في 8|4|2013 في الدمام في المنطقة الشرقية من السعودية , أنتقل الى رحمة الله تعالى الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي الذي كان من رواد التنظيم الرسالي في حزب الدعوة ألاسلامية في مرحلة التأسيس وألانتشار العالمي قبل أن تطفو على سطحه الطحالب وألاشنات من محدودي الفهم وقليلي الخبرة الذين يعشقون المظهر على حساب المخبر فأصبحوا في مرحلة الحكم لايحسنون ألادارة , ويحبون ألامارة ولو جلبت لهم سخط الناس ,وباعدت عنهم كل بأس , وأدخلتهم في دهاليز الوسواس الخناس الذي يهدم لهم كل أساس , ويعريهم من صفات الداعي الى الله التي لاتقاس بمقياس , وتجعلهم يلهثون وراء ألاحلاف حتى وأن كانت محملة بأخلاق ألاجلاف وذلك جزاء من يزهد بأهل المروءة وألانصاف , من أصحاب السابقة للعمل الصالح المخبتين في الليل يتضرعون الى ربهم كما قال ألامام علي بن أبي طالب شعرا :-
الهي وهذا الخلق مابين نائم ….. ومنتبه يدعو اليك ويضرع
الهي لآن عذبتني ألف حجة ….. فحبل رجائي منك لايتقطع ؟
والراحل الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي كان داعية الى الله عندما كانت الدعوة ألاسلامية أطروحة عشق روحي ,ومشروع عمل جهادي , ليس فيها مايغري بالتكسب المادي الدنيوي كما هو اليوم , وليس فيها ألانانيات والبغضاء والتقاطع والتدابر كما هو اليوم , وأنما كنا جنودا مجهولين نعمل في سبيل الله لنكون مجتمعا يعرف نفسه ليعرف ربه , ثم ليعرف رسالته , ولذلك كنا كخلية النحل تتكامل أدوارنا مع بعضنا ,جيوبنا كألاواني المستطرقة , وقلوبنا موحدة , وعقولنا متحدة لم نتفاخر بشيئ سوى خدمة الناس ,حتى أحبنا من عرفنا , وأطمأن الينا من أختبرنا وجربنا .
والراحل الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي أتخذ من الجد في طلب العلم سبيلا لتعزيز الدعوة الى الله مع من يلتقيهم ويعمل معهم , فهو السعودي الجنسية المولود في البصرة عام 1935 أرتحل الى النجف ألاشرف عام 1949 فدرس على يد كل من ألاساتذة :-
الشيخ علي زين الدين
السيد جمال الدين الخوئي
الشيخ محمد أمين زين الدين
الشيخ علي شبر
الشيخ محمدعلي الخمايسي
السيد محمد حسين الحكيم
السيد أبو القاسم الخوئي
الشيخ محمد طاهر أل راضي
الشيخ محمدرضا المظفر
السيد محمد تقي الحكيم
السيد محسن الحكيم
الشهيد السيد محمد باقر الصدر
والراحل هو عبد الهادي بن ميرزا محسن بن الشيخ سلطان بن محمد الفضلي ,درس المقدمات والسطوح والبحث الخارج في الحوزة العلمية في النجف ألاشرف , وحصل على بكالوريوس من كلية الفقه , ثم ماجستير أداب اللغة العربية من جامعة بغداد عام 1391 هجرية ,ثم عمل مدرسا للنحو والصرف في جامعة الملك عبدالعزيز ,عام 1396 حصل على الدكتوراه بمرتبة الشرف في اللغة العربية من جامعة القاهرة , بعدها عاد الى السعودية وبقي في جدة مدرسا في الجامعة الى عام 1409 هجرية حيث أحيل على التقاعد , ثم عمل أستاذا في الجامعة العالمية للعلوم ألاسلامية في لندن حيث أشرف على تدريس المنطق وأصول البحث , بعدها أقام في الدمام الى أن توفاه الله يوم 8|4 2013
من مؤلفاته :-
خلاصة المنطق
مبادئ أصول الفقه
والراحل الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي , أشاد بمنزلته العلمية الشيخ أغا بزرك الطهراني , وأجازه في الرواية عنه , وكتب له الشهيد محمد باقر الصدر فيلسوف القرن العشرين رسالة عندما قرر مغادرة النجف , يثني عليه ويبدي أسفه لرحيله عن الحوزة العلمية في النجف التي تخسر من أمثاله .
