18 ديسمبر، 2024 9:15 م

من ذاكرة التعليم الأهلي في العراق مدرسة المنصور التأسيسية إنموذجا

من ذاكرة التعليم الأهلي في العراق مدرسة المنصور التأسيسية إنموذجا

منذ أن تأسس الحكم الأهلي في العراق عام 1921، وبداية تثبيت أركان الدولة العراقية الحديثة، بدأ الحماس الوطني لدى رجالات الدولة آنذاك في الاتجاه نحو الاهتمام الجدّي بالواقع التربوي والتعليمي من خلال استحداث وزارة للمعارف. ومن الواجبات الأساسية لهذه الوزارة تأسيس المدارس الحكومية، وأيضًا مراقبة المدارس الأهلية والأجنبية، وتوجيهها نحو الأهداف العامة التي تسير عليها المدارس الحكومية. حيث بدأت الحكومات المتعاقبة ببناء المدارس في مدن العراق الرئيسية شيئاً فشيئاً والاكتراث بالتعليم ككل، بجهود وفضل رائد التعليم في العراق المربي الفاضل ساطع الحصري، ومن بعده الدكتور فاضل الجمالي. رافق ذلك الاهتمام أيضا تأسيس مدارس أهلية من قبل هيئات ومؤسسات وجمعيات مختلفة التوجّه والأفكار، لكن هدفها الرئيس قبل كلَّ شيء تربية جيل جديد قادر على النهوض بالبلاد وإزاحة غطاء الاستعمار ومحو أثار التخلف السائدة في البلاد، وكذلك الأمية المتفشية في المجتمعات العراقية آنذاك. وتوّجَ هذا التوجّه بصدور قانون المعارف رقم 57 لسنة 1940، الذي ساهم في تثبيت أركان الاستقلال الثقافي للتعليم في العراق.
كانت ثانوية كلية بغداد للآباء اليسوعيين، أولى تلك المدارس الأهلية التي تأسست وافتتحت في 26/9/1932، تلتها مدارس أخر من بينها، مدرسة المنصور، التي تأسست في بداية خمسينيات القرن الماضي من خلال بناية مؤقتة صغيرة تقع في منطقة البتاويين، ثمّ انتقلت في الستينيات إلى منطقة حديثة في بغداد تحمل نفس اسمها، واحتلت حيزًا كبيرًا من أرض بلغت مساحتها أكثر من (5) هكتار، ثم بُنيت فيها روضة وثانوية، لتكون بذلك أكبر مدرسة في العراق ومنطقة الشرق الأوسط بعد كلية فكتوريا في مدينة الإسكندرية بمصر. أُطلق عليها مجتمعةً، مدارس المنصور الأهلية، إشارة إلى باني مدينة بغداد المدورة الخليفة العظيم أبو جعفر المنصور، ولكل من هذه المدارس مديرها الخاص. وهكذا توالى تأسيس المدارس في بغداد ومدارس أهلية أخرى في مدن العراق.

