يتذكر العراق، هذه الايام، اكثر صفحاته سوداوية.. ذكرى انقلاب الثامن من شباط وما تبعه من مجازر راح ضحيتها الآلاف من العراقيين.
هذا الحادث، الابله، كلف البلد الكثير، وساهم بوضوح في تشكيل الصفحات الدموية التالية في سفر العراق.
ما يلفت الانتباه، ان جميع من كتب عن هذه المناسبة قد تناولها مستقطعة عن السياق التاريخي ومعزولة عن غيرها من أحداث ما نتج عن ذلك كثير من علامات الاستفهام !
فمثلا، يحاول، اغلبنا، استغلال ذكرى شباط لتمجيد ذكرى تموز، فشباط حادث اجرامي، جاء ( فجأة) ليوقف عهدا ورديا. شباط فتحت ابواب جهنم على العراق (ونقطة راس سطر) !
بالتأكيد، ليس من الحكمة التوقف عند هذا المستوى.
نرى ان الاساس في اي بحث عن ما دار في رمضان ١٩٦٣ كان يجب ان يكون بدافع الاجابة عن اسئلة : لماذا حدث ما حدث في ذالك اليوم الشتائي ؟ ولماذا استسهل العراقيون، حينها، قتل بعضهم على الهوية ؟ وكيف استطاع العراقيون، ايامها، ممارسة افعال بشعة يندى لها جبين الانسانية ؟
الاجابة عن اسئلة مثل هذه، هو الجوهر !
ففهم كيف جرى ما جرى حينها سيعيننا، بلا شك، على فهم ما يجري اليوم !
لكن ما يحدث على ارض الواقع مختلف تماما ما يسمح لي بالقول ان موقفنا الاخلاقي يعاني انفصاما حادا !
ولبيان هذا الانفصام اطرح اسئلة مثل : هل عمليات الابادة التي زامنت الثامن من شباط كانت جديدة على العراقيين ؟ الم تكن هناك عمليات ابادة سبقتها ؟ الم يكن حادث ابادة العائلة المالكة عملا اجراميا ؟ الم نمارس عمليات السحل والتمثيل صبيحة الرابع عشر من تموز وما تلاها ؟
بالتأكيد، سيبرر الكثير، ممن يجرمون شباط، ما حدث في تموز…وسيفعل المعارضون لتموز نفس الاجراء…. وهذه هي نقطتي التي انطلق منها !
هل يمكن لنا ان نبرر الجريمة وندافع عنها ؟
هل هناك جريمة مقترفها برئ وبطل، وجريمة اخرى مقترفها خارج عن الاعراف ؟
باختصار اكبر … كيف نعلل تباين طريقتي تذكرنا لشباط الاسود وتذكرنا لتموز الابيض ؟
ما اريد قوله : هل فعلا كان عبد الكريم قاسم بريئا مما حدث في شباط الاسود ؟
ثم، كيف لمن جرم ما حدث ١٩٦٣ ان لا يجرم ما حدث ١٩٥٨ مثلا !
الغاية مما سبق القول : المقارنة بين الحدثين كان مثالا على افتقادنا لمعايير ثابتة على مستوى حكاياتنا التاريخية …. ويتكرر المشهد على مستوى سلوكنا اليومي .. هذا السلوك الذي اراه الاصل في كل القصة !
وهذا ما انتج، من وجهة نظري، الكوارث العراقية !
أخيرا : لا قاسم ولا من خلفه فتح ابواب النار … بل تلك اللحظة التي تسابقنا، خلالها، نحو التبرير !