قبل الدخول في توضيح مشروع “الأغلبية السياسية الإصلاحية” التي ننفرد بطرحها، لابد من ان نقدم للموضوع ونعيد قراءة المشهد السياسي العراقي المتفاعل. فمازالت دعوات الفواعل السياسية العراقية المطالبة بإصلاح العملية السياسية لم تتوقف وان خفت صوت بعضها، غير ان المهم ان الفاعل السياسي الأبرز والذي عد عملية الإصلاح أحد أركان حركيته السياسية، متواجدا في الميدان يمارس العمل السلمي في مسعى لتحقيق للإصلاح.
لقد كانت العودة إلى ساحة التحرير بمظاهرة شعبية تزعمها ميدانيا (زعيم التيار الصدري) وان كان لمدة قصيرة، وما رافقها من حرب باردة مع الحكومة، حدثاً بارزاً وان اختلف معنا البعض في هذا الطرح، منطلقين من حيث العد والعدد الذي كان مؤمل من هذه الممارسة. ان المهم هو ان الرسائل من أقامتها قد وصلت، وأبرزها هو الاستمرار بمطلب الإصلاح رغم كل الظروف والأحداث.
وفي قراءة للمشهد من زاوية مختلفة، فبعد أشهر على التظاهر وما تبعه من ممارسات مختلفة كان فصيل سياسي متبنيها بعينه لم يتحقق شيء حتى الأن، وهذه التلازمية والاندماج لم تترك لهذا الفصيل السياسي أي خيار للتراجع، وعليه ومن زاوية حيادية نجد ان البعض يدفع بهذا الفصيل بقصد أو بدون قصد، إلى تبني ممارسات قد لا تكون السلمية جوهرها، هذه النظرة تنطلق من أسباب أهمها:
1- التبني والتلازم، لقد تبنى التيار الصدري عملية الإصلاح وزج أبرز قياداته فيها بل شكل نزول زعيم التيار الصدري إلى الميدان واعتصامه لأيام لينقل هذه الممارسة السياسية إلى حالة من التلازم مع مجمل حركية التيار وقضيته الأساسية، حتى باتت مفردة التراجع أو التخلي مفقودة في قاموس هذا الفصيل وجمهوره.
2- تاريخ العمل السياسي ورصيد الخبرة العسكرية، بالعودة إلى نشأة التيار الصدري السياسية الحكومية وقراءة محطات خبرته السياسية نجد ان خبرته العسكرية أو أسلوب القوة هو الطاغي في تحقيق الأهداف السياسية عند النشأة، وابرز هذه المحطات هو تبني العمل العسكري بشكل أساسي لمعالجة خروج القوات الأمريكية المحتلة، وبذلك يكون الجناح السياسي للتيار هو وليد العمل الميداني العسكري الذي يغلب عليه تبني القوة لتحقيق الأهداف، وهذا امر طبيعي في ظل
وجود قوات محتلة، فاغلب التجارب العالمية تثبت انقسام القوى في ظل الاحتلال إلى جهة تتبنى القوة لخروج الاحتلال وأخرى تتخذ العمل السياسي أسلوبا لذلك، ولا يمنع ان يتم التحرك في الاتجاهين مع إعطاء الأولوية لاحداهما. لقد صبغة هذه الصبغة (القوة) مجمل حركية ومواقف التيار خصوصا في بداية انطلاق العملية السياسية، ثم اصبح العمل السياسي هو الطاغي من خلال الاشتراك في كل الانتخابات النيابية والمحلية، وعليه تعد سلمية الحراك الأخير والإصرار عليه رغم الضغوط المختلفة، كأسلوب ممارسة سياسية أساسية لتحقيق الأهداف سياسية، تحول نوعي في أداء التيار بل والفواعل السياسية العراقية، يجب على الفعاليات السياسية والاجتماعية تشجيعها والتعاطي معها بإيجابية ترسيخا لهذا التطور وتمتينا لأسس العمل الديمقراطي، ودفع البعض لفشل هذا الحراك السلمي، لا يصب بمصلحة الجميع وخصوصا بالعملية السياسية. وهنا لا ضرر من التوضيح ان الربط بين المؤسسة العسكرية وما تقوم به من عمل مشرف في مواجهة الإرهاب الداعشي، وعملية الإصلاح السياسي، والعمل على تأجيلها بحجة الوضع الأمني، حجه غير عملية. فالإصلاح لا يقوم به رجال الأمن بل رجال السياسة، وأعداد خارطة طريق للإصلاح لا تقتصر على الحكومة فقط، بل هي عملية تفاعلية أساسها القوى السياسية الممثلة في مجلس النواب. وعليه فمثلما يرسم رجال القوات المسلحة والحشد الشعبي والعشائري صور البطولة والنصر، على رجال السياسة ان يرسموا لهذا الشعب صورة مشرقة للإصلاح ومكافحة الفساد.
3- زيادة وعي المواطن: على الرغم من تسويف المطالب الإصلاحية وتأخيرها ضمن حجج مختلفة، ما زال المواطن مستمر بالمطالبة السلمية، وهذا دليل على ارتفاع مستوى الوعي بالحقوق من جهة، وبأسلوب الممارسة الديمقراطية التي هي أحد إفرازات العملية السياسية من جهة أخرى، ودليل على ارتفاع الحس الوطني للجماهير، فما يزال العلم العراقي هو الرمز الوحيد بيد المتظاهرين، وشعار نعم للعراق هو الطاغي والأساسي.