وصائبًا كان نابليون بونابرت، حينما قال: من فتحَ مدرسةً … أقفلَ سجنًا!
هذه المؤسسة التربوية العملاقة شَيّدتها ، مؤسسة كولبنكيان العالمية، العائدة إلى أحد أغنى رجال الأعمال في العالم آنذاك، الأرمني كالوست سركيس كولبنكيان، الذي كان يسمى أيضًا بــــ (Mr. Five Percent) لأنه كان يتقاضى نسبة خمسة بالمائة من عائدات النفط في العراق، لدوره المهم في طرح حقول النفط في الشرق الأوسط للاستثمار والتطوير الغربي، وهو الذي بنى وتبرّع في بناء الكثير من الصروح الثقافية في العراق التي لا زالت شاخصة حتى الآن، وكان بإمكانه أن يترك بصمات واضحة أكثر في البلاد، ومعالم كبيرة ونافعة، لولا حكومة البعث التي أجهزت على ممتلكاته وتأميمها بعد عام 1968.
كاتب هذه السطور أحد تلامذة هذه المدرسة الأثيلة منذ عهدها الذهبي، حينما جلس على مقاعد الروضة والتمهيدي والابتدائية في ستينيات القرن الماضي وواكب عملية تأميمها كليًّا من قبل الحكومة في السبعينيات، والتحوّل الدراماتيكي المحزن لها وانحدار مستواها العلمي والاجتماعي وتلاشي سياقتها العريقة وتفككها، وعاصر أغلب مراحلها وكان شاهد عيان على الواقع الجميل لسنين طويلة من عمرها الزاخر.
لهذه المدرسة مجلس إدارة مستقل يُشكّل من أولياء الطلبة، يسمى (المجلس التأسيسي)، وهم من نخب ثقافية وعلمية واجتماعية، يتم اختيارهم عبر الترشيح لانتخابات قانونية تجري بداية كل عام وعددهم (من 8 إلى 10 أشخاص). يجتمع المجلس مرتين في الشهر. فيه تُقدم مديرة المدرسة للمجلس، المقترحات والطلبات والمعوقات والتوصيات التي يجب أن يقرّها الأعضاء بالأغلبية ويصادق عليها، ومن دواعي الفخر والاعتزاز أن تكون والدة كاتب هذا المقال أحد أعضاء ذلك المجلس ومن الفاعلين فيه لمدة زادت عن ثماني سنوات وحتى تأميم المدرسة وانفراط عقده.
مديرة المدرسة الآنسة صوفي مبارك، (Miss Mubarak) أو (مسمّبارك -هكذا كنا نناديها) اللبنانية الجنسية، فهي المديرة التاريخية والعتيدة لمدرسة المنصور (الابتدائية والروضة)، منذ بداياتها وحتى تقاعدها بعد أربعين عامًا من العمل التربوي الباهر في العراق -استثناءً من قواعد الخدمة والتقاعد-وقد أشرفت على الثانوية أيضًا في بدايات تأسيسها. هذه المديرة أَدارت المدرسة بحنكة ومهارة، لا غُبار عليها، وحزم وذكاء قلَّ نظيرها بين قريناتها من المديرات، تتحدث مع الجميع بلهجتها اللبنانية المحببة، التي لم تحيد عنها يومًا. ليس لها معاونات يعاونّنها في الإدارة المباشرة كما هو الحال في بقية المدارس، فهي الزعيم الأوحد والأقوى في المدرسة بكل قراراتها، وكلمتها نافذة ومسموعة من الجميع، وإذا ما سارت في ممرات المدرسة فأن الأرض ترتج تحت أقدامها مع كل خطوة وطقطقة من كعب حذاءها، وإذا ما تحدّثت مع أحد بصوتها الجهوري المرعب فأن جدران المدرسة تهتز، أمّا إذا تعصّبت ضد طالب فالخوف يلفّه من رأسه حتى أخمس قدميه خاصةً الأولاد، ومع هذا فهي إنسانه محبوبة جدًا واجتماعية تحظى باحترام أولياء الأمور والهيئة التدريسية. تأتي إلى المدرسة صباحًا قبل الجميع وتقف عند باب المدرسة لتستقبل الطلاب بكلمة (Good Morning) وتُسلّم على ذويهم عند توصيلهم، وتراقب ترتيب زيّهم الموحد ونظافة شعرهم وملابسهم، حاملة بيدها على الدوام باقة منوعة من الورد الملون مهداة من الطلاب القادمين بعد أن اقتطفوها قبل قدومهم من حدائق بيوتهم، تحبباً لها.
أما الهيئة التدريسية لهذه المدرسة فهم نقاوة من الأساتذة والمعلمين الإنكليز، والهنود، والفلسطينيين، واللبنانيين، والعراقيين، وغيرهم وبمستويات علمية وتربوية عالية، انعكس تأثيرهم بشكل واضح على المستوى العلمي للطلبة والتلاميذ ونتائجهم الملموسة والمشهودة.

