18 نوفمبر، 2024 1:01 ص
Search
Close this search box.

من قرارات ( مهزلتنا ) الإتحادية العليا

من قرارات ( مهزلتنا ) الإتحادية العليا

من المعيب حقا ان يسمح نظام يدعي انتماءه الى الاسلام والديمقراطية لفرد بأن يسخر ويستهزأ من شعب بأكمله، عبر بوابة القانون، فالشعب احد اركان مقومات الدولة وبدونه لا وجود لها، والقانون هو الركيزة الاساسية  لسيادة الامن والنظام العام وبدونه تصبح الدولة مجرد غابة يحكمها الاقوياء. في عراق اليوم، جعل البعض من المحكمة الاتحادية وسيلة لتحقيق غايات دنيئة، فئوية محاولا استغفال الشعب العراقي، عندما يظهر امامهم بمظهر الوطني البطل الذي جعل من المصلحة العليا همه الاول والاخير، مستغلا ضعف وجهل الافراد بالقانون والثغرات الكبيرة فيه التي  تساعد على المرور الى اي غاية يراد تحقيقها. للأسف المحكمة الاتحادية ارتضت لنفسها ان تكون وسيلة اولئك السياسيين عندما اكتفت بأن تطبق قانونها ونظامها الداخلي بشكل حرفي متجاهلة المصلحة العامة والغايات التي يروم المتقاضون امامها تحقيقها. النائب ب.ح. ع عضو مجلس النواب اقام مؤخرا دعوى قضائية امام المحكمة الاتحادية ضد رئيس مجلس النواب اضافة لوظيفته يطالبه بأن يلغي المواد 4و3 من القانون رقم 50 لسنة 2007 بدعوى ان هاتين المادتين تخالفان الدستور. القانون رقم50 هو قانون رواتب ومخصصات رئيس مجلس النواب والنواب الذي بموجبه تم تخصيص رواتب للسادة  النواب بينما الدستور لم يشر صراحة  الى استحقاقهم للرواتب. بينما هناك نص صريح  في الدستور بأن لأعضاء مجلس الوزراء ومجلس الرئاسة رواتبَ شهرية. وكيل المدعى عليه السيد رئيس مجلس النواب اضافة لوظيفته أجاب على هذه الدعوى بلائحة تبدو أسوأ ممن سبقتها حيث بدأها بالقول بأن المحكمة الاتحادية غير مختصة بالنظر في هذه الدعوى مما  يستوجب ردها شكلا، متناسيا بأن هذه الدعوى في جوهرها ليست لإلغاء رواتب ومخصصات البرلمانيين بقدر ما هي الطعن بعدم دستورية المواد التي منحتهم تلك الرواتب، واختصاص المحكمة بالنظر في هذه الدعوى يستند الى المادة93 اولا.
 فعندما تصدر المحكمة قرارا بأن المواد 3 و4 غير دستوريتين فهذا يعني الغاء رواتب البرلمانيين. بالعودة الى كيفية تلاعب النائب المدعي بالقانون وعدم الجدوى اصلا من دعوته هذه، هي انها لم تحقق اية نتائج تذكر حتى وان تم الحكم لصالحه فان هذا الحكم لن يؤدي الى الغاء رواتب ومخصصات البرلمانيين. نقول بأن كان على المحكمة الاتحادية الا تقبل الدعوى من البداية لان غرضها واضح هو تحقيق مكاسب سياسية وايضا لا ينطبق عليها النظام الداخلي للمحكمة رقم1 لسنة 2005، ففي المادة 6  منه لغرض قبول اية دعوى، يجب ان يلحق المدعي ضرر واقعي جراء التشريع المطلوب الغاءه  وان لا يكون المدعي قد استفاد بجانب من النص المطلوب الغاءه وان تكون له مصلحة حالة ومؤثرة في مركزه المالي او الاجتماعي او القانوني. وعندما نطبق هذه الشروط على المدعي في هذه الدعوى نجد ان كلها لا تنطبق عليه، فهو قد استفاد من النص المطلوب الغاءه بدليل انه كان طوال ال6 سنوات كان يستلم الرواتب والمخصصات تطبيقا لهذه المادة كما انه لم يلحق به اي ضرر واقعي جراء التشريع المراد الغاءه اما