23 ديسمبر، 2024 8:26 ص

من سرق مصفى بيجي ومحطة الكهرباء؟

من سرق مصفى بيجي ومحطة الكهرباء؟

صدع البرلمان رؤوس العراقيين بأن الشعب هو مصدر السلطات حسب الدستور العراقي الذي صِيغ وصُوت عليه في ليلة ظلماء بتحريض من مرجعية النجف، ودوخنا النواب بأن كل كتلة تتصرف على هواها او على هوى جيران العراق حسبما تريد او تُؤمر من قبل الجهات الخارجية لأنهم منتخبون من قبل الشعب، واذا علمنا أن نسبة المشاركة في الإنتخابات الأخيرة لم تتجاوز 20% في أحسن أحوالها، يمكننا ان نرد عليهم بقوة: انكم لا تمثلون الشعب كله فإن 80% من الشعب لا تمثلونه مطلقا. ومع تعدد الجهات الرقابية المتمثلة بالبرلمان العراقي بإعتبار جهة رقابية على الحكومة وهي الشطر الثاني من واجباته بعد تشريع القوانين، علاوة على هيئة النزاهة التي تفتقر الى النزاهة تماما، والمفتشين العامين الذين يتخذهم الوزير عادة كمطية لفساده بعد ان يُطعمهم بعض الفتات من السحت الحرام، وهيئة الرقابة المالية التي نسمع عنها ولا نراها، فكل شيء يجري بسرية تامة، والمهم أن لا يصل الى الشعب، على أساس ان الحكومة والبرلمان تحترم الشعب العراقي، او على أساس ان الشعب العراقي لا يقبل بالفساد والويل كل الويل للفاسدين، فهو شعب واعي ومثقف ووطني للنخاع وسوف يَسل سيفه ويأخذ برقاب الفاسدين عن بكرة أبيهم.
الفساد تجذر في كل مفاصل ما يسمى بالدولة العراقية التي لم تعد تمتلك مقومات الدولة، بل كأنها ريشة تتجاذبها رياح الأجندات الخارجية، إنها دولة ميليشيات ومافيات وعصابات اجرامية واحزاب ارهابية، كلها تعمل تحت غطاء رسمي، ولا أحد يجرأ أن يحاسبها، وإلا فتحوا عليه باب جهنم، كل كتلة وحزب لديه ملفات فساد اخلاقي ومالي على بقية الأحزاب، لذلك فهم متضامنون من ناحية ستر الفاسدين سواء في البرلمان والحكومة وفق قاعدة (شيلني وأشيلك)، بل وصلت الدناءة بالبعض منهم انه يمتلك ملفات فساد وجنس على الطرف الآخر، يلوح بها عندما تشتد الظروف، لكنه مجرد تهديد وتلويح لإركاع الخصم، وهذا ما صرح به رئيس الوزراء السابق نوري المالكي بأنه يمتلك ملفات فساد وبإمكانه ان يقلب العملية السياسية على رؤوس المعارضين لسياسته القمعية والطائفية، ويبدو ان هذه الملفات حقيقية، لأنها جعلت مجلس النواب والوزراء يصمتون كالأصنام خشية منه، علما ان معظم الملفات هي ضد النواب والوزراء السنة المنغمسون بالفساد كأقرانهم الشيعة.
ملفات الفساد أضعاف عدد البرلمانيين والوزراء منذ الغزو الغاشم لحد الآن، وهذه الملفات كلفت العراق ما يقارب (500) مليار دولار، ولو أعيدت ـ والسماء أقرب من إعادتها ـ لتمكن العراق ان ينهض قليلا من كبوته، ويسد العجز في الميزانية والقروض الخارجية والداخلية والفوائد المترتبة عليها، وربما يعمر جزء من المدن المخربة وليس المحررة كما يزعم المسؤولون، لا يمكن ان يسمى تدمير 80% الى 100% من المدن بتحرير، والا لأعتبرنا الحربين الكونيتين حربي تحرير. كانت خطة مدروسة بين الحكومة وداعش لتخريب مدن أهل السنة والعمل على تجريفها طائفيا وهذا ما حصل في ديالى والأنبار وصلاح الدين وأطراف بغداد، وما يجري حاليا في الموصل، حتى إعترف نائب رئيس الجمهورية السابق أياد علاوي بأن عودة المهجرين في أطراف بغداد بيد حكومة الملالي، خلال حديثة مع هادي العامري زعيم منظمة بدر الإرهابية حول إعادة المهجرين في جرف الصخر.
