9 أبريل، 2024 4:09 م
Search
Close this search box.

من فضائل الخدمة العسكرية”اللي يشوف الموت، يرضى بالسخونة”

Facebook
Twitter
LinkedIn

بعد اكمالي للدراسة الجامعية، تم سوقي لأداء الخدمة العسكرية في مركز تدريب السليمانية الأساسي الواقع شمال غرب العراق بين مدينتي سنجار والبعاج المحاذية للحدود العراقية السورية. المنطقة كانت نائية وبعيدة عن سكني في مدينة كركوك ولم أكن أعرفها من قبل. توجهت إلى الموصل وبالسؤال من هنا وهناك تمكنت من الوصل إلى المكان بعد أن استقليت 7 سيارات أجرة. الطريق استغرق 7 ساعات حتى أنزلني سائق التكسي الأخير مشيراً بيده إلى المعسكر قائلاً: أبو خليل هذاك المعسكر مالك..
ترجلت مسافة وأنا أحمل بيدي حقيبة فيها ملابسي وشيئاً من الطعام الذي وضعته أمي في جعبتي لمواجهة الطوارئ وكما قالت: كل شي يصير..
أول ما دخلت من باب النظام حتى وجدت جنوداً قد التحقوا قبلي وآخرين كانوا هناك منذ أكثر من شهر. المعسكر كان في أرض خاوية غير ذي زرع. جبال من الطرف الشمالي وأرض منبسطة جرداء في الأطراف الأخرى. الفصل كان بداية الشتاء والبرد هناك أشد وطأة من مدينة كركوك. أول ما احتجت إليه وسارعت السؤال عنه هو المرافق الصحية. كان أمراً مهماً لي أن أجد مرفقاً صحياً بعد سبعة ساعات من الطريق من كركوك إلى البعاج. مؤيد الجندي الذي التقيت به وهو تركماني من كركوك أجابني على تساؤلي قائلاً: الجول أمامك..
يعني أن قضاء الحاجة يكون بالتبحر في أفق المساحات الشاسعة التي يتوسطها مركز التدريب هذا. في البدء فإن التوجه إلى الفناء والسير لمسافة والاختفاء عن الأنظار بعد العثور على قليل من الماء وإيجاد ما أحمل به هذا الماء كان أمراً صعباً. ما أن تواريت عن الأنظار حتى اتخذت موضعاً مناسباً لقضاء الحاجة. الأمر الذي كان الجميع يضطر إليه حتى في ساعات الليل المتأخرة.
كثيراً ما كنت أزيح الغطاء عن جسدي وأترك فراشي الدافئ في ساعات الليل لأخرج إلى ذاك الفناء متحدياً الكلاب السائبة والحيوانات المفترسة التي تبحث عن أي شيء متحرك لتجهز عليه وتفترسه في هذا البرد القارص لتشبع بطونها. المعسكرات التي انتقلت إليها بعد ذلك كانت على نفس الوتيرة وأخر ما تهتم به هذه الوحدات كانت المرافق الصحية والتي كان غيابها أفضل من وجودها القذر.
اليوم ونحن نطوي صفحة الماضي ونعيش حياة الحضر في بيوتنا وبسبب معاناتي الشديدة من مرض السكري الذي أهتك أعضائي وأتعب جسدي، استيقظ في الليل مرات ومرات لقضاء الحاجة. أترك فراشي وأقطع نومي العميق وأفقد راحتي بسبب هذا المرض اللعين. إلاّ أنني في كل استيقاظ أستذكر ذاك الفناء الذي كنت أخرج إليه في الليالي الظلماء متوجها إلى الصحراء لقضاء الحاجة رغم البرد ورغم كل شيء. اليوم رغم المرض ورغم تشتت منامي إلاّ أنني أحمد الله كثيراً على سهولة الوصول إلى المرافق الصحية بعيداً عن البرد ودون الخروج إلى ذاك الفناء المرعب. أحمد الله على أنني لست هناك في المعسكر لأخرج كل هذا لقضاء الحاجة. مقولة عراقية تقال بالعامية “اللي يشوف الموت، يرضى بالسخونة”. والشكر لله على نعمه.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب