ان مبنى البهو الذي كان يسمى قاعة الشعب عند انشاءه في مدينة الناصرية ابان مرحلة حكم الزعيم قاسم في مطلع الستينات … ينفرد بملامح جعلته يتميز عن باقي الابنية المتداولة و التقليدية فقد طغى عليه عنصر القوس تماشيا مع فكرة المضيف المنتشر في مناطق الجنوب و قد برع المصمم المعماري حينما جعل هذا المبنى يحاكي الريازة التراثية للمضيف في جميع تفاصيله و قد نجح أيما نجاح حيث انطلق في التصميم جاعلا المضيف حاضرا في كل دقيقة و قد تفنن في خلق واجهة تتسق مع ملامح المضيف لهذا فقد أسبغ على الواجهة كل ما من شأنه ان يجعل فكرة المضيف حاضرة و حية علاوة
على صقلها و تهذيبها دون السماح للحداثة من الطغيان المطلق و منع الفكرة الحديثة للتصميم من إلغاء مفردات المضيف العربي بل جعلها تسير بموازاته مما أضفى عليها طابعا سحريا و اذا لم نكن لنتحسسه تلك الفترة لاننا ولدنا ووجدنا البهو قائما و زاخرا و حاضرا بين ظهرانينا … و لكن بعد ان افتقدنا تلك اللمسات المؤثرة أحسسنا بضياعه و هذا يعني ضياع جزء من تاريخنا … حيث اشتملت الواجهة على عنصر هندسي و هو ما يسمى (القطع المكافيء) و هو يحتضن نصف دائرة غائرة الى الارض تمد جزءا من نسبتها و تلتقي مع اطراف القطع المكافيء و تضم بين طياتها قوائما شاخصة
تمثلت بعدد من الـ (اللوفرز) و هي تماثل (الشبات) في المضيف علاوة على الجزء النافذ و الشفاف الذي اشتمل على عدد من الفتحات الدائرية و التي تركزت فلسفتها على حالة الترحاب الدائمة للمضيف و اهله في استقبال القادمين اليه اي ان عنصر القوس و الدائرة تكرر في جميع مشاهد التصميم علما ان فكرة القطع المكافيء لم تتكرر في العراق إلاّ في تحفتين معماريتين هما مبنى البهو في الناصرية و نصب الجندي المجهول السابق في بغداد الذي كان قائما و شامخا في ساحة الفردوس في شارع السعدون مجاورا لمجمع فنادق الشيراتون و الميريديان قبل تحطيمه و الانقضاض عليه من قبل
اعداء النور و الرُقي و الانسانية في عهود الظلم و الاستبداد و لهذا اقول و بعد ان اطلعت على التصاميم الاخيرة بعد احداث 2003 و ما قام به المهندسون الحاذقون من محاولة اعادته الى سابق عهده ووجدتها رائعة و غنية … و لكن للاسف فان الايادي الاثيمة التي آثرت ان لاتترك موبقة إلاّ و اجترأتها و لم تكن فعلتهم أقل ظلاما و سوادا و عتمة مما قامت به عصابات داعش في محاولة سلخ قِدم التاريخ من وجود العراق بالقضاء على البقية المتبقية من الاثار النفيسة … لهذا ركن المقاول الذي عُهدت اليه الامانة بالتحالف مع الايادي السيئة للمهندسين و المسؤولين غير
النظيفين بالتحايل على اصل التصاميم و الغاءها و التعويض عنها بواجهة صماء ليس فيها إلاّ عنصر التزجيج و مادة الالمنيوم اللماع و اختزال تلك الواجهة العملاقة بهذا الشيء الرتيب الفاقد لابسط معاني و قواعد و احاسيس العمارة من اجل ارضاء نزواتهم في الجشع اللامشروع في اكتناز الاموال الطائلة بدون وجه حق … و لهذا فان على الشرفاء و الايادي الخيرة متابعة هذا الموضوع و كشف ملفاته الغامضة و من كان يقف وراءه …