يبدو إن ثقافة الانتخابات في العراق لاتزال أسيرة حقبة العقود والسنوات السابقة , بدليل إن هناك العديد أكثر مايهمهم هو معرفة القادم لرئاسة مجلس الوزراء , رغم إن النظام الانتخابي الذي نص عليه الدستور هو نظام نيابي وليس رئاسيا , فالانتخابات التي تقام خلال هذه الأيام تتعلق بانتخاب الأعضاء في مجلس النواب الذين هم من يقرروا من يكون رئيس الجمهورية من ضمن المرشحين , إذ يحق لك عراقي الترشيح على هذا المنصب بالتحديد, والأخير هو من يقرر تكليف الكتلة الفائزة لترشيح رئيسا لمجلس الوزراء وفي حالة التوافق عليه ستتم دعوته لتقديم برنامجه الانتخابي وبضوء ذلك يقدم حقيبته الوزارية .
وقد شهد العراق تسنم أياد علاوي وإبراهيم الجعفري ونوري المالكي لرئاسة الوزراء ولكل منهم مجموعة من المزايا والعيوب , ولحد الآن لايمكن تحديد اسما فعليا لرئاسة الوزراء لأننا في المرحلة الأولى فحسب , وجل مايبحث عنه العراقيون هو المنقذ لانتشال العراق من الوضع الذي يعيشه من حيث الأمن والاقتصاد والخدمات , فهذا المثلث صدأت أضلاعه وبات العراقيون يشكون من نقص واضح في مختلف المجالات , فقد وصلت الحياة في اغلب مدن واقضية ونواحي وقصبات البلد إلى وضع يفتقر لأبسط متطلبات العيش الكريم , رغم انه يطفو على بحيرات من النفط وينعم بالعديد من الثروات البشرية والطبيعية .
وعودة إلى الانتخابات فأنها محصورة باختيار أعضاء مجلس النواب الذي يتكون من 328 عضوا , وخلال دورتين انتخابيتين سابقتين لم تترك ذكريات جميلة عنه في حاضرة العراقيين والسبب واضح للعيان , ففي الدورة الثانية لم يفوز سوى 17 منهم في الأصوات الصحيحة أما الآخرون فقد جاءوا بأصوات كتلهم ولهذا تحول المجلس إلى هيمنة الكتل بدلا من هيمنة الأعضاء في الكثير من الأحيان , ويفترض بالناخب العراقي انه قد أدرك هذه اللعبة , لذا فمن الواجب التركيز على الأعضاء القادرين على التغيير بما بجعل مجلس النواب في سياقه الصحيح من حيث استقلالية أعضائه في اتخاذ القرارات من دون الخضوع لإرادة الكتل والأحزاب , وهو مايجعل مجلس النواب أقوى من أية مؤسسة أخرى بما في ذلك رئاسة الوزراء.
وتغييب الأدوار التشريعية والرقابية لمجلس النواب هو الذي جعل التمييز بين مسميات ومدلولات العبارات لايتسم بالوضوح , إذ لايوجد رئيسا للوزراء وإنما رئيسا لمجلس الوزراء وان السبب في الخلط في المفهومين يعود لتأخر تشريع النظام الداخلي لمجلس الوزراء , وبذلك لم تحدد صلاحيات نواب الرئيس كما انه أبقى وكالات الوزارات واغلب أصحاب الدرجات الخاصة بالوكالة وليس بالأصالة , والبعض استسهل هذه الحالة باعتبار إن وزارات وأجهزة قد أديرت بالوكالة منذ أربع سنوات , ومنها الداخلية والدفاع على سبيل المثال وليس الحصر, وتحول رئيس مجلس الوزراء إلى الشماعة التي تعلق عليها جميع الحالات المتعلقة بالأداء الحكومي ومن ينحمل مسؤولية ذلك هو مجلس النواب .
ولو كانت عمليتنا الديمقراطية تسير بشكلها المطلوب , لكانت الكتل تختار من خارج الانتماءات فمن الممكن أن يكون رئيس مجلس الوزراء من السنة أو من الأكراد وعلى أساس الكفاءة بدلا من الإصرار على أن يكون من الكتلة الفائزة وصقورها , وعندما تكون حصة الأكراد رئاسة الجمهورية فمن الممكن أن يكون المرشح من كل المكونات العراقية وعلى أساس الكفاءة , ولو جرت الأمور على هذه الطريقة لما تم الامتناع عن استجواب أي مستوى من القيادات لان الكتلة التي أتت به ستكون أكثر حماسة على الاستجواب باعتباره قد اخل بالتزاماته اتجاهها وبذلك يصبح من الممكن التضحية بالمستجوب عندما تجتمع القناعة , ومن ثم اختيار الأكثر ملائمة لخدمة الشعب وتعزيز شعبية الكتلة بدلا من التضحية بأحد قادتها.
وبدلا عن التركيز على اسم رئيس مجلس الوزراء , فلابد من التعاون لإعادة الهيبة الدستورية لمجلس النواب باتجاه تعديل الفقرات الخلافية في الدستور وإصدار النظام الداخلي لمجلس الوزراء وتشريع القوانين المؤجلة ومنها (مثلا) الأحزاب والنفط والغاز وعدم السماح لمزدوجي الجنسية في الترشيح وإشغال المناصب المهمة وإجراء الإحصاء السكاني وربط الموازنة بحساباتها الختامية وإبراء ذمة المسئولين كافة وإلزام الحكومة بالبرنامج الانتخابي وتوجيهه لأهدافه متى ما حصلت انحرافات , ناهيك عن منع إشغال أي منصب في الوكالة إلا لمدة لاتزيد عن 90 يوما كحد أقصى , مع مراعاة وضع ضوابط صارمة على مشاريع القوانين المؤجلة ويشكل يفضي لاستصدارها وفق جدول معلن وتجريم تأخير إصدار الموازنة كل عام , والعودة الحقيقية لاستقلالية الهيئات المستقلة كونها تمثل صمامات الأمان وحامية الدستور .