ولأن ملفات الفساد لا تعد ولا تحصى، ولأن الحكومة لا تحترم الشعب، سنفتح ملف مهم يتعلق بخدمة المواطن العراقي من حيث حاجته اليومية الى الوقود، حيث تستورد الحكومة العراقية مشتقات البترول من ايران بعدة مليارات سنويا، في الوقت الذي كان العراق قبل الغزو مكتفيا من هذه المواد. انه ملف مصفى بيجي وما أدراك ما مصفى بيجي؟
عندما سيطر تنظيم داعش الإرهابي على مصفى بيجي لم يتضرر المصفى بل استمر بالعمل والإنتاح رغم هروب المئات من الموظفين والفنيين، فقد تمكن التنظيم من تشغيل كافة خطوط الإنتاج دون أية عوائق، وكانت المنتجات توزع على العديد من المحافظات ولا توجد مشكلة في هذا الصدد، الحقيقة إن التنظيم كان بحاجة الى موارد مالية لتسديد نفقاته الحربية والتوسعية، وأمن له إنتاج المشتقات النفطية وبيعها حاجته تلك، لذلك حافظ على المصفى وهذه نقطة تحسب له. كانت الطاقة الإنتاجية للمصفى بحدود (310000) برميل يوميا. وبعد أن جرت معارك تحرير بيجي من دنس داعش، ورغم شدة المعارك بين الطرفين فإن المصفى لم يتضرر كليا لأن المعارك كانت بالأسلحة الخفيفة والمتوسطة، وكان بمنأى عن الضربات الجوية والمدفعية الثقيلة، لذا بقي سليما، ماعدا ضرر في خط إنتاجي واحد، يمكن إصلاحه.
ما أن تسلم الحشد الشعبي مسؤولية المصفى ولا نفهم السبب في ذلك، لأنه كان من المفروض أن تطلب الحكومة رجوع الموظفين والفنيين الى المصفى لمعالجة الأضرار البسيطة وتشغيل الخطوط الإنتاجية الثلاثة لسد الحاجة المحلية، لأن بيجي تحررت بالكامل، ولم يعد التنظيم يشكل خطورة عليها، وعلى المصفى بالدرجة الأولى. المهم ان المصفى بقي سليما، وان داعش لم يسرق أي مكائن أو معدات من المصفى، رغم ان الحكومة العراقية حاولت في البداية إتهام التنظيم بسرقة بعض المعدات، وهذا كذب الغرض منه التموية والتستر على شيء ما لم يكن واضحا في تلك الساعة، ولكنه تبين فيما بعد بأن الغرض منه سرقة المعدات والمكائن من قبل الحشد الشعبي، وهنا نقف أما حالة غريبة، وهي كيف ان التنظيم الإرهابي لم يسرق شيئا من المصفى في الوقت الذي سرق الحشد الشعبي المقدس المصفى؟
صرح رئيس مجلس محافظة صلاح الدين (أحمد الكريم) بأنه عندما تمت سرقة المصفى والعبث به من قبل (الحشد المقدس بالطبع) ” بلغنا كل الجهات من رئيس الوزراء وأنت نازل للوزارة (النفط) بكتب رسمية، وارسلنا لهم صور ومقاطف فديو معززة، ولم يلقَ الملف إهتمام بإيقاف السرقة والعبث، لكن المصفى سُرق، جزء منه، وقام وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي الذي إتصل بنا وقال تعالوا خذوا المصفى، فأعادوا جزء منه”، لاحظ لا الوزير ولا رئيس مجلس المحافظة ذكروا الجهة التي كان عندها المصفى والذي تقدر قيمته ما بين (50ـ 45) مليون دولارا، وكيف حصلت عليه الداخلية، بل لم يتطرف الإعلام الرسمي الى هذا الموضوع بتاتا، لحماية الفصيل الحشدوي المقدس الذي سرق المصفى. وتم تشغيل هذا الخط وهو ينتج البنزين حوالي (70000) برميل يوميا. أما الخط الإنتاجي الثاني الذي سرق فهو موجود في السليمانية، إشتراه تاجر من جهات معينة، وهو يقول إعيدوا لي ما صرفته وخذوا المصفى، والتاجر بسبب الحجز وأمر