القول بأنه يمثل الشعب الذي تضرر جراء هذا التشريع فهو كلام مردود لأن المدعي كان جزءا من الجهة التي شرعت هذا القانون وان كتلته وهو شخصيا قد صوت لصالح هذا  القانون وحتى لو لم يصوت هذا النائب لصالحه فان مجلس النواب هو ايضا يمثل الشعب وينوب عنه والمدعى عليه في هذه الدعوى يمثل شريحة اوسع واكبر من الشريحة التي يمثلها النائب لوحده. فوفق النظام الداخلي فان المدعي في هذه الدعوى لا يحق له مقاضاة رئيس البرلمان وكان على المحكمة الاتحادية عدم قبولها تطبيقا للنظام الداخلي. اما مسألة عدم الغاء الرواتب رغم صدور القرار لصالح المدعي، ذلك ان الاخير لم يقل بعدم دستورية القانون رقم50 لسنة 2005 بأكمله، بل حصر دعواه في المادتين 3و4 فقط في حين ان استحقاق البرلمانيين للرواتب ليس بموجب هاتين المادتين فقط بل  بموجب المادة الاولى من القانون ذاته حيث تقول: : تسري أحكام قانون الجمعية الوطنية رقم (3) لسنة 2005 على مجلس النواب اعتبارا من تاريخ أداء اليمين القانونية لأعضاء مجلس النواب. بالعودة الى القانون المذكور نجد ان المادة 2 منه تقول:
أولاً : – يمنح رئيس الجمعية الوطنية مكافأة شهرية لا يقل مقدارها عمّا يتقاضاه رئيس مجلس الوزراء من راتب ومخصصات .
ثانياً : – يمنح كل من نائبي رئيس الجمعية الوطنية مكافأة شهرية لا يقلّ مقدارها عمّا يتقاضاه نائب رئيس مجلس الوزراء من راتب ومخصّصات .
ثالثاً : – يمنح عضو الجمعية الوطنية مكافأة شهرية لا يقل مقدارها عمّا يتقاضاه الوزير من راتب ومخصصات. اذا: لا قيمة قانونية لهذه الدعوى حيث سيبقى النواب يستلمون الرواتب والمخصصات وفي حالة قطعها عنهم بدعوى عدم دستورية المادة التي يستلمون تلك الرواتب بموجبها سيقولون بأن هناك مادة اخرى تبيح لهم تلك الرواتب لم يطعن بها احد وهي المادة الاولى من ذات القانون. بقي السؤال: لماذا انتظر النائب المدعي في هذه الدعوى 6 سنوات من نفاذ القانون حتى يطعن بعدم دستوريته؟ الم يكن طوال مدة نفاذه يتمتع بالرواتب التي تمحنه له المواد التي يريد الغائها؟ ثم  ان الحكم بطلان هذه المواد يعني ان ينصرف هذا البطلان على الاثار المترتبة عليه، بمعنى استرداد المبالغ التي استلمها النواب ومن ضمنهم المدعي، وهذا ما تغاضت عنه المحكمة لأسباب مجهولة. ثم ان ما جاء بلائحة استدعاء الدعوى من ان عضو مجلس النواب هو مكلف بخدمة عامة والمكلف بخدمة عامة لا يستحق الراتب ذلك لان الموظف هو فقط من يستحقه. وهنا نسأل: ما هو التوصيف القانوني للوزير؟ هو هل موظف حتى يستحق الراتب؟ كلا الموظف وفق تعريف قانون الخدمة المدنية هو كل من اسندت اليه مهمة على الملاك الدائم للوزارات او الجهات غير المرتبطة بوزارة، وبما ان الوزير  ليس على الملاك الدائم، حيث يبقى في منصبه مدة لا تتجاوز4 سنوات فقط، بالتالي فهو ايضا لا يستحق الراتب كالنائب. بقي القول ان بقاء المحكمة الاتحادية تعمل وفق هذا النظام الداخلي يجعلها ساحة لتصفيات الحساب بين السياسيين واستغلالها سياسيا، ولغرض درء هذه الاشكالية، يجب على المحكمة ان تشكل هيأة خاصة لمراجعة كافة التشريعات العراقية بغية الكشف عن غير الدستورية منها وبالتالي الغائها تلقائيا دون الحاجة الى الافراد لطلب ذلك.

