قال الرسول الكريم, عليه وعلى آله أفصل الصلاة والسلام, مخاطباً أمير المؤمنين علي بن أبي طالب “ع”: أنا وانت أبوا هذه الأمة.
وُصِفَ أبا الحسنين عليهم السلام بأبي الأيتام, لم تأتي تلك الصفة من فراغ, وليس هذا الوصف شعاراً فارغاً, بل تجسد في أعمال خالدة, حيث كانت رعايته عليه السلام للأيتام عموماً, وأبناء الشهداء والارامل, واجباً من واجبات الحاكم.
أذكر قصة من سيرة الإمام الأول, من آل الرسول صلوات ربي عليهم وسلامه, تجسد صفحة الوفاء لأيتام الأمة الإسلامية, الذين ضحوا بأرواحهم الغالية, لرفع راية الحق ودحر الباطل.
كان علي ﴿عليه السلام﴾ يسير في طرقات الكوفة؛ فشاهد امرأة على كتفها قربة ماء، سارع لإعانتها بحمل القربة، ويسألها عن حالها فقالت: بعث علي بن أبي طالب صاحبي إلى بعض الثغور فَقُتل، وترك لي صبيانا يتامى، فألجأتني الضرورة لخدمة الناس، فانصرف وبات ليلته قلقا، عندما أصبح حمل زنبيلا فيه طعام، فقال بعضهم: أعطني أحمله عنك، فأجاب: من يحمل وزري عني يوم القيامة ؟ فأتى وقرع باب تلك المرأة، فقالت: من هذا ؟ قال: أنا ذلك العبد الذي حمل معك القربة، فافتحي فإن معي شيئا للصبيان، فقالت: فترضت عليه وأثنت: حكم الخالق بيني وبين علي بن أبي طالب، فدخل وقال: إني أحببت اكتساب الثواب، فاختاري بين أن تعجنين وتخبزين وبين أن تعللين الصبيان لأخبز، فقالت :أنا بالخبز أبصر وعليه أقدر، شأنك والصبيان، عللهم حتى أفرغ من الخبز، فعمدت المرأة إلى الدقيق فعجنته، وعمد علي ﴿عليه السلام﴾ إلى اللحم فطبخه، ليُلقِمَ الصبيان من اللحم والتمر وغيره، وكلما ناول صبياً لُقمَةً قال له: يا بني اجعل علي بن أبي طالب, في حل مما مَرَّ في أمرك, بعد أن اختمر العجين قالت المرأة: أسجر التنور, بادر عليه السلام لسجره, فلما أشعله ولفح في وجهه جعل يقول: ذق يا علي هذا جزاء من ضيع الارامل واليتامى، فرأته امرأة تعرفه دخلت الدار, فقالت لأم الأيتام: ويحك هذا أمير المؤمنين، قال: فبادرت المرأة وهي تقول: واحيائي منك يا أمير المؤمنين، فقال: بل واحيائي منك فيما قصرت في أمرك.
تلك حالة لعائلة واحدة فقط, لم يستهن بها أمير المؤمنين عليه السلام؛ بينما نرى التقصير جليا واضحاً, أمام آلاف الأرامل واليتامى, ممن ضحى عائلهم استجابة لأمر المرجعية المباركة, إنهم أيتام الحشد الشعبي.
فقدت الأمة أبويها, منذ ما يزيد على الألف وأربعمائة عام, استشهد الرسول والامير عليهم الصلاة والسلام, ليبقى الأيتام والأرامل بدون راعٍ.