6 أبريل، 2024 8:22 م
Search
Close this search box.

من شقوق الظلام – 10

Facebook
Twitter
LinkedIn
فصول من أيام الانتظار
الآن بدأت مرحلة انتظار النهاية ولا ندري متى تأتي الساعة بغتة، شعور بخوف هائل من النهاية المتوقعة تملكني. واستيقظت يوما على رؤيا في المنام اشكو فيها لأحدى شقيقاتي بحزن انه قد حكم عليَّ بالسجن عشرين عاما. لكن الامور كانت توحي بأكثر من ذلك. كل المؤشرات كانت تتجه نحو نهاية واحدة وهي الموت بالاعدام شنقا وعزز ذلك الشعور حادث صغير حصل يوم اخذونا ليعطونا قطعة ملابس شتوية (بلوز) بعد ان تهرأت ملابسنا تقريبا وهي ملابس لم تكن فادرة على مقاومة برد الشتاء لأنها صيفية بالأصل وكنا نرتديها عندما اعتقلنا في وقت كان شديد القيظ. اثناء تسلمنا لتلك البلوزات قال ضابط اسمر ذو وجه كريه قبيح وسيء الخلق جدا (ح.ب.):
– اعطهم بلوزات سوداء حتى يعرفون إلى أين ذاهبون.
الأمر صار واضحا وما علينا الا ان نتسلى بما تبقى لنا من ايام. هنا علي ان اعترف بان شعور اليأس من كل شيء تملكني وأصبحت في اسوأ حالاتي النفسية. كنت ألوم نفسي بشدة، واحس بالعار لماذا لم تقاوم وترفض الاعتراف حتى مع حصول الخيانة. ماذا كان سيحصل لو قاومت هل كنت سأموت تحت التعذيب كما مات أحد الطلبة من الذين كانوا معنا في المعتقل؟ وماذا يعني ذلك، الآن سوف اموت ايضا ولكن اموت محبطا وكنت سأموت في خلو من هذا الشعور وربما بطلا؟ وعلى عكس طبعي المتفائل المحب للحياة والأشياء الجميلة من أدب وموسيقى ورياضة، صرت شخصا محبطا، يائسا من الحياة التي صارت بنظري عبثا لا طائل منه. ومع كل هذا الضعف ومقتي لذاتي حينئذ فقد نظرت يوما الى السماء بقلبي، اذ لم يكن هناك من سبيل حقيقي لرؤيتها، واطلقت امنية صادقة في ظلمة احد الليالي: لا اريد ان اترك الحياة الآن وسوف اقبل بكل شيء وسوف اغير كل شيء في ذاتي المهزومة المأزومة إذا نجوت من المقصلة. لا ادري لماذا حدثت نفسي هكذا، ولماذا حتى كان هذا القرار ؟ بكل صدق اقول لا ادري لماذا فعلت ذلك فقد كان طلبا وقرارا صادقا، لكن كنت اشعر انه بلا وعي ويأتي من منطقة في عقلي لم اتعامل معها من قبل. يبدو أن القدر رأى أنه من غير المناسب لي الرحيل الآن، فما زال يعوزني الكثير من الأشياء ولربما وجدني ضعيفا زيادة عن الحد فقرر انزالي من مرتبة الشهداء، لأني لا اصلح الا لأكون شاهدا على الجريمة فقط ربما احسن الا قص الحكايا وحسب لا غير.
اذن الان صار علي أن انتظر والآخرين موعد المحاكمة التي تقرر مصيرنا في زنزانة لم تكن تزيد عن اثني عشر مترا مربعا وكان عددنا في أقل الأحوال ثلاثة عشر شخصا ونزيد عن ذلك أحيانا، يأتي البعض ويروح ولكن نحن كنا سكانا دائمين استوطنوا الزنزانة و ألفناها جيدا وحفظنا كل أركانها وزواياها. باب حديدي ثلثه العلوي على شكل قضبان حديدية تغطيه ستارة دائمة من الخارج لا يرفعها الا رجل أمن حين يريد الحديث معنا. كان في الغرفة شباكان احدهما شباك طويل وضيق جدا لعل عرضه نصف قدم تقريبا وآخر على شكل مربع صغير جدا لا يتجاوز ثلاث ارباع القدم المربع ولكنهما كانا جيدين لمرور الهواء والشمس بمقدار قليل لكنه كاف بالنسبة لمعتقل مثل نحن الذي فيه. الأرض اسمنتية خشنة والجدران صفراء ولكنها لم تكن تسر الناظرين. والحقيقة اني لم افهم ابدا كيف ان الاصفر لون يسر الناظرين سواء فاقعا كان أو باهتا، حتى قبل ان ارى هذه الجدران وبعد ان رأيتها ازدادت ثقتي بذائقتي في الألوان. أما أثاث الغرفة فكان بطانيتين خضراوان رقيقتان واسعتان مفروشة على الأرض وثلاثة مثلها للغطاء يدخل تحتها اربع الى خمسة حسب العدد الموجود. أما الوسائد كانت اما من نعل او حذاء لم يصادر او اشياء اخرى لها ارتفاع لا بأس به يصلح أن يكون متكئا للرؤوس. عند الباب يقف سطل فيه ماء بصورة دائمة، واستخدمنا قدح لبن فارغ ليكون الكأس الذي نستخدمه لغرف الماء منه. في حالات طارئة جدا استخدم السطل مبولة. لذا فالأمور كانت تعتبر جيدة وربما مثالية قياسا ليس لكم ولكن لغيرنا ممن كان يعيش في زنزانات في معتقلات اخرى سوف احدثكم عنها لاحقا. كنا نحظى بفرص للخروج من الزنزانة، لقضاء حاجتنا بعد كل وجبة طعام ولكن هذا كان سببا للإزعاج المستمر لان مع كل وجبة فمن المحتمل ان تنال حصتك من هراوة ( في الحقيقة هو كيبل كهربائي صلب وليس هراوة).
بدأنا فصلا جديدا نشكل فيه عالما آخرا جديدا خاصا بنا، نصنعه بطريقة بدائية ولكنها تحكي قصة انسان يحاول ان يباعد جدرانا ضيقة وان استمرت بالوقوف في محلها.

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب