انشغلت وسائل الاعلام خلال الاسابيع الماضية بقضية اتهام ومن ثم عزل رئيسة كوريا الجنوبية من منصبها لاتهامها باستغلال نفوذها، والمشكلة عصفت بالبلاد لعدة اشهر، ولكن ايا من القوى السياسية لم تتدخل بهذه الفضيحة وترك الامر الى القضاء الذي على ما يبدو انه يتمتع بسمعة جيدة ومستقل ويحظى بثقة الكوريين. برغم انها ستصبح اول رئيسة للبلاد منتخبة ديمقراطيا تجبر على ترك المنصب، الا ان الامر تم تقبله، فثقة الشعب تعلو ولا يعلى عليها شيء او منصب وانا اتابع الموضوع تحسرت على ما يجري في بلادنا فكم من مسؤول فقد ثقة الشعب وترك حراً طليقاً، وكم من مسؤول مطلوب للقضاء ولا يمثل امامه، وكم من مسؤول متهم بالفساد وصار اسمه من بين قائمة الاثرياء بالعالم ولا احد يستطيع ان يجلبه الى القضاء، بل اكثر من ذلك يرفض الانزواء والتواري عن الانظار، وانما تصريحاته وتدخلاته في العملية السياسية ماتزال قائمة ، وبعضهم يمارس مهماته ويترأس كتلاً واحزاباً وما الى ذلك من مؤسسات السلطة والنفوذ والاكثر مرارة ان من يكتب عنه صراحة ويدعوه لتبرئة نفسه مما يثار حوله يلاحق المكاتب في المحاكم بذريعة التشهير، وكأنه مس منزهاً ومحصناً لا تدانيه الشبهات.
والمفارقة ان هذه البلدان التي تطورت ونمت وبنت تجاربها وهي دائماً تخضعها الى المراقبة والتمحيص لا تشعر بالدونية ولا بالحيف عندما يقبض على مسؤول فيها ويدان، وانما تعتبر ذلك دفاعاً عن شرفها الذي لوثه هذا المسؤول او ذاك، بينما في بلدنا العراق لايدان مسؤول بجريمة الا بعد ان يغادر البلاد ويقدم كبش فداء حماية للاخرين، على الرغم من انه يرفع شعاراً ويصرخ به بمناسبة ومن دونها انه من خير امة اخرجت للناس، وان البعيد الذي يدعو الى الاقتداء بتجربته ثم تكفيره من البعض بالفطرة وبلا روية.
للاسف اصبح اليوم نهب المال العام واستغلال النفوذ والتوظيف على الهوية المذهبية والقرابة والحزبية من قبل كل مسؤول في عرينه الذي استولى عليه بفعل المحاصصة شطارة وذكاء وليس جريمة تتوجب توجيه الاتهام .. هذا حال في العراق لا يستثنى منه احد، وتصر الاطراف على العمل به، والا ما معنى بعد اقرار مجلس الخدمة الاتحادي لا يسمى اعضاؤه لاختلافهم على توزيع الحصص والنسب.
نحن احوج ما نكون ان نقتدي بالتجارب العالمية الايجابية ونثقف بها ونبثها على اوسع نطاق لعلنا نحظى في يوم من الايام بحاكم او مؤسسة تتمكن من الاطاحة بفاسد كبير ومسؤول ضخم لطش مال الله والعباد على حد سواء من دون خوف او يرف له طرف جفن ويهتز ضميره الذي جمده بل تخلص منه لانه ليس بحاجة اليه