كالمستجير من الرمضاء بالنارِ ! هكذا هو حالنا بعد ان خدعتنا الآمال والأمنيات حين تصورنا بسذاجة على اننا قد تخلصنا من نظام دكتاتوري وقد حصلنا على نظام حر يحقق لنا كرامتنا .
لم يكن الشعب العراقي عميلاً لأجنبي عبر تأريخه . وهو اِن رَكَن الى الجلوس في البيوت حين اجتاح الاحتلال ارضه منطلقا من الأرض العربية كان قد وصل الى حالة من اليأس تشبه الى حد بعيد الحالة التي نمر بها هذه الأيام . النظام السابق أهمل الشعب وجَوَعَهُ كال يحصل الأن وتسبب في أهانة الجيش كما يحصل الأن والقادم من الأيام مجهول بكل المقاييس بل ومخيف نتيجة لما خلفته ولايتين كارثتين بدأت بمى يسمى بصولة الفرسان لتتحول الى صولة حيتان وتنتهي الى هزيمة مفجعة امام حفنة من اشخاص لاتختلف افعالهم عن فعل البهائم والثيران – وتلك حقيقة مُرًة يصعب تجاوزها .. عندما شرعت امريكا بأحتلال العراق عام 2003 وانهيار النظام السابق بشكل سريع عاش الشعب العراقي ولمدة عام تقريبا حالة من الذهول بعد ان تصور ان خطط الأطاحة بالنظام كانت منظمة ولن تدوم طويلا حتى تأتي حكومة وطنية لتسيير امور البلاد وتعيد له هيبته لكن ظنون الشعب وآماله تبخرت مع انطلاق مسيرة القرارات النتنة التي اتخذها الحاكم المدني بول بريمر وهو يقصي مئات الآلاف من المواطنين العراقيين من وضائفهم بحجة ولائهم لصدام حسين وهو تصرف غبي بكل المعاني ولو كانت تلك الآلاف موالية لصدام لكانت قد قاومت عملية اسقاط النظام وهذا لم يحصل . ولكن يبدو ان العملية منذ البداية كانت لنهب العراق وتقسيمه !
ونتيجة لتلك السياسات الخاطئة من بريمر تكونت قوى معارضة لعملية التغيير بعد اشهر من انطلاقها .
عملية تأييد قرارات بول بريمر من قبل السياسيين الذين شكلوا مجلس الحكم والجمعية الوطنية شكلت ضربة موجعة للتغيير وأسست للطائفية بشكل مخيف وكانت نتائجه انتشار عمليات القتل والتفخيخ وانتشار المليشيات في بلد حل جيشه واجهزته الأمنية بالكامل بشكل فوضوي غير مدروس . وعلى هذا الغليان الذي انطلق بشكل مخيف كانت الجثث مجهولة الهوية سمة من سمات اليوم البغدادي الحزين وتبعه عمليات منظمة لتدخل مخابرات دول الجوار لتحويل العراق الى ساحة مواجهة ولتصفية الحسابات الأقليمية . بينما انشغلت الأحزاب التي كانت تدعي معارضتها للنظام الدكتاتوري انشغلت بما ستحصل عليه من مكاسب ومغانم وكيفية تقسيم ثروات الشعب بينها وتلك شرارة اضافية للشروع بتدمير وتخريب العراق .
وبدلا من ان تباشر تلك الأحزاب في لملمت جراح العراقيين وجمعهم راحت تؤسس لقوانين تبيح التفرقة والحقد الطائفي والعرقية وتنشر مبدأ عدم الثقة بين مكونات الشعب بشكل مخيف وكان من نتائج تلك السياسات الغير متزنة الشروع بكتابة دستور يعد الأسرع في العالم بطريقة فوضوية تبيح سرقة ثروات البلد وتقسيمه ثم عمدت الى استغفال الناس واستغلال طيبتها لتمريره بطريقة مريبة ليولد ميتا وغير قابل للتغيير وهو امر مخجل الى حد بعيد .
وبنفس النفس الفوضوي الكارثي في ادارة البلد عمدت تلك الأحزاب على الأبقاء على قوانين النظام السابق دون تغيير لأستخدامها كسوط ضد من يعارضها من ابناء الشعب وبقيت جملة ( مجلس قيادة الثورة ) على حالها واضيف لها كلمة ( المنحل ) فلم تتغير القوانين المقيدة للحريات الا ماندر وبقي قانون العقوبات الدكتاتوري على حاله ليحمي احزاب زمن الديمقراطية العرجاء .
