كلنا نتذكر جيداً متى وأين وكيف زودت أغلب دول العالم النظام العراقي في الثمانينات من القرن الماضي تكنلوجيا الأسلحة الكيمياوية وعلى رأسها ألمانيا والولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول , وباعت له أسلحة بمليارات الدولارات لحرف مسار بناء الدولة الاقتصادية القوية وإلهائه وشغله بحروب خارجية مباشرة بعد أن تم غلق باب الحروب والمشاكل الداخلية بعد اتفاقية الجزائر عام 1975 مع شاه إيران لوقف دعمه للخنجر الكردي المسموم في خاصرة العراق الشمالية , وكلنا نتذكر أيضاً كم كان النظام السابق مهتم جداً بتدريس الطلبة خارج العراق للحصول على شهادات عليا في شتى المجالات , وقد درس في جامعات تلك الدول التي كانت تزود العراق بالتقنيات العسكرية وخاصة في المجال الكيميائي والفيزياء النووية عدد لابأس به من الطلبة المتفوقين المبتعثين من الدولة العراقية لنفس الغرض , والذين أصبحوا فيما بعد خبراء وعلماء في مجالات اختصاصهم , ليتحولوا إلى مطاردين من قبل حكومات ومخابرات وخبراء ومفتشي أسلحة الدمار الشامل لتلك الدول التي زودت العراق بالأسلحة !؟؟؟, , وكيف ظل الطموح يراود مخيلة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين ببناء جيش لا يقهر وترسانة عسكرية مسنودة ومدعمة بعلماء وخبراء تصنيع عسكري متطور يشرف عليهم صهر الرئيس نائب عريف حسين الشبه أمي !
بالتزامن مع استمرار الحرب العراقية الإيرانية , ناهيك عن أن النظام العراقي نفسه سعى جاهداً بكل الطرق والسبل والوسائل المتاحة وغير المتاحة إلى تطوير وامتلاك السلاح النووي الرادع ليكون للعرب كلمتهم ومكانتهم بين الأمم والدول القوية !, فاستقطب الخبراء والعلماء العرب من بعض الدول العربية للعمل في مختبرات ومصانع الطاقة النووية الوطنية , وعقد صفقة العمر مع الجانب الفرنسي في ظل حكومة صديق العرب والرئيس نفسه المرحوم جاك شيراك ضناً من الأثنين بأن مشروع امتلاك السلاح النووي مهما كان مدني أو عسكري سيكون في مأمن من مراقبة وعيون المخابرات الإسرائيلية والأمريكية والروسية … ولهذا تم استهداف وقبر هذا المشروع وهذه الطموحات في مهدها ابتداء بتفجير المفاعلين النووين اللذان اشتراهما العراق بملايين أو مليارات الدولارت قبل شحنهما إلى العراق في أحدى الموانئ الفرنسية , ومن ثم اغتيال العالم النووي المصري الجنسية الشهيد ” يحيى المشد ” يوم 13 يونيو 1980 في أحد فنادق باريس دون توفير الحماية له من قبل أياً من المخابرات الفرنسة أو العراقية آنذاك , وقامت الطائرات الإسرائيلة عام 1981 بقصف المفاعل النووي اليتيم ( مفاعل تموز ) وحولته إلى ركام خلال ثوني معدودة , لتنهي طموح صدام حسين والحلم العراقي بامتلاك سلاح الردع النووي .
