بعد إعلان تطبيق الإتفاق النووي بين إيران والغرب- كما يراها بعض المراقبون – بدأت مرحلة سياسية جديدة في المنطقة العربية بشكل خاص والساحة الدولة بشكل عام, حيث يرى المراقبون إن تطبيق هذا الإتفاق أزاح عن كاهل المجتمع الدولي عموماً والعربي خصوصاً خطر التهديد الإيراني النووي الذي طالما لوحت به, كما يعده بعضهم خطوة أولى نحو حلحلة الأزمات الموجودة في المنطقة الساخنة – العراق وسوريا – حيث يتوقع اغلب المراقبون إن الأزمة السورية سوف تبدأ بالضمور من جهة وإن العراق سوف يتحرر تدريجيا من السيطرة الإيرانية, بينما يرى آخرون انه خطوة أولى لتقسيم المنطقة بين إيران وأمريكا وروسيا وإسرائيل.
وبين هذه التوقعات وتلك يرى العديد إن إيران قد انتصرت أخيراً على غريمها التقليدي ” أمريكا ” وسوف تعود إيران أقوى مما كانت عليه, فهي رغم الحظر الدولي عليها وهي قد قاومت وصمدت وفرضت نفسها على المجتمع الدولي, فكيف بها إذا تحررت من هذا الحظر ؟ وهذا يجعلنا نتساءل هل إنتصرت إيران بالفعل ؟.
وللإجابة على هذا التساؤل علينا معرفة ما الذي كسبته إيران من هذا الإتفاق وما الذي خسره غريمها ” أمريكا ” والغرب عموما بسببه وبالعكس, ما كسبته إيران هو رفع التجميد عن أرصدتها وشركاتها في العالم, تصدير النفط للسوق العالمية, فتح اقتصاد إيران على الشركات الإستثمارية الغربية الطامحة في الثروات الإيرانية, لكنها خسرت في المقابل أهم ورقة كانت تستخدمها كوسيلة ضغط على المجتمع الأوربي والعربي, وكذلك أثبتت للعالم إنها لم تعد تقوى على تلك المقاومة والممانعة وإنها وصلت لمرحلة الإنهيار وهي طيلة الفترة المنصرمة لم تحقق شيء سوى تجويع شعبها, وهذا ما أجبرها على التخلي عن سلاحها النووي.
وفي المقابل لم يخسر الغرب أي شيء مطلقاً, فهو سوف يستثمر في داخل إيران وسيستغل ثرواتها خصوصاً الثروة النفطية مع إستمرار انخفاض مستوى أسعار النفط العالمية التي وصلت إلى 75 % ويرجح أن تستمر بالإنخفاض خصوصاً بعد فتح المجال أمام النفط الإيراني الذي زاد من نسبة العرض, كذلك سيكون دخول الأجهزة الإستخباراتية والتجسس سهلاً ومموهاً تحت إسم الشركات المستثمرة والبعثات الإقتصادية والتي ستكون بمثابة ” حصان طروادة, دخول فرق التفتيش الدولية إلى إيران ومراقبة المنشآت النووية الإيرانية يعد من أكبر الإنجازات الغربية حيث استطاعوا من خلالها أن يخترقوا حدود إيران والدخول إلى أعماقها ومراقبة كل نشاطاتها ودراستها من الداخل بشكل جيد بعد أن كانت المراقبة تقتصر على الأجواء والأقمار الصناعية.
كما استطاع الغرب من خلال هذا الإتفاق أن يضع القيود بيد إيران, فهو سيستخدمه كوسيلة ضغط عليها من أجل تحقيق العديد من المصالح وإلا ستكون إيران غير ملتزمة وهذا ما سيعرضها لعقوبات أشد وطئاً وأضرار, بالإضافة إلى أن الغرب سيستغل مسألة انفتاح إيران على العالم ليُدخل لها ما يريده من أفكار وأجندات وثقافات مستغلاً حالة الكبت ” الثقافي والفكري والسياسي والديني ” الموجودة في إيران وهذا ما سيؤثر بشكل أو بآخر على الوضع الداخلي الإيراني ومن المرجح والمتوقع أن يؤجج ثورات وانتفاضات على مستوى أعلى من التي تحصل الآن, كما إن الجهات المعارضة والمناهضة للسياسية الإيرانية ستستغل ذلك الإنفتاح بما يخدمها ويخدم ثوراتها وانتفاضاتها وبدعم غربي مبطن.
وهذا كله يجعل الاتفاق النووي الذي وقعته إيران وتم تطبيقه الآن هو عبارة عن فخ غربي محكم, ومن خلال تلك النتائج يتبين لنا جلياً إن إيران هي الخاسر الأكبر من هذا الاتفاق ولم تكسب منه شيء فقط مكسب إعلامي, خصوصاً وإنها فقدت وكما بينا ورقتها الرابحة الوحيدة وهي ورقة السلاح النووي, وهنا أود أن استذكر كلام المرجع الديني العراقي العربي السيد الصرخي الحسني في اللقاء الصحفي الذي أجرته معه وكالة أخبار كل العرب يوم الثلاثاء 13 / 1/ 2015م حول الصراع الأمريكي الإيراني في العراق … حيث قال سماحته …
{ … 3- والمعروف والواضح عندكم أَنَّ خلافَ وصراعَ المصالحِ لا يمنعُ اَن يجتمعَ الخصمان فتجمعُهما المصالحُ والمنافعُ فيحصلُ الاتفاقُ بينهما على ذلك ، وكذلك إن ظَهَرَ خطرٌ يهدِّدُهما معاً فيمكن اَن يتَّفِقا ويجتمِعا على محاربته معاً.
4- أما لماذا تسمح أميركا لإيران بقيادة المعركة في العراق فببساطة لاَنَّ أميركا هنا تفكر بذكاء نسبيّ أمّا إيران فتفكيرُها يسودُه الغباءُ عادةً فوقعت في فخ أميركا التي أوقعتها في حرب استنزاف شاملة لا يعلم إلا الله تعالى متى وكيف تخرج منها ، ومن هنا فان أي تنسيق بين أميركا وإيران فهو تنسيق مرحلي مصلحي لابد أن يتقاطع في أخر المطاف…}.
وبالفعل استطاعت أمريكا بشكل خاص أن تجبر إيران على الرضوخ والقبول بهذا الإتفاق بسبب استدراجها وزجها بحروب استنزاف في العراق وسوريا واليمن, بل سمحت لها بأن تلعب دور الشرطي في المنطقة العربية على وجه التحديد لكي تفقد كل قوتها الإقتصادية وتلقي بكل ما لديها من أجل أن تتجرد في نهاية المطاف من ترسانتها النووية وتضع يدها بيد الشيطان الأكبر كما تسميه, وهذا هو الخسران المبين.