23 ديسمبر، 2024 12:21 ص

من سيدفع الجزية كثمن للحياة ؟

من سيدفع الجزية كثمن للحياة ؟

وبدون مساومة على الحقيقة لا بد ان نسأل ونقول :-
هل تمرد القلم على قانون حركة الاحياء وفي مقدمتها الانسان ومجتمعه، وهل يقر بأنه عاجز عن فهم ماذا يعني التغير، وما الغاية من التجدد، ولماذا البقاء للأفضل؟ ولم يأت الجواب. ولهذا نعود ونسأل ايضاً.

فهل كان القلم قد اصبح مغفلاً وفقد الرؤية لمجرى التاريخ وفي ظنه انه غير ملام عن ذلك، ولا عن مسؤولية توثيقه ما مضى من قرون وقرون؟ وهل عرف من سيتولى بعد عقود وعقود زمام المبادرة ويبدأ يشيد صروحاً جديدة لعلاقات اجتماعية واقتصادية وسياسية بأطرٌ فكرية – عقائدية – ويكون اللاحق اما بعيداً او قليل الاهتمام بأقتناء بعض منها، ان لم يكن كلها وحسب حاجته اليها. كما حدث عبر مسيرته الطويلة وترك اثاراً لحضارات كانت قائمة على اسس ذات مفاهيم واقعية واسطورية ومن صلب بنيانه الذاتي لحاجته اليومية، وليس تخيلاً سرابياً عن كيف بدأ والى اين المسار، وماذا تكون قيمه المادية لحياته الآنية بما فيها لمستقبلة القريب والبعيد. ولا بد من ذلك في كل زمان و مكان.

أليس كل قلم عبر التاريخ سواءً كان قطعة خشبية او عظمة وبصم بها على الواح الطين لرموز ومقاطع ذات دلالات لطقوس ومراسيم لشعب ما ؟

او كان القلم قصبة من الهور وبصم بها على رقم من الطين أحرفاً للغة في وادي الرافدين ومنذ اكثر من خمسة آلاف عام، سطر فيها ملاحمه الادبية والاجتماعية والفلسفية ولا زالت بعض مخلفاتها موضع اهتمام لكبار المفكرين والمحللين من العلماء والفلاسفة لذوي العلاقة.

واذا كان الانسان قد ترك ما هو موثق على الكثير من الألواح الطينية بأن فيضاناً عارماً غمر وادي الرافدين وقبل ما يقارب (14) الف عام قبل التاريخ. أي قبل ظهورها ككتابة بأبجدية معلومة، ونسبت الى شخصية تاريخية بعدة اسماء وحسب مواقعها الجغرافية ومنها- أتانبشتم و اتراخاسيس. واخيراً الى (نوح ) وحسب العهود. بدءاً بالسومري ثم البابلي والاشوري ثم عبوراً الى الديانات السماوية الحالية.

فكانت قساوة الطبيعة أكثر رفقاً وانصافاً حينما غمرت سيول الطوفان العالم وتركت من الطمى والغرين طبقات وطبقات. ولكن لم تنال منها وبعد قرون وقرون لما خلفه الانسان الرافديني ولم تزل ما تركه من البصمات البسيطة عليها، والتي غالبيتها استقرت في بطون الوديان والمغاور والكهوف وتحت انقاض مساكنه البدائية، وكأنها متاحف طبيعية، منها مكتشفة وغيرها مجهولة المواقع الى هذا اليوم.

واذا كان الانسان الحالي قد ورث الكثر من البؤر الساخنة لما بعد الفيضان المذكور وتميز سلوكه وطباعه بالتحدي الدائم. بمعنى ذلك ان مكوناته الاجتماعية كانت غير متجانسة اثنياً وقومياً ودينياً. وضلت متصارعة مع بعضها بهذه النسبة وتلك وحسب ما تحركها عوامل الاختلاف ذات التأثير المباشر عليها ومنها المرجعيات الاجتماعية – قبلية – عشائرية – ذات الارث المقدس والذي لازال يمثل الطابع الطاغي لغالبية مكوناتها الاجتماعية الى جانب المرجعيات الدينية وهي لا تقل تأثير على مجرى حياة الفرد والمجتمع وبشكل صارم ومركزي، عن نفوذ المرجعيات السابقة.

واذا كان هذا الارث المقدس- القبلي و الديني- قد إنكفى او عزل جانباً في كثير من الشعوب الاوربية. فان عامل سرعة التطور والتغير في نمط الحياة والتجدد فيها لم يكن هبة من السماء او صدقة عملت دورها. بل جاء كانقلابات اجتماعية متواضعة عبر قرون و قرون ثم على شكل ثورات تبنت قياداتها دساتير جديدة اصبح الفرد والمجتمع في حل من مدى تمسكه بتلك التقاليد والقيم والعادات الاجتماعية وغيرها.

