قرأت ” طرائف و نوادر من التراث الديني” فقلت من كان عظيما في جدّه …كان أعظم في هزله .. ومن لا يحسن أدب الضحك.. فهو إلى الوعظ أضعف … و إلى الصلاة أبعد….
دخلت في ثنايا أوراقه ثانية ..فرأيت الجواري ينشدن شعرا ويقلن حكمة ..ويملكن قلوب السادة والأمراء… بما يملكن من فصاحة لسان … و حلاوة البيان…
و دخلت عالم الأطفال… فكانوا أبلغ من آبائهم…فتباهى بهم العاقل …و افتخر بمجلسهم الأمير.. فهذا طفل …يفروا زملاؤه…عندما يرون الأمير قادما…فيسأله الأمير لماذا لا تهرب مثلهم ؟ فيجيبه بمنطق العظماء …إنني لم أرتكب إثما …حتى أهرب منك … و ليست الطريق ضيقة حتى أفسح لك السبيل.. و قد حدّثنا التاريخ أن هذا الطفل أصبح من أشهر قادة المسلمين..
و بينما أتصفح الفصول.. فإذا بي أرى الأمير،ومن حوله .. الشعراء..والحكماء..و الفقهاء.. يتناقشون في الأمور الجليلة و يرفعون الشبهة عن قضايا كثيرة …فإذا بيد الأمير.. تكرم هذا ..لأنه أفصحهم .. وتغدق على ذلك ..لحكمته. ورحت أتأمل النوادر.. فإذا هي البلاغة بحذافيرها.. والحكمة ذاتها ..
و تعالى معي لتراقب من بعيد.. الحمقى ..و البخلاء.. الذين طبعوا الكتاب برقتهم.. وأضافوا له مسحة المرح..
أريد أن أقول من خلال هذه الأسطر.. أن هناك الضحك و هناك أداب الضحك، و يكمن الفرق بينهما في الطريقة و الأسلوب وهنا مكمن الداء و الدواء ..
فالضحك يحسنه كل النّاس ..فالأسرة يزداد تعلقها بالرضيع .. كلما بدأ يعبر عن نفسه بالضحك.. و ضحك المريض ..علامة شفاءه .. و يكفي أن نضحك.. ليعرف من حولك أنك نجحت .. وفرحك يظهره ضحكك.. وابتسامتك تسبق صاحبك .. ليعرف من خلالها بأنك تحبه ..و استقبالك للضيف بإبتسامتك.. دليل على أنك .. تقبل ضيافته..
وتريث قليلا لترى الحيوانات المدرّبة.. كيف تضحك النّاس ..و الحمقى الذين يضحكون العوام بحماقتهم..و المجانين .. الذين إتخذهم ..الأطفال ضحكا ..
وبعد ماقلت بأن الضحك يحسنه الناس قاطبة ..ها أنذا أضيف ..بل يحسنه كذلك الحمقى..و المجانين.. و حتى الحيوانات..
و تعالى معي ..لنرى سويا معنى أدب الضحك..لأن الأدب.. لا يحسنه إلا خاصة الناس ..و هناك تكمن قيمته.. و يكفي لذلك ..أن تختار لضحكك ألفاظا نقية ..و عبارات مناسبة..
الأستاذ مع تلامذته.. و الخطيب مع مستمعيه .. و الفرد مع أسرته.. و الرئيس مع مرؤوسه .. هؤلاء ترتفع قيمتهم مع من حولهم كلما إبتسموا وضحكوا.. لأنهم يحترمون المحيط الذي يحيطهم و المكان الذي يلفهم فيختارون ألطف النكت ، بأنظف الكلمات ، و هذا ما لمسته لدى صاحب ” طرائف و نوادر”.
وليس من الصدفة أن يعتمد الكاتب في كل طرفة من طرائفه على مرجع علمي ، يعد بحق كنز من كنوز الأداب العربي .
و المتصفح للكتاب، يتعلم اللغة العربية، بنثرها وشعرها، و يقف على تاريخ أمة ما زالت تبكيه، و يستنطق عظماء صنعوا أمجادا سيظل يذكرها التاريخ، ويتدرب على مواقف الكرم و المروءة وحسن المعاملة، كل هذا في ثوب يعلوه الضحك والابتسامة.
ولا أعتقد بأن هذه الخصال كان لها أن تبلغ مرماها، و تصيب هدفها ، لو ألبست لغة ضعيفة ، و كلمات هجينة ، و ألفاظ غريبة .
فإذا كانت كثرة الضحك تميت القلوب، فإن أدب الضحك يحي القلوب، ويريح الأبدان، وينير العقول.