لم تعد سوريا مجرّد ساحة صراع أهلي أو ميدان اشتباك بين أطراف محلية وإقليمية، بل تحوّلت إلى بؤرة مركزية لتجمّع الجماعات الإرهابية ذات الفكر التكفيري المتشدد، التي تتبادل الرايات وتتوحّد تحت هدف واحد: تفتيت ما تبقى من دول الطوق، وإشعال الحريق الطائفي الممنهج.
في مشهد يعيد إلى الذاكرة سنوات “داع١١ش” السوداء، عادت جماعة إرهابية تُطلق على نفسها اسم “حركة سواعد مصر” (حسم) إلى النشاط، ناشرةً تسجيلات لعناصرها الملثمين يتلقون تدريبات قتالية متقدمة على الأراضي السورية. لم يكن هذا التفصيل عادياً؛ إذ تكشف المعطيات عن ارتباط مباشر بين هذه الحركة وبين قوات “الدعم السريع” السودانية، التي تلطخت أياديها بدماء آلاف الأبرياء في السودان.
هذا التنسيق يشي بمحاولة لتوسيع رقعة الفوضى عبر تحالفات جديدة:
– من السودان حيث الخراب،
– إلى مصر التي يُراد لها أن تنشغل مجددًا بملف الإرهاب،
– مرورًا بسوريا،
– وانتهاءً بالعراق، كقوس من اللهب يرسم ملامح ما يُخطط له.
الجماعات التي تتخذ من الشمال السوري مأوى لها، ترفع رايات “الجهاد”. لكنها لا ترفعها بوجه الاحتلال الإسرائيلي، ولا تدعو إلى قتال الصهاينة أو مقاومة واشنطن راعية المشروع الاستيطاني – بل تتوعد المخالفين لها مذهبياً وطائفياً.
منشورات صادرة عن ما يُسمى “لواء أنصار السنة”، دعت بشكل علني إلى اتخاذ الإرهابي الجولاني “قدوة جهادية”. وطالبت بقتل المسيحيين وسبي نسائهم، والاستيلاء على ممتلكاتهم، ووصفتهم بالكفار. إنها دعوة لإبادة جماعية معلنة، لا تخجل من بثّها على منصات مفتوحة، دون أي ردع دولي أو تحرك قانوني.
وما زاد الطين بلة، هو ارتكاب هذه الجماعات مجازر وحشية بحق سكان مدن الساحل السوري – تحديدًا من الطائفة العلوية – تحت غطاء محاربة “فلول النظام”. في حين أن الحقائق تشير بوضوح إلى مذابح طائفية خالصة، تنفذها جماعات تكفيرية تحت عباءة “الثورة”.
هذه المجازر لم تواجَه بأي إدانة دولية تُذكر.
تمامًا كما لم تهتز ضمائر العالم أمام المجزرة المستمرة في غزة، حيث يُقتل الفلسطينيون يوميًا على يد الاحتلال الإسرائيلي، أمام صمت عالمي مريب، يكشف أن هناك معيارًا مزدوجًا يُدار به هذا الكوكب.
ما يجري اليوم، ليس عشوائيًا… بل هو جزء من مشروع متكامل لإعادة رسم خرائط الشرق الأوسط عبر أدوات محلية إرهابية، تُستخدم كبيادق في صراع أوسع:
– إشغال الجيش المصري بجبهة داخلية.
– إثارة الفتنة في سوريا ولبنان والعراق.
– التمهيد لاجتياح جنوب لبنان، وتصفية المقاومة الممثلة بحزب الله.
– مد نفوذ الجماعات المتشددة في غرب العراق، كخطوة لإسقاط بغداد والنظام السياسي فيها.
كل هذه التحركات تقود إلى نتيجة واحدة:
تحقيق حلم “إسرائيل الكبرى”. لا عبر الجيوش التقليدية، بل عبر أدوات الإرهاب والفوضى، وتفجير المجتمعات من الداخل، وتحويل الهوية الدينية إلى سلاح تدمير شامل.
*ختاما
فإن تحركات هذه الجماعات تحت الرايات السود، ليست سوى ستار دخاني لمشروع أوسع، تقوده تل أبيب من خلف الكواليس. وما لم يتم التعاطي مع هذا الخطر بوصفه تهديدًا وجوديًا للأمن القومي العربي، فستتكرر الكارثة بأسماء جديدة ورايات أخرى.
إن ما يُراد لنا أن نراه “جهادًا” ليس سوى فوضى مصنّعة، تستهدف قلب العواصم العربية، وتُفرغ القضية الفلسطينية من بعدها التحرري، لتحلّ محلها مشاريع الطائفية والتكفير والدم.
فلنحذر… فالمعركة القادمة قد لا تكون بين دول، بل الدولة الواحدة بنفس طائفي مقيت، ما لم نستعد للمرحلة بأسلحة الوعي قبل فوات الأوان.