17 نوفمبر، 2024 11:17 ص
Search
Close this search box.

من ليس معنا فهو معاد للسامية!

من ليس معنا فهو معاد للسامية!

دعا “جيرار لارشيه” رئيس مجلس الشيوخ الفرنسي و”يائل برون بيفيه” رئيسة الجمعية الوطنية الى مسيرة يوم الاحد الماضي بعنوان الجمهورية ضد معاداة الساميةالذي تصدر المسيرة محمولا من رؤساء سابقين مثل نيكولا سركوزي وفرانسوا هولاند ورؤساء وزراء سابقين ووزراء برفقة رئيس المؤسسات اليهودية وحاخام اهم المعابد الباريسية. وقد استجاب لهذه الدعوة أحزاب اليمين واليمن المتطرف واليسار ومنهم حزب التجمعالوطني ورئيسته مارين لوبن التي ما تزال سمعة والدها المؤسس لهذا الحزب المتهم بالعنصرية ومعاداة السامية تلاحقها رغم تبرئها منه وإعلان تطبيع علاقاتها مع دولةالاحتلال، في حين رفض حزب “فرنسا الأبية” السير في تظاهره يشارك فيها حزب مؤسسه معاد للسامية وللأجانب والمهاجرين ورفض نوابه المشاركة في تظاهرة لا تذكر باقي أنواع العنصريات وخاصة الاسلاموفوبيا، كما رفض مسؤول مسجد باريس المشاركة لنفس الأسبابولاتهام المسلمين المتزايد إعلاميا بمعاداة السامية. ورغم التحشيد الحكومي لهذه المسيرة واعتبار معاداة الساميةمن قيم الجمهورية واحترام لمبادئها، فأن الحضور المنشودلم يكن على الموعد. التوقعات بخروج شعبي واسع للمشاركة خيٌب الكثير وخاصة من الإعلاميين حتى اناعلاميات احدى  القنوات تكلمت بأسى عن حضور غير “معروف العدد” ، لا وجود للشباب فيه ويغلب عليه أصحاب العمر الثالث من كبار السن والمتقاعدين، في حين نشرت مواقع إعلامية اعدادا متناقضة لعدد المشاركين تراوح بين خمسين ألف الى مائة ألف شخص. وهذا ما دعا جان لوك ميلينشون رئيس حزب فرنسا الأبية السابق والمرشح الرئاسي في الانتخابات الأخيرة القول ان كل هؤلاء قد توحدوا ليقفوا مع قصف غزة ووصف المسيرة بالفاشلة معتبرا أن الفرنسيين الذين يقفون ضد معاداة السامية هم غالبية في هذا الوطن.

لقد اثارت مشاركة التجمع الوطني في هذه المسيرة ميليشيا الدفاع اليهودي المتطرفة والتي تستعمل الترهيب لكل من يعارض سياسة دولة الاحتلال او ينتقدها وقام أعضاء منها بعمل حزام صد كي لا تشارك مارين لوبن وأعضاء حزبها في السير مع الأحزاب الأخرى وجرت اشتباكات أدت الى تدخل الشرطة لفك الاشتباك ومنع هجمات ربما تكون خطيرة جدا تعرف بها هذه المليشيات بسبب سوابقها في الاعتداء على المتظاهرين ونشطاء الجمعيات الداعمة لفلسطين. وقد تكرر ذلك في ذهاب هؤلاء الى التظاهرات التي دعا لها حزب “فرنسا الآبية” بهدف الاعتداء عليهم وافساد مسيرتهم وعدم مشاركتهم في المسيرة التي دعت لها الحكومة رغم انهم رفعوا شعار معاداة السامية؟

