23 ديسمبر، 2024 9:19 ص

من لايحب مصر ، فليراجع عروبته وذوقه

من لايحب مصر ، فليراجع عروبته وذوقه

بعيدا عن راي المتنبي الغاضب ، وراي الجواهري الحانق ، ورايك في السياسة الحاضرة والغابرة ، هل زرت مصر صيفا او شتاء!،
مصر مفترق الدنيا وليست امها فقط ، يمكن لك ان تتوه بمصر، مصر التي لاتعرف العنصرية ، والتي لا تفترق عن الانسانية ، تربة مصر ، هواؤها ، زحامها ، نيلها المحسود المهدد من اعدائها ، شعبها العريق المذهل العفوية ، الخالي من كل تصنع اوانسلاخ .تدين مصر المغرق في العمق و الصدق ،قصدت دين الروح والولاء ،من مسلميها واقباطها على حد سواء،
موسيقى مصر و فن مصر و ادب مصر، فنها العذب المتنوع وأدبها الغني المتجذر ، لياليها ونهاراتها ، وليالي مصر كنهاراتها ،،فمصر لاتنام و من يزرها لاينام ، لاتريد ان تنام فيفوتها من دفق هذه الحياة لحظة ،مصر من لايكون حبك الصادق لها الا بعد ان تطأ اقدامك ارضها ، فمصر ليس ككل البلاد التي تحبها سماعا ويكفيك ، او تتشبع رؤيتها من بعيد فيغنيك ، لابد ان تتنفس هواءها الخريفي وانسامها الربيعية ، وتمشي في شوارعها وازقتها الحاضرة والقديمة و التاريخية
لابد ان تستقل عرباتها وقطاراتها الجميلة و ان قدمت ، وتحتك بناسها وتسعد حتى تقسم الا تغادرها ، ثم تغضب فتقسم الاتعود اليها ،لكن بعد حين تجد غضبك منها يشدك اليها حنينا بعد مغادرتها ،أرض تترك في داخلك التصاقا لاتعلم كنهه ولامصدره ،
شعراء مصر الذين علمونا الفرح والشوق والحب ، بعد ان اغرقنا شعراء العراق بالحزن والشجن ، وتوهنا شعراء لبنان في الطبيعة والجرد ، واستفزنا شعراء المغرب العربي والشام بالحماسة. اغاني مصر التي تستقي منها اليمن و تأن اليها الحجاز ، و تتجاوب مع انغامها ردود الشام وقدود حلب.ومصر توأم السودان وشقيقته وشريكته في النيل ، وفي الماضي الجميل.
في مصر الاشياء تتكلم وتتنفس وتعيش كما الناس بل مع الناس ، فليس في مصر جمادات , لم ار شيئا جامدا في مصر ، او لعلي رايت ولم اميزه او احسه ، فلكل شيء روح وشكل وكيان . تمازج الاشياء مع الناس مع الشجر مع الحجر ، في مصر ترى مالاتراه في اي مكان . ماتخافه في بلد ما بل في بلدك،،لاتخافه في مصر ، و ماتستغربه وانت وسط اهلك لا تستغربه في مصر .
في مصر من كل لون من الناس مائة الف ، فلا تتفاخر عليها ان كنت عالما من اليابان ففيها منك مائة الف وان طواهم النسيان او دثرتهم تقلبات الزمان ، فسيبرزون لك تماما عند الاوان ، ويخطفون منك نوبل وغيرها . ان كنت فيلسوفا من اليونان فلا تتفلسف على مصر ففيها منك مائة الف لو قرات لهم لاعتزلت الفلسفة . ان كنت شاعرا من العراق فلا تزايد على مصر ففيها منك مائة الف شاعر يبزوك شعرا وشاعرية وان كنت عراقيا عريقا. ان كنت فقيها من الشام او الحجاز فمصر ام الفقهاء ، وان كنت حكيما يمنيا فمصر ارض الحكماء ، وان كنت اديبا من لبنان فمصر مهد الادباء .
وان لم تعشق موسيقى مصر فما عرفت سطر الانغام , وان لم تغرق بسحر مصر فاتك شطر دهرك من الايام . جلسة مرح مع ثلة مصريين تعدل من عمرك اعواما ، وجولة في ليل حواريها تنسيك موطنك هياما. ازقتها العتيقة و مزاراتها العريقة ونسمات ليلها الرقيقة . حين تزور ضريحا لولي او مرقدا لصالح تقي في اي من بلاد المسلمين المحروسة تشعر بهيبة وحاجة لدعاء ، وان زرت مرقد ولي في مصر شعرت بقرب وقرابة ومناجاة ، تلتفت الى من حولك من الزائرين فتراهم يشبهونك ويالفونك ويعرفونك ، ويعرفهم الولي ويعرفونه ، وكانه يكلمهم ويكلمونه .
لمصر سحر لايفهم ولايدرك الا ان تمشي في طرقاتها ليلا ، وتجلس على مقاهيها وتاكل من طعام سائر اهلها ، وتسهر معهم وتسمر ،عند ذاك تجد نفسك تجذب و تسحر.
فمن اراد الريف فليسكن ريف مصر ، ومن اراد الحضر فليلحق بمدن مصر.. ان اردت الدنيا وزهوها ولهوها فدونك مصر ، وان اردت الجد والمجد فعليك بمصر . وان اردت الزهد عن الدنيا والتزام دينك فامامك مصر، فان لم تكن تحب مصر كما قرأت توا ، فزرها . مصر تحب الناس وتحب المسلمين ، وتحب كل العرب ،،
فمن لايحب مصر دون سبب فليراجع ذوقه وعروبته.