في استقراءاتٍ اولية لقَسَمات وملامح المشهد السياسي – العسكري المتأزم في منطقة الخليج وما حولها من اتجاهاتٍ ثلاث على الأقل , هنالك صورةٌ او صورٌ تضليلية او مضللة ” بفتح اللام تارةً وبكسرها بأخرى ” يمارسها الإعلام الغربي والعربي وسواهما ايضاً , وكما اشرنا في اعلاه فبعض تلكنّ الصور تكون متعمّدة ” كجزء من الحرب النفسية ” وبعضها الآخر جرّاء ارتكاب أخطاءٍ لا يغفرها عِلم الإعلام .!
من الملاحظ الإكثار من الحديث والتحليل والتأويل أنّ الأزمة القائمة بين الولايات المتحدة وايران إنّما يغدو الدور الرئيسي والبارز فيها بما يتحكّم فيه الرئيس ترامب ” ومزاجه وتغريداته التويتريّة ” وكأنه دكتاتور مطلق الصلاحية في شنّ الحروب واختلاق الأزمات وتفعيلها , ولا ريب أنّ مثل هذه الطروحات مبسّطة للغاية وتدلّ على سذاجةٍ سياسية واعلامية , مع قُصرِ نظرٍ ضمن مديات النظر , فمهما كان للرئيس ترامب من خصوصية ذاتية تختلف عمّا سبقه من الرؤساء الأمريكان السابقين , فالأمر اكبر من ذلك بكثير , وما جرى منذ الأنسحاب من الأتفاق النووي مع ايران وثمّ المحاولة ” الطويلة النفس ” لتقليل تصدير النفط الأيراني الى الحدّ الأدنى وفرض عقوباتٍ اقتصاية على الدول اللائي تستورده , وثمّ ايضاً ما بلغه الوضع من سخونةٍ قادت الى ارسال حاملة طائراتٍ واحدة فقط ! مع مجموعة من البوارج والطرادات , فأنما يقف وراء ذلك خططٌ مسبقة ودراسات معمّقة تشترك فيها شركات نفطٍ عملاقة ومصانع اسلحة ومؤسسات اخرى , بالأضافة الى دور البنتاغون , وادوار معظم اجهزة الأستخبارات الأمريكية التي تبلغ 28 جهازاً , وهذه الأزمة القائمة ” كما في حربي 1991 و 2003 ” قد جرى حسابها استباقياً وفق حسابات كومبيوترات وزارة الدفاع الأمريكية وسواها من دوائرٍ ومراكز ابحاث اخرى , ولابدّ لهكذا ازمات أن يكون التخطيط لها للممارسة الفعلية عبر مراحلٍ وتسبقها التدريبات المكثفة واعادة النظر في بعض برامجها , كما أنّ الأهم في ذلك هو وضع خططٍ بديلةٍ لحالات الطوارئ والمفاجآت غير المتوقعة .
وحيث أنّ ” المشروع ” الأمريكي لم يأتِ ارتجالاً , ويبدو أنّ ستراتيجيته الأولية تقوم على الأنتظار لما ستفرزه تأثيرات انخفاض تصدير النفط الأيراني على السياسة الأيرانية وعلى الداخل الأيراني , وبالتزامن مع متغيراتٍ اقليميةٍ ودولية مفترضة يجري الإعداد لها على نارٍ هادئة , بينما نلاحظ ردود افعال محلية تتسم بالأنفعال والتصريحات النارية وممارسة افعالٍ مبسّطة ” كأطلاق قذيفة كاتيوشا على هدفٍ يخلو من بشرٍ او حجر ” او ما حدث عبر طائرات الدرونز المسيرة على انبوبِ نفطٍ في السعودية او لناقلات نفطٍ خالية من النفط أمام السواحل الأماراتية وإحداث ثقوبٍ فيها ! ” , وكأنّ هذه الممارسات ستحبط المخطط الأمريكي وتجعله يرفع راية الإستسلام خفّاقةً ! , لكنه ” ووفق الحسابات الأمريكية او حتى دولياً , فأنّ السكوت او اتخاذ جانب الصمت على مثل هذه الممارسات فقد يؤدي الى التشجيع للقيام بغيرها ” , ومن خلال ذلك , ومن خلال أنّ الأزمة لايمكن أن تبقى معلّقة لفترة طويلة وتعليق الرأي العام على مشاهدة سكونها , وبالعودة الى استقراءات قسمات وملامح الوضع الراهن , فَلَم يعد مستبعداً أن تغدو اطرافاً محليةً واخرى اقليمية هي الهدف او الأهداف المختارة لإشعال نيرانٍ ما فيها او ما حولها , ولربما للشروع في بدء مرحلةٍ ثانيةٍ او اخرى وفق ما مخطط لتنفيذه .! كخطوة على الطريق البعيد او الطويل .!