19 ديسمبر، 2024 12:03 ص

من مفارقات الحرب!

من مفارقات الحرب!

على الرغم من أنّ قرار غزو العراق قد جرى اتخاذه بشكلٍ مفاجئ ومرتجل من الرئيس الأمريكي بوش الأبن وبتعزيزٍ من جناح الصقور المحيط به ” الجنرال وولفوفيتز على رأسهم ” منذ اليوم الثاني لأحداث 11 سبتيمبر \ ايلول , ولأسبابٍ متعددة تتجاوز ” التعويض النفسي ” لتدمير برجي مركز التجارة والمواقع الأخرى , ومذ ذلك وبتكليفٍ من البيت الأبيض شرعت مراكز الأبحاث والدراسات التابعة لكلا البنتاغون ووزارة الخارجية الأمريكية في إعداد التقارير والخطط البعيدة والقصيرة المدى لأجتياح العراق , ومن ثَمَّ لإدارة الوضع في العراق لما بعد الغزو ووفق مراحلٍ شهدها المجتمع العراقي والرأي العام العالمي , ومعروفٌ ومكشوف كيف قامت CIA بتجميع الغالبية من الهاربين من نظام الحكم السابق ومعهم مجاميع من اللاجئين من مختلف العواصم والأستماع الى ما في جعابهم وثم تكليفهم بأدوارٍ لاحقة .

وبالأبتعاد عن ذكرِ تفاصيلٍ مكررة , فالخطط الأمريكية للأحتلال وما بعده كانت تفتقد الدقة والموضوعية السياسية بأعتراف الأمريكان انفسهم , وكانت اولى اخطائهم السريعة تغيير واستبدال الكولونيل – العقيد المتقاعد < جي غارنر > بعد فترةٍ وجيزة من تكليفه بأدارة شؤون العراق وإحلال ” بول بريمر ” في مكانه , وكان مثار استغرابٍ للمراقبين لإبقاء بريمر لسنةٍ واحدة وإعادته الى واشنطن , حيث بانَ أنّ الموقف الساخن في العراق يعتمد على العمليات العسكرية لأدارة الوضع وذلك من خلال انطلاق عمليات المقاومة العراقية المسلحة وبشقيها الوطني والديني ” مع تحفظنا على هذه التسمية والى ابعد الحدود ” والتي اذهلت الأمريكان بتنظيمها ومهارتها , < وتقتضي المقتضيات هنا أن نشير بأنّ خسائر الأمريكيين المعلنة إبّان تلك الفترة والتي زعموا فيها بأنها لم تتجاوز 5000 قتيلٍ وجريح حسب ادعاءاتهم , فهذا الرقم في الواقع يقتصر على جنسياتٍ من المقيمين في الولايات المتحدة من اصحاب الكارت الأخضر والذين وعدوهم الأمريكان بمنحهم الجنسية الأمريكية مقابل مشاركتهم في الحرب , أمّا الجنود الأمريكان فعلياً الذين قُتلوا في الحرب فقد جرى التكتّم على اعدادهم بالكامل .! > وفي الحقيقة فهذا الأمر اضحى معروفاً ومنشوراً بنطاقٍ ضيّق منذ سنواتٍ طوال , لكنما منذ ذلك الوقت والى الآن فقد ظهرَ جيلٌ جديد .!

A \ واحدةٌ من ابرز المفارقات التي اوقعوا الأمريكان انفسهم فيها او اصطدموا بها , فحيث الولايات المتحدة دولة علمانية كسواها من كلّ الدول ” وفيها تمثال الحرية .! ” فقد تعمّدت لجلب الأحزاب الأسلامية ” من خارج الحدود ” وهيأت لهم السيناريوهات والمستلزمات المطلوبة لأستلام السلطة في العراق , وكان من الواضح سعي الأمريكان لإشعال فتنةٍ طائفيةٍ في ذلك , وإلاّ فما معنى أن تستعين العلمانية العالمية بالثيوقراطية – Theocracy لتشكيل حكومة دينية من ال Clergy men – رجال الدين .! , وأية ديمقراطيةٍ نادت بها امريكا لتسويغ احتلال العراق , لكنّ المفارقة أنّ < السحر انقلبَ على الساحر > .! وغدت هذه الأحزاب الدينية تطالب وتشدد على إخراج القوات الأمريكية وثمّ تصطف مع الحرس الثوري الأيراني ضد الأمريكان .! , ثمّ وطوال سنوات حكم احزاب السلطة ” هذه ” فمسألة الفساد المالي هي التي تشغل وتؤرق حياة العراقيين بما يفوق ازمة الكهرباء المزمنة والمتوطئة!

B \ المفارقة الأخرى المختلفة عن سابقتها , فبقدر ما تكبّد العراقيون من خسائرٍ في الأرواح والجرحى من المحتل الأمريكي وما مارسوه من تعذيبٍ يخجل منه جبين الأنسانية في فضيحة سجن ابو غريب < واتي من أبعادها غير المرئية أن قام المالكي بتغيير أسم سجن ابو غريب الشهير الى سجن بغداد المركزي .! > , وبجانب تدمير المصانع والمنشآت العراقية ومعظم البنى التحتية , وجهدهم الجهيد في تمزيق النسيج الأجتماعي في العراقي , لكنّ المفارقة هذه تكمن في اضطرار احزابٍ وتنظيماتٍ وطنية ومدنية عراقية وشرائح جماهيرية كبيرة للمطالبة ببقاء القوات الأمريكية في العراق , وذلك لمعادلة ومقابلة النفوذ الأيراني والقوى المحلية العاملة بأمرته والمرتبطة به اصلاً ” وهي معادلة جمع ومقابلة الأضداد فيما بينهم ! ” , ولعلّ هذا ما فاجأ الأمريكان بهذه المفارقة ذات السمة الفارقة .!

C \ يبدو أنّ البلاد تمرّ الآن في مرحلةٍ معلّقةٍ قصيرة المدى وسْط التصعيد الساخن سياسياً واعلامياً بين طهران وواشنطن , ورغم استبعادنا لحدوث تطوراتٍ عسكريةٍ فعلية وملموسة بين الطرفين , انما من الصعوبة التكهن بما ستؤول اليه تطورات الأحداث , كما أنّ الرئيس ترامب رجل مال واعمال اكثر منه رجل سياسة وعلاقاتٍ دولية , ويحظى بمعارضة شديدة في الداخل الأمريكي !