القبض عليه لا يقدر ان يتصرف به أو يبيعه، والتاجر حاليا يتفاوض مع الحكومة لغرض بيعها المصفى، ولم تحسم الحكومة لحد الآن هذا الموضوع. ويفترض أن يعاد المصفة فورا طالما ان حكومة كردستان تدعي انها جزء من العراق وتحت امرة رئيس الوزراء. ولا نفهم كيف قبلت حكومة كردستان بإدخال عدة شاحنات للإقليم تحمل المصفى وهي تعلم انه مسروق من بيجى، وكيف لا تلقي سلطة كردستان القبض على التاجر الذي إشتراه وتعيده الى الحكومة؟ علما أنه لم يفصح لحد الآن عن هوية التاجر، الذي يعرف جيدا ان ما اشتراه هو من ممتلكات الدولة وقد سرق.
وزير النفط العراقي ثامر الغضبان يكذب
صرح ثامر الغضبان في21/1/2019 ” إن وزارتنا لا تستطيع توجيه التهم الى اي جهة، كون هذا الموضوع تم أبان مدة الحكومة السابقة، ولكن الذي عمدوا الى سرقة أجزاء من معدات المصفى ومحطة الكهرباء اتصلوا بالوزارة لبيع المعدات لها من جديد، رغم رفضنا التعامل مع معدات مسروقة، وان تلك المعدات، ونتيجة للرفع الخاطيء لها أضحت تالفة”.
1. يدعي الغضبان انه لا يستطيع توجيه التهمة لأية جهة، ولكن هذه الجهة إتصلت بالوزارة لغرض بيع المعدات لها، بمعنى انه يعرف الجهة التي سرقت المصفى ومحطة الكهرباء.
2. يقول بأن السرقة تمت أبان مدة الحكومة السابقة، وهل ملفات السرقة التي تمت خلال الحكومة السابقة إنتهت ولا يجوز فتحها؟ اي تستر على الفاسدين واللصوص هذا؟
3. نسأل الغضبان ألم تكن أنت مستشارا لرئيس الوزراء لشؤون الطاقة للفترة 2015 ـ2018 أي أبان الحكومة السابقة؟ فعلام تتنصل من المسؤولية؟
4. إن تكلفة إعادة تأهيل المصفى من جديد بسبب سرقة معداته تبلغ اكثر من(1.5) مليار دولار بإعتراف وكيل وزارة النفط (ضياء الأسدي) في 18/6/2016، ويقدره خبراء بأربعة أضعاف هذا الرقم، الا يستحق هذا المبلغ فتح الملف، وتقديم الجناة للقضاء، مع معرفتنا بأن القضاء مسيس.
5. يذكر الغضبان بأن ” تلك المعدات ونتيجة للرفع الخاطيء لها أضحت تالفة” الا يستحق هذا الرفع الخاطيء للمعدات فتح تحقيق بالجهة التي رفعته بطريقة خاطئة، لكونه أضرار كبير بالمال العام، وبقيمة تبلغ مئات الملايين من الدولارات.
6. لماذا يتستر الغضبان عن المجرمين، علما ان الجهة التي سرقت المصفى باتت معروفة للجميع؟

إعترافات بينت الحقيقة
الخيط الأول: أفادت مصادر أمنية في مدينة بيجي بتأريخ 6/2/2016 (للخليج أونلاين) أن ” مصفاة المدينة النفطية تتعرض لعمليات نهب واسعة النطاق من قبل مليشيات متنفذة، فيما أكدت نقل كميات كبيرة من الآليات والمعدات إلى المناطق الحدودية مع إيران ومناطق جنوب العراق وأن حجم الدمار الذي تعرضت له مصفاة بيجي في فترة سيطرة تنظيم الدولة عليها، لم تتجاوز نسبتها 30%، لكن لم تحدث عمليات سرقة، في حين بلغت نسبة الدمار لغاية اللحظة أكثر من 70% نتيجة لعمليات النهب والسرقة التي نفذتها المليشيات”. وتابع “مصفى بيجي لا يزال يخضع لسيطرة المليشيات الشيعية، كما تسيطر على أغلب الطرق المؤدية إليه، وأن أغلب الفرق واللجان المرسلة من قبل وزارة النفط مُنعت من دخول المصفى، من قبل عناصر المليشيات؛ لعدم اطلاعها على حجم الدمار وعمليات السرقة التي تعرض لها المصفى”.
