شاءت القدرة الإلهية أن يشمل الاختبار كل من شأنه أن يكون محل الاختبار وركزت السماء على غربلة وتمحيص الفرد لتحصينه وتكامله ففي بعض الأحيان يشمل الاختبار أمما بأكملها فتنزف وتنزف وتبذل العطاء تلو العطاء حتى تستحق أن تصل لمرتبة من مراتب النجاح والامتياز بينما تتساقط أمم وتتهاوى بعد أن تفشل في الاختبار حتى وإن كانت ترفع الشعارات التي لأجلها قتل ممثل السماء ولكنها فشلت في التطبيق الحقيقي لمعاني العطاء وفي أحيان أخرى يشمل الاختبار أفراد معينين تهيأت لهم الظروف لان يكونوا قادة في المجتمع فيقع عليهم الاختبار الإلهي فمنهم من يتراخى ويتوقع ومنهم من يثابر ويتسابق للبذل والعطاء وكأنما كان يحمل من عشقه لعقيدته ذلك البذل الهادر والدم النازف ولنا في الإمام الحسين (عليه السلام) وأصحابه رضوان الله عليهم خير أسوة وبيان . فعندما نتدبر ونلملم الفهم والقرائن التي يفترض أن تكون حاضرة دائما في ذهن المناصر الواعي ونتأمل في خطاب الحسين (عليه السلام) لأصحابه ليلة عاشوراء حينما قال لهم هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا نفهم من المراد الحقيقي للحسين (عليه السلام ) إن الانتصار للحق وأهله لا يكون بلا عناء ، بلا تدقيق ، بلا امتحان . نفهم إن الانتصار يتركز أساسا على الفهم الصحيح النقي والنية الناصعة والإرادة الثابتة . نفهم إن الانتصار للحق قائم على قدم وساق مادام فينا عرق ينبض . نفهم أن نستحضر دائما الهدف الذي نثابر من اجله ولا نفشل في التراخي عنه قبل تحقيقه بل والحفاظ عليه حتى بعد تحقيقه . وهذا ما بينه سماحة المرجع الديني الأعلى آية الله العظمى السيد الصرخي الحسني (دام ظله ) في بعض محاضراته التي قررت على شكل بحث تحت عنوان ( عصمة الزهراء ) حيث يقول : ” لا نريد ذلة وخنوع وتخاذل وهروب من الزحف والنصرة العلمية بدعوة التقية خصوصا طلبة الحوزة ، إلى متى نبقى نلتزم جانب التقية لكل الأمور وتفاهتها وهذا ليس صحيحا ، فعندما نسمع بشخص يلتزم جانب التقية ليس أمامنا إلا أن نرجع به وبأنفسنا إلى موقف الحسين (عليه السلام ) حين قال : (هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ) …. وبكل تأكيد إن من تخلف عن الإمام الحسين ( عليه السلام ) ملعون … نعم ملعون حتى لو أذن له الإمام (عليه السلام ) .. فالإذن من الإمام الحسين عليه السلام لا يراد به أبراء ذمة المنسحب والمتخلف المتخاذل … فمن سمع واعية الحسين (عليه السلام ) كيف ينسحب ويهرب ويتخاذل ؟؟ إذن الإمام ( عليه السلام ) في مقام الغربلة والتمحيص ومقام تزكية وتطهير معسكره من أي شائبة ولوث في الفكر أو النية فلا يريد أن يأتي معه احد حياءا فلا تكون نيته صادقة خالصة فلا يكون على خير ولا يكون من أهل الجنة … وأنا الحقير على نفس النهج عندما أقول لشخص أنت مأذون اقصد أنت لست بشجاع أنت لا تريد أن تنصر الحق … وهل الحق يحتاج إلى أذن حتى تنتصر له ؟؟ وأريد أن أقول لا تخف ولا تخف وتتنكر خوفا من أن يراك الآخرون في هذا المكان فيترتب الضرر عليك من قطع راتب أو تقليله أو محاربته اجتماعيا كتشويه السمعة والتفسيق ونحوه … عليك أن ترفع رأسك واهتمامك ليعلم الناس انك تصل إلى أهل الحق وتنصر الحق … لماذا هذا الجبن والى متى ؟ ” ( انتهى كلام السيد ) . ولمزيد من التوضيح نستدعي بعض خطاب الحسين عليه السلام في ليلة عاشوراء حيث قال لأصحابه … ( ألا وأن القوم لا يطلبون غيري ولو ظفروا بي لذهلوا عن غيري وهذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ) وينبثق من هذا الخطاب تساءل مهم وهو لماذا القوم يطلبون الحسين عليه السلام ؟ الجواب لأن الحسين عليه السلام صاحب قضية وبالتالي فان كل صاحب قضية مطلوب لهم . ولا يعقل إن الحسين عليه السلام يأمر أصحابه بالانصراف وهو يعلم إن قضيتهم قضيته وإنهم مطلوبون لأعدائه كما هو مطلوب لهم وبالتالي فان خطاب الحسين عليه السلام موجه لشريحة خاصة إن وجدت بين أصحابه وإذا لم توجد فليس مشمولا بالخطاب أي احد منهم وهذا ما حصل واقعا إذ لم ينصرف أي احد منهم ويشهد لذلك إن الحسين عليه السلام لم يكرر الخطاب والأمر بالانصراف بل انه شكر سعيهم إذ قال ( لا اعلم أصحابا خيرا من أصحابي ) ويتجلى فهم الأصحاب لخطاب الحسين عليه السلام من خلال قولهم ( أنتركك لنحيا من بعدك ؟ قبح الله العيش من بعدك ). وببيان آخر ، إن المراد من خطاب الحسين للأصحاب ما يلي :
1- إن الإمام الحسين عليه السلام أراد بهذا الخطاب أن يتكفل الأصحاب بأنفسهم فهم التكليف الشرعي الملقى على عاتقهم وهذا هو عين الاختبار والتمحيص الفكري .
2- من يعتقد بنفسه من الأصحاب انه ليس بصاحب قضية فهو مأذون بالانصراف بل مأمور بالانصراف وذلك لان الإمام الحسين عليه السلام في مقام تطهير النفوس والنوايا ، وعدم انصراف الأصحاب دليل على فهمهم النقي لمراد الحسين عليه السلام إذ برهنوا من خلال صمودهم إن القضية ليست مناطة بالحسين (عليه السلام) وحسب بل هي قضية حق ويقع على الجميع مسؤولية الذود عنها والتضحية لأجلها ، وبالتالي فان خطاب الحسين عليه السلام بالانصراف ليس موجها لأي احد منهم .وبعد هذا البيان يفترض بكل من يرغب أن ينتصر للحق ويثبت على نصرته أن لا يغفل ولا يتكاسل في فهم مراد الجهة الشرعية المباركة وتطبيقه وبالتالي لا يكون فريسة للغباء والجبن .