كما أننا لن ننسى أبداً تحديات الرئيس صدام لأمريكا وإسرائيل وأن العراق سيحرق نصف إسرائيل في حال تم قصف بعض الحدايد على حد وصفه !, ولكن ما يدمي القلب والطامة الكبرى هو عندما خاطبهم بالحرف الواحد في سابقة خطيرة لم يقدم عليها أي قائد أو زعيم سياسي في العالم عندما صرح بشكل مباشر قبل العدوان على العراق عام 1991 بالحرف الواحد (( إنهم يظنون بأننا سنضع أسلحتنا وطائراتنا وصواريخنا ومدافعنا ودباباتنا في المواقع العسكرية فقط كي تأتي أمريكا وتدمرها … لا إنهم واهمون !, نحن وزعنا أسلحتنا على جميع المرافق والمصانع المدنية )) ؟, فما كان من أمريكا وحلفائها إلا أن قاموا بمسح سجادي بواسطة طائرات الـ B52 العملاقة وقصفوا ودمروا جميع مرافق ومنشآت الدولة العراقية بالكامل بما فيها المدارس ومحطات البانزين والمدارس والجامعات وحتى دوائر البريد والبرق والهاتنف , لا ننسى أيضاً كيف قام الرئيس العراقي متباهياً ومزهواً باصطحاب الرئيس المصري حسني مبارك عام 1980 لزيارة مفاعل تموز وطلب منه نزع ساعته اليدوية قبل الدخول !, وقال له بالحرف الواحد قريباً سيكون بيد العرب سلاح لا أحد يجرأ بعد امتلاكهم له على إذلالهم ويعني حيازت السلاح النووي ؟؟, فما كان من حسني الخفيف إلى أن يقول لإدارة الرئيس بوش الأب إبان أزمة الكويت ( أنا شفت القمبلة النووية ده بعيني )) !؟, وزاد الطين بله الأمير بندر بن سلطان سفير السعودية لدى واشنطن عندما قال هو الآخر لبوش الأبن (( أنا شفت أسلحة الدمار الشامل بعيني ))
قبل غزو واحتلال العراق بسنوات … إلخ من الأخطاء والمصائب والكوارث واخرها هروب الكلب العقور المقبور حسين كامل عام 1995 وادعائه الباطل بأن العراق يمتلك برنامج أسلحة دمار شامل متكامل وأنه كان يشرف عليه قبل هروبه بأيام … ألخ , هذه وغيرها من الأخطاء والمصائب ووضع الامعة والشرطي والعريف والأمي غير المناسب في المكان غير المناسب جميعها اقترفها النظام العراقي السابق مع سبق الاصرار , التي جلبت للعراق وشعبه كل هذه الويلات والخراب والدمار والتي لا يتسع الوقت لسردها بشكل مفصل بما فيها وعلى رأسها توريطه بغزو واحتلال لعنة الكويت من أجل تدمير وإنهاء العراق وإخراجه من المعادلة الإقليمية وإلى الأبد , ومن ثم الإجهاز والقضاء على النظام نفسه بعد أن أدى كل ما طلب منه أو ورطته به أمريكا والغرب بشكل عام .
الآن وبعد دخول الحرب الأهلية السورية عامها السابع , وبعد أن قتل وأباد النظام السوري بدعم وتأييد وتسليح وتمويل روسيا وإيران والمليشيات الإيرانية العراقية الموالية والمأتمرة بأوامر الولي الفقيه الإيراني وتحت قيادة وإشراف الجنرال قاسم سليماني , وبعد قتل أكثر من نصف مليون مواطن مدني أعزل جلهم من الأطفال والنساء والشيوخ , وزج مئات الآلاف في غياهب السجون والمعتقلات الوحشية والرهيبة , وبعد أن شرد النظام الوحشي في دمشق الذي يقوده نيرون وموسوليني وهتلر العصر بشار أبن أبيه أكثر من عشرة ملايين مواطن سوري , ودمر الدولة السورية وأنهكها بالكامل , وجعل بعض المدن أثرٌ بعد عين كما هي بعض المحافظات في العراق بحجة مقاتلة ما يسمى بحركة داعش الإرهابية المجرمة , وبعد أن سمحت الدول العظمى والمتوسطة والصغرى للنظام السوري المجرم استخدام كافة الأسلحة المحرمة دولياً وديمقراطياً كالأسلحة الكيمياوية وقنابل النابالم الوفسفور الأبيض والكلور والبراميل المتفجرة وغيرها من الأسلحة الذكية والغبية التي تمت تجربتها فوق رؤوس السوريين خلال هذه السنوات العجاف بالضبط كما تم تجربة جميع الأسلحة على رؤوس العراقيين المدنيين العزل التي أنتجتها معامل ومصانع الغرب والشرق منذ عام 1980 وحتى هذه الساعة من عام 2017 .
