري).
إن تلك المقرات المعتدى عليها في الناصرية والبصرة المنوه عنها في البيان ، تشكل حادثتين من ملايين الحوادث من الاعتداءات على كل ممتلكات الدولة العراقية ومساكن وبيوت وأرزاق الوطنيين العراقيين الذين تستهدفهم سلطات بغداد التي يتمثل بها حزب حميد مجيد ورائد فهمي ومن يسمون أنفسهم نفاقا التيار الوطني الديمقراطي.
ان حركة اليسار التقدمي في العراق في الوقت الذي تدعو الى لقاء حقيقي ونضالي لجميع فصائل حركة التحرر الوطني والقومي في بلدان الوطن العربي إذ تأسف لهذا الانحدار في المواقف والمساومة على المبادئ والمواقف النضالية التي يجب ان ينتفض من اجلها الشيوعيون العرب للتخلص من عار الإذلال الذي لحق بهم بسبب مواقف قادتهم من بقايا ذيول الأممية الشيوعية والستالينية المنقرضة ولا بد من التطلع إلى مبادرات تنهي هذه المواقف الظرفية والانعزالية التي لازالت مجموعات من الأحزاب الشيوعية ببعض الأقطار العربية لم تخرج من عزلتها والتفتح على متغيرات القوى المناضلة في الوطن العربي.
وان غدا لناظره قريب.
ملحق للاطلاع: البيان الختامي لـ “لقاء الأحزاب الشيوعية العربية” بيروت، 20 و21 حزيران 2019
البيان الختامي لـ ‘لقاء الأحزاب الشيوعية العربية’