أمران في غاية الأهميّة تكشّفا مع نشر المذكرة الثلاثيّة لقياديين في حزب الدعوة الإسلامية والبيان الصادر عن رئيس الوزراء، وهو أيضاً من أعضاء القيادة العليا للحزب، ردّاً على المذكرة المُسرّبة. وأهميّة الأمرين في فضح التردّي المريع في مستوى العمل السياسي في البلاد.
دعكم من أمور كثيرة في المذكرة الثلاثيّة، وركِّزوا معي على ما يأتي في قول الثلاثة في مذكرتهم الموجهة إلى مجلس شورى الدعوة:”……. فكانت فتنة القائمتين التي عايشتم تفاصيلها وجزئياتها وانتهت باتفاق موقّع بأقلام قيادتها جمعاء على أن يُشرف الحزب على القائمتين وأن يلتحما بعد الانتخابات”. هنا يتأكد أنّ قيادة الدعوة اتفقت مسبقاً على النزول بقائمتين مختلفتين (دولة القانون برئاسة نوري المالكي والنصر برئاسة العبادي) تتوحّدان بعد الانتخابات لضمان تشكيل الكتلة الأكبر، وهو ما نُشرت عنه وقتها أخبارٌ في مختلف وسائل الإعلام. ردّ العبادي نفسه يؤكد حصول الاتفاق بالقول:”الإثنين 8-1-2018 قرّرت قيادة حزب الدعوة بحضور كامل أعضائها أن يتبنى الحزب ائتلافين انتخابيين أحدهما دولة القانون برئاسة المالكي والآخر يشترك فيه الحزب باسمه الرسمي برئاسة العبادي، وأن مكاتب الدعوة تروّج للقائمة التي فيها الحزب وتلتحم القائمتان بعد إعلان النتائج”.
يعرف الجميع أن قيادة الدعوة بشقّيها نفت المعلومات المنشورة عن هذا الاتفاق نفياً قاطعاً مرّات عدّة.. أي أنها كانت تكذب مع سبق الإصرار والترصّد لإبعاد الأنظار عما كانت تُدبّره.
الأمر الآخر هو المتعلّق بوقائع الاندساس إلى الحركة الاحتجاجيّة في البصرة لحرف مسارها وتشويهها وقمعها بأساليب رخيصة للغاية. هذا الأمر يفضحه ردّ العبادي بالوقائع القاطعة الآتية:
“الثلاثاء 4-9-2018 إعلان فصائل وميليشيات مسلّحة تابعة لجهات سياسية تهديدها لأيّ حكومة تتشكّل خارج موافقتها. تصاعد نبرات التهديد في البصرة من جماعات مجهولة بالضدّ من المتظاهرين السلميين.أيضاً نواب محسوبون على كتل سياسية لها ميليشيات تهدّد قائد عمليات البصرة والقوات الأمنية وتتّهم بقتل المتظاهرين السلميين (كذباً) وتطالب بإقالته…
“الأربعاء 5-9-2018 رئيس الوزراء يأمر بأن تتوجّه لجنة خاصة من قبله الى البصرة لمتابعة تنفيذ وإنجاز قرارات مجلس الوزراء بخصوص الماء والخدمات وأيضاً للتفاهم مع المتظاهرين ومناقشة مطالبهم. ازدياد ملحوظ لأعداد المتظاهرين ودخول نبرة جديدة من قبل ميليشيات تريد ركوب موجة التظاهرات.
“ جماعات مشاغبة تحاصر قيادات العمليات والشرطة في بناية مجلس المحافظة ورمي قنابل يدوية على القوات من قبل عناصر مسلّحة مندسّة وقتل مدنيين.
“ المحافظ يغادر البصرة وهو المسؤول التنفيذي الأول في المحافظة.
“ الخميس 6-9-2018 محافظة البصرة تبلّغ اللجنة التي شكّلها رئيس الوزراء بعدم الذهاب للبصرة والانتظار في بغداد تحت ذريعة أنّ الأوضاع غير مستقرّة!
“ عصراً بدء حرق المباني في البصرة ونزول عناصر مسلحة ملثّمة بين المتظاهرين، وغياب قطعات من الشرطة المحلية عن الشوارع وكأنّ أوامر صدرت لها بانسحابها من جهة محلية مجهولة، والشرطة المحلية كما هو معلوم تحت مسؤولية محافظ البصرة باعتباره رئيس اللجنة الأمنية في المحافظة، مع العلم أنّ تعداد الشرطة المحلية في البصرة يبلغ ٢٤ ألفاً ولم تبق إلا القوات الخاصة التي أرسلها القائد العام للقوات المسلحة، ومهامها محدودة بحماية مواقع ستراتيجية بسبب عددهم المحدود الذي لا يضاهي تعداد الشرطة المحلية.
“ القائد العام للقوات المسلحة يأمر بتعزيز القوات الأمنية في البصرة وإرسال مزيد من قطعات القوات المسلّحة. العبادي يطلب من المحافظ ليلاً التواجد في البصرة باعتباره المسؤول التنفيذي الأول ورئيس اللجنة الأمنيّة في البصرة.
“الجمعة 7-9-2018 المحافظ مازال غائباً عن البصرة مع استمرار غياب الشرطة المحلية ونزول جماعات ملثّمة بين المتظاهرين قامت بحرق القنصليّة الإيرانيّة في البصرة.
“السبت 8-9-2018 انعقاد جلسة مجلس النواب حول البصرة. محافظ البصرة تربطه علاقات متينة مع العصائب وآخرين في ائتلاف الفتح ودخل إلى جلسة مجلس النواب مع نوابهم وكان واضحاً التنسيق بينهم وكأنّ أمراً دُبِّر بليل”.
تتذكرون الحملة الضارية التي شُنّت في بغداد والبصرة وطهران لاتّهام المحتجّين بحرق المباني الحكومية والحزبية والقنصلية الإيرانية في البصرة، بل اتسعت الحملة لتتهم المتظاهرين السلميين بالعمل والتنسيق مع القنصلية الأميركية في البصرة”!
هذه واحدة من الصور الواقعية للممارسة السياسية المتردّية في العراق”الجديد”.. عراق الإسلام السياسي!