بما لا يقبل الشك أو التأويل يبدو أن حقبة وفترة وصلاحية ومفعول النظام السوري أي النظام الجمهوري القرقوشي العائلي لعائلة آل الوحش (( الأسد )) قد شارفت على النهاية بعد أن قاموا بتأديت الواجب والدور المناط بهم على أحسن وجه منذ تولي حافظ الأسد الأب السلطة في 21 تشرين الثاني من عام 1970 , مروراً بتعيين بشار الأسد عندما اجبر مجلس الشعب السورى على تعديل الدستور و تنزيل الحد الادنى لعمر الرئيس من 40 سنه لــ 34 سنه , لأن القوانين والدساتير في الجمهوريات العربية العتيدة مطاط ومفصل على مقاس الحاكم وأولاده وأحفاده وحاشيته , ولا ننسى أن أول سفارة علمت بوفاة الرئيس السوري هي السفارة الأمريكية !, وكيف تم إيفاد وزيرة الخارجية الأمريكية السيد اليهودية ” مادلين أولبرايت ” في إدارة الرئيس الأمريكي ” بيل كلينتون ” على وجه السرعة خصيصاً لهذا الغرض إلى دمشق لتعيين نجل حافظ الأسد كي لا تنفلت الأمور من عقالها في سوريا , وتعود سوريا من جديد إلى حقبة ومربع الانقلابات العسكرية من جديد , وكذلك خوفا من المجهول على أمن واستقرار ومستقبل الدولة اليهودية المجاورة التي تحتل مرتفعات الجولان السورية منذ حرب عام 1973 بمباركة وتأيد حافظ الأسد نفسه مقابل بقاء عائلة آل الأسد في سدة الحكم من الأب إلى الأبن إلى الأحفاد , والخوف من وصول نظام حكم وطني مشابه أو قريب من النظام العراقي آنذاك المعادي لوجود الدولة العبرية … لكن جرت الرياح بما لا تشتهي السفنُ , فبعد فخ ما يسمى الربيع العربي الذي أزاح من المشهد بعض رؤوساء وقادة النظام الرسمي العربي في أربعة دول عربية كما هو حسني مبارك مصر , ومعمر قذافي ليبيا , وعلي عبد الله صالح اليمن , وزين العابدين بن علي تونس , ولم يصمد طويلاً إلا النظام السوري بسبب الموقف التوافقي الخفي والسري بين المعنيين بحماية الدولة اليهودية ألا وهما أمريكا وروسيا ودخول إيران على الخط أيضاً لنفس الغرض والهدف , والتي استطاعت الأخيرة بكل ذكاء ودهاء تحويل وتصويب فوهات مدافع وبنادق حزب الله اللبناني من مقاتلة ما يسمى العدو الصهيوني ..!!!, إلى مقاتلة الشعبين اللبناني والسوري لحماية النظام الذي حمى إسرائيل نفسها على مدى 47 عاماً … يا لها من مفارقات غريبة وعجيبة في دهاليز السياسة التي يعيها ويفهما أو لا .. دعاة المقاومة والممانعة وطراطير وجماعة هيهات منهم الذلة !!!.
بعد تركيع الشعب العراقي وقبوله واستسلامه للأمر الواقع واستقباله هذه المرة الاحتلال الأمريكي الجديد بنكهة وثوب البناء والاعمار مقابل النفط والغاز , والذي بات يطبل ويهلل له ما تبقى من زعامات وقادة حزب البعث أيضاً بدون حياء وبدون أدنى شعور بالمسؤولية , بعد أن أدت وساهمت سياساتهم الخرقاء والرعناء الخاطئة والكارثية على جلب كل هذه المصائب وعلى رأسها الاحتلال وتسيد وتسلط أدواته وعملائه , والذين بدورهم وبعد أربعة عشر عاماً باتوا أيضاً على قائمة الإزاحة من المشهد العراقي ولا أحد يعلم قبل أو بعد بشار الأسد !؟, وبات الكثير منهم يستشعر باقتراب أجله ونهايته المحتومة , بعد أن احتراقت جميع أوراقهم الطائفية والإثنية والقومية , وانتهت صلاحيتهم كما هي صلاحية نظام آل الأسد في سوريا , نعم بكل تأكيد الآن وبعد أن تم تركيع الشعب السوري ومنظمة التحرير السورية (( الجيش الحر + المعارضة الساسية ) !
