18 ديسمبر، 2024 11:59 م

من مشاكل الزراعة في العراق ، هجرة الفلاحين الثانية الى المدينة

من مشاكل الزراعة في العراق ، هجرة الفلاحين الثانية الى المدينة

يملك العراق كل المؤهلات الزراعية التي تجعل منه بلداً يعيش الاكتفاء الذاتي مع السعي لتصدير ما يفيض عن حاجته ،ولعل وفرت المياه والاراضي الخصبة هي التي جعلت منه يملك تلك الخاصية فضلا عن التنوع المناخي ووجود اقاليم مختلفة بطبيعتها الجغرافية ما يعني وجود تنوع في الحاصيل الزراعية بين شماله وجنوبه . العراق من بلدان التي تشكل فيها نسبة الفلاحين  الغالبية العظمى من السكان وحتى الذين سكنوا المدن هم ينحدون من اصول فلاحية او من ترتبط مهنهم بشؤون الفلاحة والزراعة ،وعند قيام الدولة العراقية الحديثة في مطلع عشرينيات القرن الماضي لعب الفلاحون دورا كبيرا في اقتصاد الدولة الفتية حيث كان العراق يصدر الكثير من الغلات الى دول العالم المختلفة رغم المشاكل التي تعاني منها الزراعة في ذلك الوقت كقلة مشاريع الري وبدائية الادوات المستخدمة وسيطرة الاقطاع على مجريات الامور ،ولكن مع وجود هذه المعوقات كان الفلاح العراقي يرتبط ارتباطا وثيقا بارضه لدرجة القداسة مع ظهورملامح بدايات للهجرة الى العاصمة  بغداد والاستقرار في ضواحيها بحثا عن العمل وحياة افضل . بعد ثورة 14 تموز عام 1958 وصدور قانون الاصلاح الزراعي الذي حدد ملكية الارض ،زادت هذه الهجرة لاسيما من مناطق جنوب العراق حيث تعد محافظتا ميسان ( العمارة ) وذي قار ( الناصرية ) من الطاردة للسكان ،واستوطنت العوائل النازحة مناطق العشوائيات ليتم بعدها انشاء مدن وتوزيعها على هؤلاء الفلاحين كالثورة ( الصدر حاليا ) .عمليات الهجرة المنتظمة في مطلع خمسينيات القرن الماضي زادت  بسبب الاغراءات التي روجت لها بعض العوائل النازحة سابقا الى اقاربها من الفلاحين ما جعل عشائر تنتقل بكاملها الى بغداد ونقلت معها عاداتها وتقاليدها وبالتالي هُجرت الارض والزراعة حيث اصاب الاهمال اجزاء عديدة من اراضي السهل الرسوبي رغم محاولات الاصلاح التي قامت بها الحكومات المتعاقبة وانشاء عدة مشاريع اروائية وادخال بعض النظم الاشتراكية كالزارع التعاونية ،ولكن مع وجود هذه الاصلاحات فان هناك تراجع في الانتاج وعدم قدرة الفلاح العراقي على مواكبة التطور الحاصل في وسائل الزراعية ولعل الحروب التي خاضها العراق زادت من الامر سوءاٌ حيث اصبح الفلاح جنديا يحمل السلاح بدل المعول والمجرفة . ربما يكون الحصار الاقتصادي في تسعينيات القرن الماضي فترة ذهبية  استطاع الفلاح ان يعيد توازنه من خلال استغلال ارتفاع اسعار المحاصيل الزراعية  ماجعل الفلاح يسعى الى تطوير اساليبه  واستخدام التقنيات الحديثة دون الاعتماد على الدولة ،وحصلت هجرة معاكسة نتيجة للمغريات المالية من المدينة الى الريف على نطاق ضيق جدا . بعد عام 2003 عانت المنظومة الاقتصادية حالة ارباك شديدة نتيجة مخلفات العهود الماضية اهمال الزراعة والتركيز على الصناعات الحربية ولعل الزراعة العراقية هي من دفعت ثمن التغييرات الاقتصادية والمناخية حيث اصيبت منطقة الشرق الاوسط حالة جفاف نتيجة لظاهرة الاحتباس الحراري العالمية وانخفاض حصة العراق المائية من نهري دجلة والفرات وشروع الجارة تركيا الى بناء سدود حال دون تدفق كميات مناسبة من المياه رغم وجود اتفاقيات دولية مع كل من تركيا وسوريا وايران على تقاسم المياه بصورة عادلة . قلة مناسيب المياه في نهري دجلة والفرات جعل المساحات الزراعية تنخفض بشكل ملحوظ دفع الفلاح الى الاتبتعاد عن زراعة المحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه وايضا هناك مشكلة التجاوز على الحصص المائية المقررة لكل محافظة وعدم استخدام وسائل الري الحديثة ساهم في هدر كميات من الموارد المائية . هذه الامور جعل الفلاح يفكر جديا في البحث عن مصادر جديدة لكسب العيش ولعل فتح عمليات الطوع على الاجهزة العسكرية بعد اعادة هيكلتها بعد عام 2003 دفعت الفلاح الى ترك الارض والهجرة  الى المدينة ووظائفها المغرية وما تبقى من الفلاحين اصبحوا يعانون الظروف الصعبة نتيجة قلة الحصص المائية والبذور المحسنة واهمال بعض مشاريع البزل وقلة الحوافز التشجيعية لشراء المحاصيل الزراعية من قبل الحكومة ووجود البروقراطية والروتين بين مفاصل بعض المؤسسات الحكومية  ساهم في تنامي المشكلة والاعتماد بشكل كلي على المستورد وتفاوت الكبير بين سعر المحصول المحلي والمستورد  من الامور تصب في غير صالح الفلاح الذي يجهد نفسه وينفق الاموال والنتيجة ان مايباع لا يسد سعر التكلفة . القوانين الحكومية حاولت الحد من ازمة الزراعة في العراق ولكن جهود وزارات الزراعة والموارد المائية والبيئة لم تكن بالمستوى المطلوب لان المشكلة تحتاج الى جهد اكبر وبقي العراق يعتمد في سد حاجاته على ما يستورد . امام مثل هذه المشكلات لا بد من وجود حلول مشتركة يساهم فيها الجميع ، بعضها اني وسريع والاخر مستقبلي ومن هذه الحلول :
*توسيع مجالات القروض الزراعية واعفاء المستفدين منها من الفوائد المترتبة عليها.
* التأكيد على ضرورة استخدام الوسائل الحديثة في عمليات الري والعمل على توزيع منظومات الري باسعار مدعومة
* فصل منظمومة مجاري الامطار عن المياه الثقلية حيث يمكن تصريفها بصورة مباشرة دون الحجاجة الى اعادة المعالجة .
* تقليل الاعتماد على مصادر الري السطحية وتفكير في استغلال المياه الجوفية .
*اختصار حلقات الروتين في عملية توريد المحاصيل الزراعية الى منافذ التسويق وزيادة اسعار المحاصيل الموردة .
*تهجين انواع جديدة من المحاصيل الزراعية المقاومة للملوحة وقلة المياه بالتعاون مع المؤسسات العلمية البحثية .
*معالجة ظاهرة التصحر والاكثار من زراعة محاصيل دائمة الخضرة كالزيتون والنخيل .
*انشاء معامل للتعليب لاسيما في المنطقة الجنوبية لاجل الاستفادة من المحاصيل الموسمية كالطماطة والتمور.
*بعث الحياة في بعض المشاريع القديمة والمتوقفة عن العمل كالمزاراع التعاونية وجذب طلبة كليات الزراعة والطب البيطري من خلال تقديم عدد من المغريات كالتوظيف والسكن .
*تفعيل التعاون بين الوزارات والقطاع الخاص والمنظمات العربية والاقليمية والدولية والاستفادة من تجارب الدول المماثلة  .
 * اعادة افتتاح بعض المشاريع المتوقفة عن العمل كمصانع الالبان والجلود والنسيج الصوفي والقطني .
* تشجيع مشاريع تنمية الثروة الحيوانية وحقول الدواجن الخاصة وتقديم الدعم والمشورة لها.
* الحد من ظاهرة تهريب الحيوانات والعمل على تحسن الانواع الجيدة بشكل تجاري .
* تقنين الاستراد الزراعي بما يخدم المنتوج المحلي .
* العمل على توسيع انشاء المنتجعات الساحية في الاهوار واستقطاب السياحة اليها .
* العمل على زيادة انتاج بعض المحاصيل الزراعية المعروفة بجودتها كالتمور والرز العنبر والتوسع في زراعة المحاصيل الصناعية .
رغم ان بعض هذه النقاط مطروحة على طاولة المناقشة ومشخصة من قبل الجهات الرسمية ولكنها غير مجدية في بعض الاحيان لانعدام الارادة القوية لجعلها حقيقة واقعة حيث مازالت بعض الحلول عبارة عن  المشاريع لاترقى الى الواقع وايضا هناك تركة ثقيلة ورثتها الوزارات من العهود السابقة تحتاج الى وقت طويلة واموال طائلة لايمكن توفرها في الوقت الحالي .