2-3
    لعل الاكثر فداحة وخطورة على مصداقية التقاضي امام اكبر محكمة تحمي النظام الدستوري هو ان الدستور قد سمح لطبقة السياسيين ان يطلبوا من القضاء تصحيح اخطاء هم ارتكبوها ليس لصحوة الضمير او لتدارك ذلك الخطأ، بل لتحقيق مارب وغايات بعيدة والظهور بمظهر المدافع عن حقوق الشعب وعن سلامة قوانينه من التقاطع مع الدستور. كان على الدستور كما قلنا في مقالة سابقة ان ينص على ان تتولى المحكمة الاتحادية بنفسها فحص دستورية القوانين المشرعة من قبل مجلس النواب، لا ان يشرع النواب قوانينا ثم يطالبوا بعد سنين بإلغائها بدعوى عدم الدستورية. ما شهدته  المحكمة الاتحادية في المدة الاخيرة هو تسابق سياسيين وقادة نقابات على اقامة دعوى امامها بخصوص الطعن بعدم دستورية المواد 3و4 من القانون رقم50لسنة2007. في مقالة سابقة تحدثنا عن الدعوى التي اقامها النائب بهاء الاعرجي واليوم سنتحدث عن الدعوى التي اقامتها نقابة المحامين لذات الموضوع وهو المادتان 3و4 من القانون المذكور. الدعوى تحمل الرقم79 اتحادية2013 بينما دعوة النائب بهاء الاعرجي تحمل الرقم 86 اتحادية2013، وهذا يعني بأن احدى الدعوتين لا قيمة قانونية  وهي دعوة النائب بهاء الاعرجي لان النقابة قد سبقته الى اقامة الدعوى رغم ان القرارين  مؤرخان في 23-10-2013. ومن المؤاخذات الكبيرة على القرار الخاص بدعوى نقابة المحامين هو ان المحكمة الاتحادية لم تلتزم بلائحة المدعي وحكمت بما لم يطالب به حيث انها خلطت بين هذه الدعوى ودعوى النائب بهاء الاعرجي، وهذا الخلط يتمثل بأن المدعي قد طالب بعريضته الحكم بعدم دستورية المادة 3 فقط من القانون المذكور بينما المحكمة قد الغت المادة 3 و4 وهذا ما يخالف المبادئ العامة لقانون المرافعات المدنية، ونص هذا القرار نجده في الدعوى الاخرى حيث لم تكلف المحكمة نفسها عناء الصياغة المختلفة. ثم ان حصر المدعي دعواه بالمادة 3 المتعلقة بحقوق وامتيازات  رئيس مجلس النواب ونائبيه فقط يعني انه لا يطلب الغاء تلك الامتيازات عن اعضاء المجلس ويرى ان تلك الرواتب دستورية وان غير الدستوري هي رواتب رئيس المجلس ونائبيه فقط. السؤال هنا: على اي اساس الغت المحكمة الاتحادية رواتب اعضاء المجلس، عندما حكمت من ذاتها عدم دستورية المادة 4 من ذات القانون. المسألة الاخرى ان المدعي عندما دفع بعدم استحقاق المدعى عليه اضافة لوظيفته للرواتب والامتيازات قد ذكر بأن قانون التقاعد الموحد رقم27لسنة2006 اشترط لغرض استحقاق الراتب التقاعدي مضيء اكثر من 15 سنة بينما المدعى عليه لا تمض على خدمة مدة اكثر من 4 سنين  ويستحقها فهو دفع مردود ويفتقر الى الالمام بالقوانين، اذ ان المدعى عليه لا تسري عليه احكام هذا القانون وانما هو يخضع لقانون خاص به هو القانون128لسنة2011. المسألة الاخرى التي استند عليها المدعي في دفوعه هي ان القانون لم يشرع وفق السياق الذي حدده الدستور وهو ان القانون يجب ان يأتي من مجلسي الوزراء والرئاسة، ومجلس النواب له الحق باقتراح القوانين فقط ومن ثم ارسالها الى الحكومة، لكن هذا القانون لم يتبع هذا السياق وانما تم اقراره من قبل مجلس النواب فقط. صحيح ان هذا الدفع موضوعي لكن لو جئنا الى واقع العملية السياسية، لوجدنا بأن الكتل  السياسية كلها ممثلة بالحكومة ولا اختلاف بطبيعة القوانين التي ستشرع وفق السياق الدستوري، فلوا افترضنا جدلا بأن القانون رقم50 قد تم ارساله الى الحكومة فهل ستمتنع عن اقراره؟ كان من المفترض برأيي ان تستند دعوى المدعي على الجوانب الموضوعية المخالفة للدستور لا على الشكليات. بالنسبة للدفع المقدم من قبل المدعى عليه، فهو لم يذكر كما في دفعه في الدعوى التي اقامها النائب بهاء الاعرجي ان المحكمة الاتحادية غير مختصة بالنظر في هذه الدعوى وكأنها الان اصبحت مختصة. الحكومة من جانبها كانت تطبق القانون موضوع الدعوى بالرغم من انها تعرف ان هذا  القانون مخالف للدستور حين تجاوزها البرلمان بتشريعه دون الرجوع اليها وفق ما يتطلبه الدستور. فكان عليها ان تبادر الطعن بعدم دستوريته منذ نشره في الجريدة الرسمية كون البرلمان قد تجاوز على اختصاصها، لكنها استمرت لليوم، بتطبيقه، بدعوى انها جهة تنفيذية ملزمة بتطبيق القوانين النافذة. وعندما حكمت المحكمة بعدم دستورية المادتين المتعلقتين بالرواتب التقاعدية لأعضاء مجلس النواب لانهم ليسوا موظفين حتى يمنحوا تلك الرواتب، حيث ان الموظفين وحدهم يستحقون الرواتب التقاعدية. ولكن: كيف للمحكمة ان تبقي على الرواتب الشهرية؟ فهم ليسوا موظفين  فكيف سيستلمون الرواتب؟ ولم لم يطالب المدعي بذلك؟ ولماذا لم يطالب بإلغاء كافة الحقوق والامتيازات التي تمنحها مواد اخرى في ذات القانون؟ هل هو الجهل بتلك المواد؟ ام الامر مقصود؟ ثمة مأزق قانوني اخر قد توجه المحكمة وهي انها الغت الرواتب التقاعدية الممنوحة بموجب المادتين 3و4 وهذا يعني انهم لم يعودوا مستحقين لتلك الرواتب. طيب المادة 6 من قانون الجمعية الوطنية تعطي النائب راتبا تقاعديا مقداره80% من المكافأة الشهرية التي كان يتقاضها اثناء خدمته. وهذه المادة لازالت نافذة. في هذه الحالة سيعطي النائب راتبا تقاعديا رغم صدور القرارين لكن  بموجب هذه المادة لا المواد المطعون بدستوريتها، وهنا لا فرق بين قبل وبعد اقامة الدعوى. حيث ان عدم تضمين المدعي في لائحته المادة الاولى من القانون 50 جعل من دعوته تفقد قيمتها العملية والقانونية. اتصور ان القصد مما ورد في القرار : وهذا ما حصر به دعواه دون الحقوق والامتيازات الاخرى. يعني تلك الحقوق التي تقررها المادة الاولى من القانون وهي ذاتها الحقوق المطالب الغاءها. ولكن رغم اخفاق الدعوتين في الغاء كافة امتيازات ومخصصات النواب الا انهما اثبتا عدم شرعية تلك الامتيازات وتجاوزها على الدستور وعلى القوى الاخرى و ذاتها اذا كانت جادة في  طلبها ان تثبت ان غرضها ليس سياسيا ان تبادر الى اقامة دعوى اخرى تطالب فيها بعدم دستورية المادة1 من القانون حتى لا يبقى منفذا قانونيا يمكن للنواب منه على الامتيازات والمخصصات.

أحدث المقالات