هذه هي التظاهرة التاسعة التي تنظم في فرنسا منذ عام 1980 ضد معاداة السامية، ومنذ التسعينات أخذت هذهالتظاهرات منحى مختلفا اذ انها أصبحت موضوعا ومناسبة للتوظيف السياسي والفوز في الانتخابات. اذ وخلال الفترة الرئاسية الثانية للرئيس ميتران تم تشريع التصويت النسبي” الدي سمح بانتشار أفكار حزب الجبهة الوطنية شعبيا كحزب سياسي ما فّسر سياسيا بأنه اجراء لضرب اليمين التقليدي المنافس الوحيد للحزب الاشتراكي وقانون يساهم بتفتيته. وأبرز مثال لهذه التظاهرات تلك التي خرج فيها الرئيس فرانسوا ميتران يتوسط اركان الحزب الاشتراكي ويسير معهم أيضا اليمين التقليدي متمثلا بالرئيس الراحل جاك شيراك. وكانت التظاهرة الأولى التي يخرج فيها رئيس جمهورية وذلك بعد حادثة تدنيس قبور اليهود في مدينة كاربنترافي جنوب فرنسا التي اتهم بتنفيذها حزب الجبهة الوطنية ووجهت لجان ماري لوبن ولحزبه أصابع الاتهام والتحريض على عمليات معاداة السامية. لقد وقعت العملية في آيار من العام 1990 بعد هبوط شعبية الرئيس ميتران والحزب الاشتراكي في استطلاعات الرأي هبوطا كبيرا ليفوز ميتران لفترة رئاسية ثانية فيما بعد. وقد تبين بعد سنوات من التحقيق المتباطئ والاعلام والدعاية الواسعة ضد حزب الجبهة الوطنية والإجراءات الرسمية المتشددة لمحاربتها في شتى المستويات وبالأخص في مستويات التعليم المختلفة، ان من أقترف تلك العملية هم مجموعة “الرؤوس المحلوقة”. شيئا فشيئا ومع التعاطف المتزايد للحق الفلسطيني في فرنسا سواء من الفرنسيين العرب او من الشعب الفرنسي، انتقلت تهمة معاداة السامية التي اجترت لسنوات وعقود ضد اليمين المتطرف حتى قرف منها الفرنسيون لتتحول بعد عام 2001 وبقوة أكبر من السابق ضد الفرنسيين من العرب والمسلمين حيث منعت في عهد سركوزي كل الجمعيات الداعمة لفلسطين تقريبا ومنع الكلام عن القضية الفلسطينية فيالصحف والاعلام، وانيطت مهام الكلام والتحليل وابداء الآراء للأبواق الصهيونية ليحتلوا فضاء الاعلام كمصدر وحيد في كل النقاشات الدائرة حول منطقتنا. بل ان مجموعة ممن يسمى فلاسفة وكتاب وقعوا عريضة تمنع استقبال الناشطين في أي قاعة ومكان لتنظيم نشاط له علاقة بفلسطين للوصول الى ان يقوم وزير الداخلية الحالي بمنع وتجريم الدعم للفلسطينيين ومنع الكيفية ورفع العلم الفلسطيني.    

ان المسيرة التي دعت لها ونظمتها الحكومة الفرنسية دون تفويض كامل من النواب، بحجة معاداة السامية تتجاوزكل ما سبق، فهي محاولة واضحة من اركان الدولة لاحتواء الانتشار المتزايد والتعاطف مع الشعب الفلسطيني ومع غزة، اذ تبدو هذه المسيرة ردع يستخدم مقولة “قيم الجمهورية” ضد الفرنسيين وكل من تسول له نفسه للتصريح عكس ذلك من نواب وأحزاب ونقابات واعتبار كل من لا يقف مع دولة الاحتلال وجرائمها معاد للسامية. بهذه المسيرة المخصصة لمكون واحد دون غيره،ترفع حكومة ماكرون حائط لصد انهيار عمل هائل بدأ منذ سنوات لاجتثاث دعم وتعاطف الشعب الفرنسي نهائيا بالترهيب بتهمة معاداة السامية.

ان رفض حزب فرنسا الابية للمشاركة في هذا النوع من التظاهرات ورفض ممثل المسلمين أيضا يظهر انالحكومة تأخذ جانب مكون من الشعب فقط وتدين مكون اخر هو بريء من التهمة التي تنسب له. هذه المسيرة الحكومية هي بمثابة اعلان رسمي ضد 10% من الشعب الفرنسي وممارسة للضغط عليه كي يلتحق بالدعاية الصهيونية التي تحرض على العرب والمسلمين وعلى دعم الشعب الفلسطيني في تناقض مع الدستور ومع قيم الجمهورية ومع حرية التعبير التي يتحجج بها المشاركون في التظاهرة. ان الادعاء بان ارقام الحوادث ضد معاداة السامية في فرنسا قد انفجرت منذ السابع من أكتوبر تفتقد للمصداقية اذ وبحسب الاستطلاع السنوي الذي تقوم به لجنة مكافحة العنصرية ومعاداة السامية والاسلاموفوبيا فأن تطور وتجدد معاداة السامية بقي في نفس الأوساط والطبقات لثلاثينيات القرن الماضي بما يعني انه لا علاقة لا للمسلمين ولا لليسار بها وحتى الكلام عن زيادة عدد الحوادث فهو، يتناقض بين فكرة زيادة اعمال معاداة السامية وبين القول ان الأفكار المسبقة حول اليهود قد تراجعت. وما يؤكد هذا التناقض هو ان الاعلام ومنذ عملية فصائل القسام يصرخ ويكرر انفجار عدد معاداة السامية لكن من ينصت لتفاصيل هذه العمليات يجد انها حوادث عادية جدا وهي تهويل متعمد يراد به لجم الناس، هذه هي الحوادث الخطيرة التي نشرها الاعلام: مرور عربي اما معبد يهودي، تبول شخص على حائط مستشفى، احتراق شقة عائلة يهودية) استخدمت غالبا هنا للحصول على التأمين ؟( اما الحادث الثالث هو اعلان شابة يهودية من مدينة ليون ان شخصا قد كتب كلمات على بابها لم يذكر حتى نوع هذه الكلمات؟

ان المشاركة الضئيلة للشعب الفرنسي في المسيرة التي نظمها اركان الدولة ليست فقط فشلا للتحشيد بل هي رد فعل صادق لشعب واع، غالبيته ضد العنصرية يرفض المشاركة مع حكومته التي تكيل بمكيالين وتتهم من ليس معها بمعاداة السامية في حين انها دعمت الى قبل أيامما يبث من كل شاشات العالم من جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية والفظائع التي يقترفها جيش دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني.  

أحدث المقالات