ومن كان يحب ( العراق ) فإن بلدي العراق العظيم حي لا يموت ؟
فلنكن منطقيين بعض الشيء ونبتعد عن العواطف والموروثات الدينية والعقائدية ونتكلم بلغة الوعي والإدراك .. لماذا أولاً كتبت ( المقال ) وبهذا العنوان ! الجواب بإختصار لأنَّ ما تشهده صفحات التواصل الإجتماعي من صراع كبير ومعارك كلامية نابية بين ( السنة – الشيعة ) يُنقل حتماً إلى المدارس والشوارع والجامعات والدوائر والوحدات العسكرية والسبب أنَّ الغالبية العظمى من هؤلاء هم من يقوم بإثارة نزاع قاسمه المشترك عمر بن الخطاب رضي الله عنه .. فالسنّة في العراق لديهم شعور بأنَّ نصفهم الآخر في الوطن يكرهون عمر ويكرهون من يؤيده أو حتى يحمل إسمه لسببٍ بسيط (هذا الرأي للشيعة الإمامية) أنَّ عمر سرقَ الإمامة من علي بن أبي طالب رضي الله عنه مثلما سرقها قبله أبو بكر رضي الله عنه وبعده عثمان رضي الله عنه !
والموضوع طويل وشائك وشاق ولا يقبل أبداً أيٌ من الطرفين تغيير قناعاته حول الموضوع .. فالسنّة مقتنعون تماماً أنَّ خلافة عمر إستحقاق جاء بالشورى أو بالتوصية مثلما كانت خلافة أبي بكر وعثمان ولديهم دليل كبير وهو مبايعة علي للخلفاء الثلاثة رغم تأخره في مبايعة عثمان كبقية الصحابة وآل البيت من بني هاشم وعلى رأسهم بطبيعة الحال الحسن والحسين رضي الله عنهما مع أنَّ هناك حِساً إعتراضياً مبكراً لدى الحسين للنهج العلوي تحول فيما بعد إلى ثورةٍ حسينية كبرى على رؤوس الظلم من بني أمية .. إلى هنا ويبدو الأمر طبيعياً جداً ، صراعات وإعتراضات في السر والعلن لم يجرأ أحد إلى رفع حد سيفه في زمن عمر مهما كان توصيفه أو صفته أو ما يحمل من ألقاب .. وعليه فقد طغى العدل على بقاع المسلمين وبين ثغورهم وعلى أرضهم الواسعة ومن بينها المحررة والتي تُعد بلاد فارس من أعظمها .. وبلاد فارس لا يقصد بها العراق آنذاك لأنَّ العراق كان جزءاً من هذه الإمبراطورية المجوسية الزرادشتية المترامية الأطراف والتي حررها جيش المسلمين عام23 ه ثم أتمَّ تحريره لكامل بلاد فارس وما بعدها .. ما الأمر إذاً !
لماذا يكره الشيعة عمر ويكرهون من كان إسمه عمر ولا يُسمون أياً من أبنائهم بعمر بل يقوم بعض المتطرفين منهم بقتل من يحمل هويةً تحمل إسم عمر أو منعهم من الدخول إلى بعض مدن الجنوب !
وهو أمرٌ لا يليق أبداً في مناطق تدّعي المصاهرة والأخاء .. فبعد أكثر من 1400 عام نعود إلى صومعات الإقتتال الأولى والفتنة الكبرى التي شقت صفوف المسلمين وكادت أن تودي بدولتهم ودينهم لولا تمسك البعض بالإعتدال ومن بينهم الإمام الحسن الذي تنازل عن الحكم وأداً للفتنة وحفاظاً على وحدة المسلمين .. ومن بين الأمور العجيبة أنَّ أيام الإقتتال في كارثتي الجمل صفين كان من أشد المؤيدين لعلي هو محمد بن أبي بكر الصديق !
القتال آنذاك لم يكن إلا كارثة وقعت بين صفوف المسلمين من الصحابة والتابعين ظلَّ غبارها معشعشاً بين نفوسنا حتى يومنا هذا .. نعود إلى محور الحديث وهي العلاقة بين عمر والشيعة ، فالفكر والعقيدة الشيعية لم تجد أرضاً واسعةً تنمو بها سوى العراق ومنذ أن تولى عليٌ الخلافة وقتله على يد الخارجي عبد الرحمن إبن مُلجَم كانَ العراقيون المتواجدون أصلاً في العراق وليسوا المهاجرين من أرض الجزيرة هم من أيد ودعم وقاتل وضحى كي يبقى الفكر الشيعي (على الأقل) مناهضاً للعقائد المضادة .. بمعنى آخر العراقيون العرب وغير العرب ممن أسلموا بعد فتح العراق كان الفضل أولاً وأخيراً لعمر في ضمهم لولاية المسلمين الكبرى .. أما الإسناد الأكبر والقوة الداعمة والأصقاع المترامية الأطراف كانت بلاد فارس !
عمر هو من حرر العراق من الفرس وبفضل الله ثم بفضله تحول الفرس المجوس والزرادشتيون إلى الإسلام .. وبمعادلة بسيطة جداً لولم يفتح عمر بلاد فارس ويُسلم أغلب أهلها لما وجد شيعة العراق أصلاً ، داعماً لهم بهذا الحجم ( هذا واقع الحال ) لأننا لو وضعنا حجم تأثير الشيعة الإيرانيين على مجمل الساحة الشيعية في العالم قياساً بالشيعة العراقيين ، فالعراقيون لا يمكن أن يُذكروا في هذه المعادلات التي تقول أن إيران هي من يقود الشيعة في العالم ، بعدد سكانها وإقتصادها وجيشها ودعمها للحركات الشيعية المناوئة .. عمر من أوجد للشيعة عمقاً ستراتيجياً خالداً بفتحه بلاد فارس ومن يقول غير ذلك فهو نسجُ من خيالٍ مريض ..
ولله – الأمر.