ولكل ما تقدم وغيره، نجد ان الأسلوب الذي تتعاطى به الفواعل السياسية والمؤسسات الحكومية مع المتظاهرين والفواعل السياسية الميدانية المطالبة بالإصلاح خصوصا التيار الصدري هو أسلوب لا يصب بخدمة ترسيخ العمل الديمقراطي أو تفعيل العملية السياسية، وعليه إذا ما كانت الفواعل السياسية صادقة في تحقيق الإصلاح فعليها ان تقوم بخطوات عملية منها:
أولا// تغيير أسلوب التعاطي مع مطالب الإصلاح وفواعله، من خلال فتح قنوات سياسية حقيقية تفضي لرسم خارطة طريق عملية لعملية التغيير والإصلاح الهادئ. وإذا كان البعض يعمل على
دفع الأمور حتى تفرز الانتخابات الوزن الحقيقي للفواعل حتى تتبنى الإصلاح. فهذا المعيار غير دقيق، فمثلا جمهور التيار الصدري ان زاد أو قل في الانتخابات القادمة، لن يشكل فارقا عمليا لتغيير المواقف، أو يمكن ان تدفع به مختلف النتائج إلى ان يحيد عن مطلب الإصلاح الذي بات هاجسه الأول، وحتى القوى الأخرى لا يمكن لاحدها منفردا ان يحصل على تأييد كبيرا يمكن ان يشكل فارقا بالخارطة السياسية، واذا ما تحققت الأغلبية السياسية (مشروع ائتلاف دولة القانون) فلا يمكن للائتلاف العمل بمعزل عن القوى الأساسية الأخرى (خصوصا الشركاء) وتنسيق المواقف معهم، وعليه اذا كان التنسيق والحوار هو أساس العمل السياسي في العراق، فلم لا يتحقق الأن، ولماذا لا تتقارب وجهات النظر بين القوى السياسية لدعم الأغلبية السياسية لتحقيق الإصلاح ففي السياسة ( لا توجد هناك صداقة دائمة أو عداوة دائمة ولكن هناك مصالح مشتركة) والمتابع لحراك التيار الصدري وائتلاف دولة القانون يجدهما منسجمين في اغلب الأهداف، ويجمعهم هدف مشترك هو الإصلاح، ودليل ذلك، انه في لحظة عفوية تاريخية اعتصم الفصيلين في خندق واحد (داخل مجلس النواب) كاد ان يشكل حالة استثنائية في حراك العملية السياسية وإصلاحها.
ثانيا// فك الارتباط بين العمل الأمني والعمل السياسي ضمن ملف الإصلاح، فميدان المعارك غير ميدان الإصلاح السياسي، ولكل ميدان رجاله وخططه وأدواته، وإذا كان الميدان الأمني/ العسكري يحقق النجاحات ويحقق المكاسب للوطن، فلماذا لا يُفعل ميدان السياسة بالتوازي مع الميدان الأخر ويتم العمل على خلق حالة من التنافس بين الميدانين إذا كان النتائج تصب في مصلحة الأمة.
ثالثا// هيكلة ومأسسة التحالف الوطني، وذلك من خلال تعدد مجالسه، وهنا نقترح تشكيل ثلاثة مجالس لصناعة القرار. الأول يضم القوى الممثلة في مجلس النواب. والثاني يضم القوى السياسية الاجتماعية المختلفة. والثالث يضم خبراء وتكنوقراط وقادة الرأي. تتفاعل فيما بينها لتبني المواقف الاستراتيجية لتحقيق مصلحة الأمة، باعتبار الائتلاف الكتلة الأكبر. أو الركون لتشكيل ائتلاف جديد يعمل بأدوات جديدة، أو قيام ائتلاف دولة القانون بحراك سياسي واسع لتحقيق “الأغلبية السياسية الإصلاحية” وذلك من خلال دمج وتحالف القوى التي تؤمن بالأغلبية السياسية مع القوى السياسية الميدانية التي تؤمن بالإصلاح، وتتفق فيما بينها على برنامج حكومي واضح للإصلاح، تشرف على تنفيذه حكومة جديدة. وان كنا نميل إلى الخيار الثالث باعتباره أكثر عملية.
وختاما لما تقدم نجد ان فكرة “الأغلبية السياسية الإصلاحية” يمكن ان تحقق الإصلاح المنشود، ويمكن ان يتحقق ذلك دون المساس بالخارطة التي بنيت عليها توزيع المناصب في السلطة التشريعية أو رئاسة الجمهورية، لما له من ارتدادات وتوازنات إقليمية ودولية. ان تحقيق هذا المشروع يمكن ان يشكل حالة عملية في المؤسسة التشريعية والتنفيذية، وهذا هو المطلوب لتحقيق الإصلاح من الناحية العملية، ان كل ما نحتاج له هو ترك الماضي وتأجيل الخلافات وإبراز المشتركات والبناء عليها، لرسم خارطة طريق وبرنامج واضح ودقيق يشرف على تحقيقه فواعل سياسية تجتمع فتحقق “الأغلبية السياسية الإصلاحية”، وتنقذ البلد الجريح… هذا المقال نشر في جريدة العالم في تاريخ