الخيط الثاني: كان مع النائب السابق مشعان الجبوري الذي ذكر في لقاء تلفازي في 3/3/2016 ” هناك من سرق المصفى وحمل معداته بشاحنات الى بغداد”، ولكنه رفض تسمية الجهة خوفا على حياته، بالتأكيد لا يعني داعش، بل كان يلمح الى الحشد الشعبي. نظن انه يعني المصفى الذي خبر عنه وزير الداخلية السابق قاسم الأعرجي.
الخيط الثالث: ظهر مع إشتداد الأزمة بين تيار الحكمة وعصائب أهل الحق وتبادل الإتهامات بشأن مقتل صاحب مطعن (ميمونة) في بغداد والتي أتهمت العصائب به، حيث لمح تيار الحكمة الى أن عصائب أهل الحق هي التي سرقت مصفى بيجي، وعلى أثرها صرح المتحدث بإسمها ( نعيم العبودي) في 12/1/2019 بتشكيل لجنتين، احداهما لمعرفة مصير مواد مصفى بيجي، في محافظة صلاح الدين. حيث تتواصل لجنة قانونية (من العصائب) مع وزارتي النفط والداخلية لمعرفة مصير مواد مصفى بيجي المسلمة لوزارة النفط”.
الغريب في الأمر إنه كيف يقوم المتهم بالسرقة بتشكيل لجنة لمعرفة من سرق المصفى؟
ثم لماذا تشكل لجنة قانونية من العصائب حصرا، واين القضاء العراقي وما يسمى بالمدعي العام من ذلك؟
ولماذا لا يوجد أي رد فعل من رئيس الوزراء ووزير النفط حول الموضوع كأن الأمر لا يعنيهما؟
الخيط الرابع: في 4/10/2018 قال النائب قتيبة الجبوري في بيان صدر عنه ” قامت فصائل الحشد الشعبي بسرقة محطة القطار وخط السكك الحديدي في قضاء بيجي، وحملت ما سرقت في شاحنات إلى العاصمة بغداد، أن تلك الممارسات التي تقوم بها الفصائل المسلحة، تأتي بعد استباحة مصفى بيجي والدوائر الحكومية ومحطات الطاقة الكهربائية، لتأتي بعد ذلك سرقة محطة القطار وخط السكة الحديدية في القضاء وإرسالها إلى بغداد”. عجبا هل محافظة صلاح الدين لا تعود الى العراق، كيف يتم النهب منها وتذهب المسروقات الى بغداد؟ ماذا يعني هذا؟ نترك الأمر لذوي الألباب. وأين سيطرات الجيش والشرطة ونقاط التفتيش التي لا تعد، وكيف عبرت منها المصفى وسكك الحديد ومحطة الكهرباء؟
كلمة أخيرة
ما هو رأي المرجع الشيعي الأعلى بحشده المقدس؟ ألم يحن وقت إنهاء مفعول الفتوى التي حرفت من قبل الساسة من تطوع في الجيش والشرطة الى هيئة خاصة لا علاقة لها بوزارتي الدفاع والداخلية، ام إن الأمر عائد الى الولي الفقيه في ايران كما صرح زعماء في الحشد الشعبي حول حلٌ الحشد؟ ولماذا لم تعلق المرجعية عن سرقات الحشد الشعبي وآخرها تهريب مائة شاحنة يوميا من نفط القيارة؟ ان كان الحشد مقدسا وهو يسرق أموال الشعب، فكيف سيكون الحال لو لم يكن مقدسا؟