وباتت المفاوضات بينهم وبين حلفائهم من جهة وبين النظام وحلفائه من جهة أخرى تشبه إلى حد كبير بل تذكرنا بالمفاوضات العقيمة بين منظمة التحرير الفلسطينية والشقيقة إسرائيل ..!, منذ عام 1993 وحتى يومنا هذا , والتي لم تثمر عن شيء يذكر ماعدى شبه دولة كارتونية منقسمة على نفسها بين غزة ورام الله , ويبدو أن منظمة التحرير السورية باتت على قناعة تامة بأنه لا مناص من القبول على مضض بالشروط الأمريكية الإسرائيلة الروسية وهي ذات الشروط التي قبلت بها عائلة آل الأسد قبل وصولهم لسدة الحكم عام 1970 , لكي تصل إلى أي حل يوقف أنهار وشلالات الدماء السورية وتحقن دماء ما تبقى من أبناء الشعب السوري , ويبدو أيضاً أنها قد وقعت على بياض في دهاليز جنيف واستانا مع الجانبين الروسي والأمريكي … أولاً التوقيع على ضمان وحماية أمن الدولة العبرية وعدم المطالبة أبداً بمرتفعات الجولان المحتلة , وكذلك ضمان مصالح وقواعد روسيا وأمريكا واستثماراتهم المستقبلية في حقول ثالث احتياطي عالمي للغاز السوري والنفط كذلك , والقبول ببقائهم حتى استخراج آخر قنية غاز وبرميل نفط خام كما هو الحال في العراق ودول الخليج ..
ولكي يخرج حلفاء بشار الأسد السريين والعلنيين بحفظ قليل من ماء الوجه أمام العالم والشعب السوري المنكوب ورطوه ومزلقوه وزحلقوه هذه المرة ليس بقشر موز أو أغرقوه بدماء السوريين منذ عام 2011 , بل ورطوه وزحلقوه زحليقة لم ولن يقوم منها هذه المرة مشافى معافى أبداً … ألا وهي زحليقة غاز السارين القاتل , ذلك الغاز الذي استخدم نفسه يوم 16 مارس من عام 1988 في مدينة حلبجة الشهيدة من قبل الجيش الإيراني الذي أدخله حليفهم جلال الطالباني كي يحتلوا المدينة الكردية وبعد الانساحاب منها فعلوا فعلتم الشنيعة بحق 5000 آلاف كردي عراقي مسكين بريء , بالضبط كما راح ضحية هذا الهجوم البربري الإرهابي الإجرامي قبل أيام المئات من الأبرياء من سكان منطقة خان شيخون الشهيدة , ليكون مبرراً وذريعة ودليلاً دامغاً لحلفاء الأسد قبل خصومه للتخلي عنه بشكل قانوني وشرعي وديموقراطي وإنساني … إلخ , بعد أن شجب وندد واستنكر العالم بأسره هذه الجريمة النازية الوحشية النكراء , وثارت ثائرة سيد البيت الأبيض الجديد , واهتزت شوارب أبو إيفانكا وأنبه ضميره الحي , فأقدم بدون تردد على قصف مطار الشعيرات السوري الذي انطلقت منه غربان السوخوي الروسية – الأسدية , ومن ثم نعته من قبل حامي حمى العرب الجديد آية الله ” ترمب ” بأبشع وأشنع الصفات والأوصاف , وهذا يعني أن استخدام هذا الغاز السام والقاتل من قبل النظام السوري المنهار أصلاً قد دق آخر مسمار في نعش عائلة آل الوحش الأسدية , والتي بدأ العد التنازلي لإنهاء حكمهم واسدال الستار على أبشع حقبة عرفها وعاشها هذا الشعب المنكوب طيلة هذه العقود الخمسة العجاف بالحديد والنار , ويجب أن لا تنطلي علينا خزعبلات بوتين وفيتو هنا وشجب هناك , واستقبال بارد لوزير خارجية أمريكا خلال زيارته للعاصمة موسكو مؤخراً , والذي ما جاء إلا لوضع اللمسات الأخيرة على نهاية حكم أبن حافظ الأسد بشار بالطريقة التي تخدم مصالح الدولتين العظميين ..
ولكن يبقى السؤال الذي يطرح نفسه بقوة … هل ستكون نهاية بشار الأسد على الطريقة الليبية !؟, أم الطريقة اليمنية ..!؟, أم الطريقة العراقية ..!؟, أم الطريقة التونسية !؟؟؟. ربما الأسابيع … وليس الأشهر القليلة القادمة كفيلة بالإجابة على هذه التساؤلات وغيرها .. الــ جداً منطقية والمشروعة …