اما في العالم العربي فرغم وصول الكثير من المظاهر المدنية للمجتمع الغربي لها وقيام انظمة حكم في غالبية دوله ظاهرياً تتبنى الكثير من المفاهيم الحديثة في العلاقات الاجتماعية والفكرية الا انها ضلت باطنياً الموجه والمتابع والمسؤول المباشر عن الالتزام الكلي بتلك الروابط وتقديس الموروث ممثلاً فعلياً ولصالحها مباشرة ولغرض ديمومتها. وهي كالمرجعيات الاجتماعية (القبلية- العشائرية) والعقائدية على اختلاق مذاهبها وطوائفها وكانت ولازالت هذه الحكومات تغذي المؤسسات كمدارس منذ مرحلة الطفولة حتى آخر مراحل الحياة للفرد والمجتمع وكأنها مسميات مغلقة يصعب على النخب ذات الثقافة النوعية صدها سواءً كانت علمية او اجتماعية او مهنية الا انها ضمن جهاز الرقابة وبحكم النص المثبت في دساتيرها – دين الدولة – قانون العشائر وغيرها.

وان ما يحصل على ارض الواقع ومنذ عدة عقود من ظهور منظمات بتسميات دينية او مذهبية في العالم الاسلامي عامة والعربي المسلم خاصة، تتولى جهراً التحدي للمجتمع الانساني مياديناً وحسب نفوذها الكمي ومدى تواجد المرجعيات الدينية

والمذهبية والاجتماعية والقبلية بقربها وتواصل دعمها ميدانياً بسخاء ويمدها بالعنصر البشري ولاسيما من الشباب ذات الاعمار المتوسطة وشديدة الاحتكاك بمراكز التأثير الفكري والتربوي، وهنالك لا ننسى. حتى في غالبية الدول العربية وغير العربية المسلمة خاصة في الشرق الاوسط الاسيوي والافريقي تبقى في باطن مجتمعاتها الكثير من الخلايا الحية النائمة لصغر أعمارها ( كأطفال ) لحين تغذيتهم تدريجياً بالفكر الديني المتطرف والاجتماعي القبلي المتعصب، وجيش القدس والحرس القومي في النظام السابق خير دليل على ذلك او بصلاحيات استثنائية وتوضيفها من قبل الكثير من المنظمات الاوربية الغربية وفي مقدمتها الامريكية كأدوات فعالة ضد الكثير من التيارات الفكرية والاقتصادية المتقاطعة مصالحها معها.

وفعلاً كان هذا الاستثمار من قبل هذه الدول لمثل هذا التيار الديني القبلي وحتى المذهبي في الآونة الاخيرة ذات تأثير مباشر في انهيار المنظومة الاشتراكية بقيادة الاتحاد السوفياتي في عام 1991 والدور الرئيسي ولا زال في خلق ثورات ذات طابع فوضوي من دون هدف اجتماعي او فكري او اقتصادي وان كان الاعلام المستخدم من قبل محركيها لغرض تغيير نظام حكم او تجديد علاقات اجتماعية وادارية وغيرها و باطنيآ خلط الاوراق على من هم في سدة الحكم من الملوك والامراء والمشايخ او الانظمة الجمهورية الحديثة التكوين والقديمة منها وان غالبية حكامها هم ممن يعتبرون من السائر في فلك الدول الغربية بصورة عامة وحسب مصالحها كزعامات مترسبة تاريخيآ سواء كانت قبلية اجتماعية او مذهبية دينية ولازال الكثير منها تحكم شعوبها بأسماء تاريخية قبلية, كآل السعود- وآل هاشم- وال الصباح وال ثاني في دول عربية وخاصة خليجية. و تعلم ان هذه المنظمات المتطرفة التي لا زالت تغذيها مباشرة مادياً و معنوياً ومنها القاعدة -جند الحق- جبهة النصرة –واخيراً (داعش). وقد اصبح خطرها يهدد حتى الحكومات العربية نفسها التي تبنت تأسيسها وتمويلها مادياً والى هذا اليوم ثم وصلت الحالة من الحرب الاهلية في كل من سوريا ومنذ ثلاثة اعوام وامتد سعيرها الى العراق وبشكل اشرس, وما حصل في غالبية الدول العربية مما يسمى بالربيع العربي وتشمل تونس ومصر وليبيا واليمن والبحرين. وهذا ليس الا تحريك تلك الخلايا النائمة والنامية في ارضية مجتمعاتها وتوجيهها في الظرف المناسب سواء نجحت بهذه النسبة او تلك. او فشلت فان استمراريتها. يعتبر انتصاراً لمحركيها من حكام والدول ذات الشأن داخلياً ودول الغرب +امريكا خارجياً. والغرض من استمرار بقاء تلك القيادات بأطارها القبلي والديني والمذهبي و القومي, وخدمة النظام الرأسمالي العالمي الى امد غير معلوم .