ونتيجة لتلك السياسات المقززة ازداد الأحتقان الطائفي وازدادت معه عمليات حصاد ارواح الأبرياء وحصول كوارث انسانية يندى لها الجبين كعملية جسر الأئمة الارهابية وعمليات النجف والركَة والفلوجة وماتبعها من عمليات طائفية مخيفة حتى وصلنا الى العام 2008 حيث انطلاق عملية عسكرية اطلق عليها ( صولة الفرسان ) وقد حصلت على تأييد شعبي واسع لكونها كانت تهدف الى القضاء على المليشيات الاجرامية التي كانت تقتل وتنهب في وضح النهار ومن خلال تأييد الناس لتلك العملية حصل تطور ولو جزئي للتقليل من العمليات الأجرامية . ولكن مع الأسف كانت نتائج تلك العمليات من جوانب اخرى سلبية الى حد كبير اذ شهدت اقصائات واعتقالات عشوائية ومانجح من تلك العملية تم تجييره الى حزب بعينه تبين فيما بعد انه يؤسس لدكتاتورية جديدة اقسى من الدكتاتورية السابقة فجاء بالقتلة والمجرمين من عتاة البعث واعطائه مسؤليات في قمة هرم وزارات الدفاع والداخلية ليستخدمهم في تنفيذ مآربه او انه سيستخدم ملفاتهم ان رفضوا الانصياع لأوامره وبدأت مرحلة كارثية جديدة في مسيرة العراق .
أسس النظام الدكتاتوري الجديد لدوائر في مكتب رئيس الوزراء ومكتب القائد العام تهدف لسحب كل صلاحياة الوزراء بحجة انها مبادرات . فالزراعة اسس لها مايسمى بالمبادرة الزراعية والتعليم العالي اسس دائرة لدعم البعثات والداخلية والدفاع مرتبطة به بشكل مباشر كما هو الحال بالنسبة لبقية الوزارات لتبدأ عمليات استنزاف الأموال من خلال موازنات بأرقام كبيرة لم ينتج منها شيء على الأرض لتتحول صولة الفرسان الى صولة للحيتان لينهبوا كل ثروات الشعب !
ومع انطلاق الولاية الثانية لهذا الحزب انطلقت مرحلة جديدة من الصراعات والمشاكل اذ انشغل رئيس الوزراء ومن معة بتكريس الطابع الدكتاتوري ومتعمدا اهمال الطابع الانساني للبلد ! فلاخدمات تذكر والتعمد في استغلال قوانين الأرهاب والمخبر السري لأسقاط الخصوم وتكريس النفس الطائفي والعرقي ليستمر نزيف الدم العراقي بشكل يومي دون توقف ليخطف خيرة شباب العراق واطفاله وشيوخه ونسائه وبالمقابل تعمد سياسة ابعاد العراق عن اقليمه من خلال اثارة مشاكل والقاء تهم دون الاعتراف بضعف الادارة واعتمادها على السراق والقتلة الحاقدين على الشعب والمنشغلين في السلب والنهب من خلال عقود وهمية .
ومن نتائج الولاية الكارثية الثانية هو السيطرة على هيئات كان المفروض ان تكون مستقلة كالقضاء والنزاهة والبنك المركزي والاتصالات وهيئات اخرى تمت فبركة ملفات لرؤسائها واقصائهم بشكل معيب فكان ان تم استهداف سنان الشبيبي وهو الشخصية الوطنية الاقتصادية من اجل سرقة اموال البنك وهذا ماحصل مثل ماحصل في السلطة القضائية التي استخدمها الحاكم لأقصاء وابعاد خصومه من الساحة السياسية وكذا ابعاد رئيس هيئة النزاهة لخلاف معه وأمور اخرى يندى لها الجبين ليس آخرها فضائح الأسلحة التي تكشفت بشكل واضح بعد هزيمة الجيش الكارتوني الذي اسسه الحزب الحاكم امام مجاميع من فاقدي العقول والأصول كالبهائم والثيران لتسقط مدن بدون قتال كالموصل والرمادي وتكريت واحياء من كركوك وديالى ! كل هذه الكوارث كانت نتيجة واقعية لتعمد سياسات تهمش الشعب وتقف بالضد منه ونتيجة واقعية لسياسات القمع والظلم التي تنفذ بشكل مفرط ضد الشعب .
اليوم العراق يعيش على وقع كارثتين اسس لهما ونفذهما حزب خذل الناس وخدعهم بشكل مفضوح . ومايحل بالعراق الآن لايمكن ان تتم معالجته بالشكل الذي نسمعه ونراه وخاصة بعد انهيار اسعار النفط بشكل كبير ليصبح العراق خاوي من الايرادات بعد ان تعمدت سياسات ثمان سنوات ماضية الى تدمير الصناعة والزراعة والموارد البشرية –
كان الله في عوننا ونحن نمر في اخطر مرحلة عبر تأريخ العراق ينتشر فيها الفقر والجوع والفاقة والتشريد والنزوح والقتل وكل شيء غير انساني –
هكذا مرت علينا مرحلتي كارئتين هما صولة الحيتان والهزيمة امام البهائم والثيران !!!!!ولا أظن اننا سنفيق من وقع تلك الكوارث مادامت الأدارة ذاتها وسياسة الأِبعاد والأنتقام باقية !!–