والراحل الشيخ الدكتور عبد الهادي الفضلي كان من أوائل الدعاة الذين أقبلوا بشغف ألانخراط في طريق الدعوة الى الله من خلال التبليغ البعيد عن بهارج الدنيا وأغراء العناوين , وكان رحمه الله مثال الجد وألاستقامة والتواضع , وهو من ألاوائل الذين أكتووا بنار الصراعات والمعاناة التي واجهت الدعاة ألاوائل في مرحلة التأسيس حيث كان الشهيد محمد باقر الصدر يقود سفينة العمل الدعوتي مما جلب له الكثير من الكيد والحسد حتى بلغ ببعضهم أن ينعتوه بكاتب المقالات تقليلا من شأنه وتحديدا في ظن أولئك من قيمته العلمية وموقعه في قلوب محبيه وكل من عرفه حتى بلغت المضايقات لشخصه الكريم أن بعضهم كان يتعمد عدم أحترام السيد محمد باقر الصدر عندما يدخل الى بعض المجالس , وحدث ذات مرة أن حضر السيد الى مجلس عزاء حسيني يقرأفيه المرحوم السيد جواد شبر ,فلما دخل السيد محمدباقر الصدر الى المجلس لم يقم له أحد من وجهاء القوم ,فما كان من المرحوم السيد جواد شبر وهو على المنبر ألا أن قطع خطبته وقال : المجلس الذي لايحترم فيه مثل السيد محمد باقر الصدر لايستحق أن أقرأ فيه وهم بالنزول من المنبر مما أحدث صدمة للحاضرين الذين رجوه أن يستمر وقام البعض بأفساح المكان المناسب للسيد محمد باقر الصدر , وظلت هذه المعاناة تلاحق المخلصين وأصحاب ألاستقامة ومنهم الراحل الشيخ عبد الهادي الفضلي , وأنعكست تلك المعاناة حتى داخل الخط التنظيمي لحزب الدعوة ألاسلامية في مراحل متقدمة , نتيجة أحتدام الصراع بين ألارهاصات الروحية التي يوفق لها بعض الدعاة , وبين ألانجذاب الى المادة وغوايتها التي تتحرك من خلال سيل المشاعر المندفعة بحركة الهرمونات وكيمياء الدم التي يفشل أمامها الحضور العقلي غير المرتاض بحرارة ألايمان والزخم الروحي المتصل بوعي الكون المتدين ؟
ونتيجة لذلك الصراع الخفي في الخلايا القيادية ألاولى كان المرحوم الشيخ عبدالهادي الفضلي مرشحا لقيادة الجناح الحركي بعد أنقرر السيد المؤسس محمدباقر الصدر أن يتفرغ للدور المرجعي ,ويتخلى عن الشأن التنظيمي للقيادة الدعوتية التي كانت تظم نخبة من خيرة الدعاة , وذلك من أجل أن يفوت السيد الصدر بنصيحة من المرجع السيد محسن الحكيم بعد الوشاية التي قام بها البعثي المدعو “حسين الصافي ” وهذه الحادثة أستثمرت لاحقا بغير حقيقتها وشوه محتواها ووصلت الى الناس محرفة يتحمل مسؤوليتها من كان ورائها .
وقد شاءت ألاقدار أن تكون هناك مفاضلة غير مقصودة بنوايا مضرة ,والمفاضلة هي بين الشهيد المهندس محمد هادي السبيتي “أبو حسن” القيادي صاحب العقل الحركي الفذ , وبين الراحل الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي , وكان المسؤول عن المفاضلة المرحوم أية الله العلامة “مرتضى العسكري ” المحقق المعروف وصاحب كتاب “مائة وخمسون صحابي مختلق ” وكان ترجيح العلامة مرتضى العسكري للآستاذ المهندس محمد هادي السبيتي وليس للشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي , ولآن التنظيم كان في مرحلته السرية لذلك لم تعرف تفاصيل ماحدث سوى بعض التسريبات القليلة والتي ألمح اليها معي العلامة المرحوم مرتضى العسكري في بعض لقاءاتنا في طهران حيث كان عندما تلم به وعكة صحية يطلب من أبنائه أن يتصلوا بي لفحصه وتشخيص حالته الصحية , وكذلك لقائي بالشهيد محمد هادي السبيتي الذي زارنا في دمشق وكان مقيما في ألاردن وطلبت منه بألحاح أن يترك ألاردن خوفا عليه من مخابرات صدام حسين التي كانت مطلقة اليد في ألاردن كمافي أمارات الخليج وكان معي في لقائنا ألاخ فؤاد الدوركي “أبو سجى ” وقد أقتنع الشهيد بترك ألاردن ولكنه عندما دخل ألاردن ألقت عليه المخابرات ألاردنية القبض وسلمته الى برزان التكريتي ألاخ غير الشقيق لصدام حسن الذي أنتقل معه الى بغداد وشوهد أخر مرة من قبل ألاستاذ محمد ألالوسي في سجن ألامن العامة والذي سأله :كيف تقضي وقتك ؟ قال السبيتي : لايوجد عندي فراغ فأنا مشغول بالعبادة ؟
واليوم عندما يرحل عنا الشيخ الدكتور عبدالهادي الفضلي , فأننا نودع رجلا من الذين قالوا ربنا الله ثم أستقاموا , رحل العلامة الفضلي ولم يأخذ معه من حطام الدنيا سوى ماقدمه لطلابه من علم ينتفعون به , وماقدمه لنفسه من عمل صالح ينفعه يوم لاينفع مال ولا بنون ألا من أتى الله بقلب سليم , فللذين يريدون العمل في طريق الدعوة الى الله وتعبيدالناس بألايمان وألاسلام أن يعتبروا بسيرة الراحل الذي كان كأستاذه الشهيد الصدر الذي لم يأخذ من حطام الدنيا وهوالذي ضرب لنا مثلا بهارون الرشيد الذي كان يقول للغيمة أين ما تمطري فلي خراجك , وعندما طواه الموت لم تعد مقولته لترد عنه الردى .
رحل العلامة الفضلي بهدوء كما رحل العلامة العسكري و الدكتور الداعية جابر العطا وكما رحل الشيخ المجاهد فرج الله وكما رحل الشيخ مهدي العطار والشيخ مجيد الصيمري , أولئك أصحابي فجئني بمثلهم , وأنا لله وأنا اليه راجعون .
رئيس مركز الدراسات وألابحاث الوطنية
[email protected]