اما الاقليات الدينية والقومية والاثنية المتواجدة في هذه الدول وفي مقدمتها العراق وسوريا خاصة. فأنها مستهدفة من كلا الجانبين الحكام في الداخل وحلفائهم الغربيين في الخارج واسبابها. أولاً لكون هذه الاقليات أصبح وجودها اقل نفعاً وغير مجدي للدول الكبرى والغربية خاصة وعبئاً ثقيلاً داخلياً على انظمة الحكم التي فيها ولاسباب خاصةً معلومة اصبحت ايضاً مهمشة من قبل مرجعياتها الدينية والاجتماعية لان الكثير منها وخاصة من تولى تنظيمها ضمن احزاب ومنظمات سياسية وثقافية واجتماعية كانوا بغفلة من التاريخ أن تصارعهم فيما بينهم على تسميات اثنية ومذهبية جعلهم في اضعف واقع امام نفوذ الاكثرية القومية والدينية. رغم ما لعب بعض الحّكام واصحاب النفوذ من دور بإستمالة افراد او نخب ذات تأثير كبير على بقاء وحدتها (كأقلية) سواء كانت قومية أو دينية. غير متماسكة وتراجع مرجعياتها الدينية في تولي مسؤولية قيادتها, لان المجتمع بحد ذاته اصبح غير واثق من مصداقيتها ايضاً لوقوعها هي الاخرى تحت تأثير الصراع المذهبي وخاصة المسيحيين ومذهبياً – كنيسة غربية – كنيسة شرقية – وخلافاتهما اللاهوتية تاريخيا واثنياً – كلداني – اشوري – سرياني – وهذا بحد ذاته القذى الذي قصم ظهر البعير منذ عقود لا بل قرون من السنين لهذا المجموعة. عدا الاقليات الاخرى من الاخوة اليزيدية والشبك وغيرهم, ولا يقل واقعهم عما جاء اعلاه من التشتت له والتشظي داخلياً وخارجياً في دول المهجر واصبح ذلك كالنزيف الدموي الذي لا يمكن ايقافه. وإن ظهور حركة داعش المتطرفة بأسرع من سرعة البرق في شمال العراق وفي محافظات الحكومة الاتحادية قرب حدود اقليم كردستان, وانهيار جميع فصائل المجتمع المتواجدة على هذه البقعة الجغرافية العريقة.. وسقوط مدينة الموصل والكثير من القصبات والقرى الكبيرة بعدة ساعات وبالأسلوب الارهابي الذي مارسته مع جميع الاقليات الدينية والقومية مباشرة في المدينة واطرافها. وهو تحديد ثلاثة ايام لها, إما الدخول في الاسلام, او دفع جزية. وإلا يعمل السيف يقطع الرؤوس وسبي النساء. وهو ما حصل فعلا في قضائّي سنجار ذات الاغلبية اليزيدية وتلعفر ذات الاغلبية المسلمة التركمانية – مذهب شيعي – وهجر عشرات الالاف منهم مع المسيحين بجميع قصبات وقرى سهل نينوى الى اقليم كردستان وبشكل عشوائي بدون هدف طلباً للنجاة بالحياة فقط. واصبحت جميع الاطراف السياسية ذات النفوذ الاجتماعي والقومي في هذه المنطقة – عراق – سوريا – تشعر بخطرها المباشر وتهدد مصيرها المجهول, الى جانب ما تناقلته وسائل الاعلام الفضائية من الاخبار بضرب مصالح الدول الغربية مباشرة أو بسقوط الانظمة الموالية لها وداعمة لمنظمة داعش ايضاً فهرت امريكا مباشرة

وبشكل اضطراري لتحريك جميع دول المنطقة بصورة خاصة, وتولّت مهام ضربها عسكرياً وبدون توقف. مما اضطر المحفل الدولي من له مصلحة مباشرة بذلك من قريب او بعيد انه يسرع للمساهمة عسكريا او لوجستياً. وفي مقدمتهم دول الخليج الراعي القديم ومغذي هذا التيار الارهابي وغيره سابقاً.

كما اصبح الجميع امام امر الواقع, والا فأن خطر التطرف الديني لهذه الزمر قد يمتد الى جميع الاطراف, اقليماً وقارياً ودولياً. وان مصير الاقليات التي استهدفت مباشرة في العراق من المسيحيين واليزيدية والشبك –شيعة – لا يمكن التكهن به ولا تحديد كم نسبة منهم سيعودون (ان قضي على هذا التيار كلياً ) الى مدنهم وقصباتهم وقراهم, لأنهم اصبحوا شتأتاً متشظية, وكأنخراف في البيد لا راعي لهم ولا من يمكن الاعتماد عليه بنجدتهم في محنتهم هذه.

وهذا فصل من فصول مآسي الصراع الفكري والقومي للمجتمع الانساني في العقد الاول من الالفية الثالثة .

واخيراً لابد ان تسأل :-

من سيدفع الجزية كثمن للحياة ؟!