21 ديسمبر، 2024 7:35 م

من منغصات الحياة …!

من منغصات الحياة …!

أن تربط مصيرك وسعادتك والخروج من مشاكلك بشخص أو جماعة أو دولة أو مهنة .

يمكن أن نستشهد بموت النبي صلى الله عليه وسلم الذي تعتبر أعظم فاجعة على المسلمين ، بل من أشد مصائبهم ، حتى أن المسلمين اضطربوا ، منهم من أُقعد ولم يستطع القيام  ومنهم من عقد لسانه ولم يستطع النطق ومنهم من أنكر موته لعظمة الموقف حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه يقول : إن رجالاً من المنافقين يزعمون أن رسول الله توفي ، فإن رسول الله ما مات ولكنه ذهب كما ذهب موسى فغاب عن قومه ثم رجع إليهم فوالله ليرجعنّ رسول الله  .

في الهول الصادم والخطب الرهيب والناس لا يدرون ما يفعلون ، حتى أقبل أبو بكر الصديق رضي الله عنه على فرسه ثم يدخل المسجد فلم يكلم الناس حتى دخل على عائشة رضي الله عنها فأقبل إلى ناحية رسول الله فكشف عن وجهه ثم بكى وذرفت عيناه لفراق حبيبه وقرة عينه ثم قال : بأبي أنت وأمي لا يجمع الله عليك موتتين أما الموتة الأولى التي كتبت عليك فقد متها .

ثم خرج إلى صحبه بثبات يليق به لأنه خير الأمة بعد نبيها ، وجد عمر في فورته يتكلم مع الناس ويتمنى الناس أن كلام عمر حقاً أن رسول الله سيعود ، والصديق في رباطة قلبه العجيبة قال: لعمر اجلس يا عمر

حتى التف الناس على أبي بكر ينتظرون ماذا يقول فحمد الله وأثنى عليه فقال : ” أما بعد أيها الناس من كان منكم يعبد محمداً فإن محمداً قد مات ، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت ” ثم قرأ قوله تعالى

” وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتهم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين ” أفاق الناس وبدأوا في البكاء الشديد ، ووصلت الآية إلى أسماع عمر يقول عمر ” والله ما هو إلا أن سمعت أبا بكر تلاها فعرفت أنه الحق ، حتى ما تقلني رجلاي ، وحتى أهويت إلى الأرض علمت أن رسول الله قد مات ”

وثبت الله الأمة كلها بثبات الصديق ، وهذه واحدة من أعظم حسناته رضي الله عنه .

فقْد النبي بالنسبة للصحابة شيء مهول لأنه عاش معهم واعتادوا عليه يرونه في كل صلاة وفي كل جمع يشهد جنازاتهم ويعود مرضاهم ويزورهم في بيوتهم ويدعو لهم ، حتى أنهم قدموه على حب الولد والوالد والأهل والزوج والعشيرة  والمال والديار ، بل قدموه على حب النفس حتى يتمنى أحدهم أن يموت ولا يشاك رسول الله بشوكة في قدمه ، عاشوا في هذه السعادة التي يعشيها غيرهم من الخلق .

السؤال الكبير هنا من أشد الناس حباً للنبي صلى الله عليه وسلم ؟

أليس أبا بكر في نظر الكثير منا من أحق بالبكاء والحزن عليه  ؟!

أليس أبا بكر ! لماذا كل هذا الثبات ؟ الإجابة باختصار ، هي أنه لم يربط مصيره ومصير هذا الدين بمصير محمد صلى الله عليه وسلم ، بل ربط مصيره برب هذا الدين الباقي الذي لا يزول ، والحي الذي لايموت ، الذي قضى وحكم بأن يبقى هذا الدين ، ويكون له العلو والظهور والغلبة إلى يوم القيامة ، لأن ثبات الصديق وفهمه لمراد الله في هذا الكون ، كان انقاداً لهذه الأمة وبقاء لهذا الدين ، بل تحرراً للفكر والعقل والروح .

كان درساً بليغاً للصحابة ، ثم بعد ذلك انطلقوا يحررون الأرض ويفتحون البلدان والعقول ، وما هي إلا مدة يسيرة وطأت سنابك خيول المسلمين أرض كسرى وقيصر ، حتى نقول كلما مات فيهم سيد قام سيد ، لم يربطوا مصيرهم بأحد ولا دعوتهم بأحد أو بموته أو حياته ، وكل انكسار للأمة بعد ذلك إلى زماننا هذا كان من أهم أسبابه غياب هذا الفهم ، وربط الناس مصيرهم بمصير قائد أو منقذ أو مخلص ، حتى صار إلى الضعف والهوان والذلة لأن ربط المصير لا يختص ببشر عينه بل ينسحب إلى أمور كثيرة في حياتنا ، فقد يربط البعض مصائرهم ببلد أو جماعات أو أفراد أو جهات حتى يتكون لديهم نوع من الإدراك أن مصير وجودهم مرتبط بوجود من ذكرناها ، لذلك تحصل الإنهيار والصدمة عند فقدهم

وأخيراً نقول من تكون لديه الفهم لهذه المسألة أدرك معنى الحياة والوجود والخلق والبقاء والفناء واللقاء والفراق حتى يصبح لديه اتزان

وبعد نظر  وفهم للحاضر وتخطيط للمستقبل وشدة توكل على الله

وثبات وبصيرة عند الحوادث والمصائب فلا تأسره وظيفة ولا يستعبده كيان ولا تحده أرض .

أفرغ قلبك من الخلق واجعل الله نوراً لك في حياتك  !

من وجد الله فماذا فقد ، فمن فقد الله فماذا وجد ؟!