التقيت يوم امس احد اقربائي وتحدثنا عن مجموعة امور ومما ذكره لي انه كان قبل عدة ايام ذاهبا ً الى احد مستشفيات مدينة الطب لعيادة زوجة ابن عمه الراقدة هناك، فيقول انني وجدت العديد من الرجال والنساء واقفين بباب المستشفى بعد منعهم من قبل استعلامات المستشفى من الدخول فيقول حاولت الدخول ايضا ً لكنهم منعوني وبشكل صارم كحال الباقين فاقتربت من احدهم والذي يبدو انه مسئول موظفي الاستعلامات ويبدو ايضا اشدهم صرامة في التعامل وعدم السماح بالدخول وقلت له (تقبل ادخل بألفين دينار) فتراخى الرجل في جلسته وطريقة كلامه وقال لي (مو قليلة)!!! فقلت له:(اني ما داخل لدائرة امنية ولا عندي مراجعة مالية هي مجرد زيارة مريض وما اتأخر) فقال لي (جيب الالفين وطب بسرعة). انتهت رواية قريبي، وأود ان اعلق بما يلي:
ان احد اهم اسباب التردي الذي وصلناه في العراق في جميع جوانب الحياة له عدة أسباب وأهمها هو فساد الانفس وغياب الدين الحقيقي عن سلوك وتعامل الافراد وعدم الخوف من الله وعدم استشعار الرقابة الإلهية هذا هو السبب الرئيسي وما سواه هي اسباب ثانوية وهي حقيقة اكدها الله تعالى في كتابه ((ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)) (( وما ظلمناهم ولكن كانوا انفسهم يظلمون))، وعندما نقلت هذه الحادثة ليس لاستغرابي منها لأنني اعلم كما يعلم الكثيرون ان هذه الحالة متفشية في واقعنا خصوصا ً في الدوائر ولكن لنؤشر من خلالها كمثال على الحالة التي نعيشها ونشخص بدقة سبب التردي.
فالتعيين مثلا ً اصبح بالورق الاخضر والمناصب تباع بالدفاتر والمقاولات تحال الى البعض بمبالغ طائلة والمهندسون يوقعون على انجاز اعمال غير مطابقة للمواصفات بعد استلام هدية المقاول، والمدرس يبيع الاسئلة او يدرس برداءة ليجبر الطلبة على دخول الخصوصي، والجندي يسمح بدخول الممنوع او يغض النظر عن مرور العبوات والسيارات المفخخة بعد قبضه مبلغا ً من المال، والمرور يتغاضى عن المخالفة لوضع السائق خمسة ألاف في جيبه والطبيب يمص اموال الناس بأسهل الطرق وأيسرها بعد ان تكون ارواحهم بين يديه والبقال يغشهم فيريهم شيئا ً ويبيعهم اخر اما السياسيون فلا داعي ان نذكر امثلة من واقعهم فأنهم يتفننون في خداع الناس والتحكم بمصائرهم وسلب أقواتهم وهكذا العشرات من حالات الفساد والرشوة التي نعايشها او نسمع بها يوميا ً، فيا ترى كيف يستقيم امرنا وهذا حالنا، ولا ننكر وجود اشخاص مخلصين من الشرائح المذكورة اعلاه وغيرها لكن وجود البعض الفاسد منهم هو الذي يؤثر على الحالة العامة مع سكوت الاخرين عن فسادهم.
ومن ذلك ندرك ان الحل لواقعنا لا يتم بتشريع القوانين وتغيير الخطط وشراء المعدات الحديثة وتفعيل الدور الرقابي وان كانت هذه كلها معالجات صحيحة ومطلوبة لكنها تعالج الاسباب الثانوية دون السبب الرئيسي وهو فساد الانفس الذي لا يُعالج الا بالعودة الى الله عودة حقيقية وان نتقيه ونخافه في كل صغيرة وكبيرة ونلتزم بأحكام ديننا الحنيف وتعاليمه السامية ومحاسبة انفسنا ومراقبتها وعندها سنتلمس الطريق الى الحل الجذري للمشاكل ونرى الخير والأمان يعمنا كما وعدنا القرأن الكريم بقوله تعالى (( ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم )) ((وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقاً)) ((ومن يتق الله يجعل له مخرجا ً ويرزقه من حيث لا يحتسب)).
وهذا الحل بأيدينا نحن، فعلينا ان نبادر الى التوبة والعزم على اداء العمل الصالح في حياتنا وعدم التراجع امام المغريات والضغوطات، وعلى رجال الدين والخطباء ان يمارسوا دور النصيحة والموعظة وعرض الدين الحقيقي وليس دين الشكليات والمظاهر وان يكونوا قدوات صالحة في السلوك والعمل ليكونا منارا ً للآخرين ودعاة للدين غير منفرين عنه، وعلى الرساليين من كل الشرائح ان يمارسوا دور الامر بالمعروف والنهي عن المنكر في دوائرهم وأماكن عملهم لردع الفاسدين وضعفاء النفوس بالأساليب الممكنة، ولا ننسى الاستعانة بالله تعالى على انفسنا الامارة وطلب نصرته وتوفيقه فانه نعم المولى ونعم النصير وله الحمد اولا ً وأخراً.