الأجور المدرسية السنوية كانت بواقع 100 دينار للتلميذ الواحد كمعدل تدفع بقسطين أو ثلاثة، عدا أجور النقل والطعام والحليب والنشاطات الاختيارية، ويساوي هذا المبلغ في حينه ما مقداره 310 دولار أمريكي، وهو مبلغ ليس بالقليل في ذلك الوقت، وليس بالمُثقل على العائلة المتوسطة الدخل، ولكن يعتبر نسبياً الأعلى بين جميع المدارس الأهلية.
يكتسي جميع تلاميذ المدرسة زيًا موحدًا جميلًا، يوحّدهم ويبرزهم بمنظر جذّاب، لا تمايز طبقي بينهم وتُشعرهم بأنهم في مستوى واحد ينتمون إلى مدرسة عريقة. الزي الكامل المعتمد منذ تأسيسها هو البنطلون أو التنورة الرصاصي والقميص الأبيض والسترة الزرقاء ذات اللون المائل إلى لون السماء، وتتوشح على صَدر السترة الأيسر شعار المدرسة المميّز. وتحرص الإدارة على أن تُرشد أولياء الطلبة لشراء القماش المعتمد من (معمل فتاح باشا للغزل والنسيج)، الشهير ذات الجودة العالية والأسعار المنافسة، أما خياطة الزيّ فيجري فصاله لدى خياطين هنود ماهرين وسريعين منتشرين بكثر في ذلك الوقت، فيظهر التلاميذ في الاصطفاف اليومي بمنظر خلّاب وكأنهم أخوة متسلسلين متناسقين بلون واحد.
يقوم المصور المشهور (هرمز) بالتقاط صورة جماعية بهذا الزي لتلاميذ الصف الواحد ولكل الشعب والمراحل، توسطهم في الجلوس المديرة والمرشدة، وتؤطر بلوحه كارتونية مثبت عليها الأسماء حسب الجلوس وتوزع على التلاميذ كذكرى لهم، وهذه الفقرة تتكرر كل سنة، وأغلب التلاميذ لا زالوا محتفظين بهذه الصور كذاكرة حيّة لهم مع زملائهم من ذلك الجيل.
براعم هذه المدرسة وتلاميذها من الصف الأول والثاني الابتدائي، يذهبون إلزامًا كلَّ يوم بعد انتهاء الدرس الثاني إلى القاعة الجانبية، ليحتسوا قدح من الحليب الطازج والمُطعّم بالفواكه، تُجهّز به المدرسة يوميًا من (مصانع ألبان أبو غريب)، مع قطعتي بسكت هُيّأت من (شركة بسكولاته)، لتساعدهم في بناء جسم قوي، وعقل سليم في هذه المرحلة المبكّرة من العمر. أما جميع المراحل الدراسية فينتقلون في استراحة الدرس الخامس الطويلة، إلى نفس القاعة لتناول وجبة غداء صحيّة وساخنة معدّة من فريق كبير من الطباخين بإشراف ورقابة صحية صارمة، وكل يوم تقدّم وجبة مغايرة عن اليوم السابق تعقبها فاكهة طرية أو حلوى. كل هذا النظام. يُشرف عليه رجل هندي وقور أسمه (Mr. Sharmer)، له وزنه وأسلوبه الخاص في متابعة وتنفيذ السياقات البروتوكولية والنظامية للمدرسة، ويسعى جاهدًا بلا كلل لتدريب التلاميذ على الآداب والسلوكيات وقواعد الجلوس(الأتكيت) ومنها طريقة استخدام الشوكة والسكينة في الأكل وغيرها، وبث روح الطيبة بينهم، واحترام النعمة المباركة. وأنا أحد الذين تتلمذوا على يد هذا الرجل وظلَّ متمسكًا بهذه التقاليد والعادات حتى اليوم.
الصفوف كانت مرقّمة حسب الحروف الإنكليزية D)، C، B، A) ثم تغيرت للأبجدية العربية (أ، ب، جـ، د) وأصبحت بعد التأميم يُرمز لها بالألوان. الصف الواحد يستوعب ثلاثين تلميذًا، خمسة عشر من الذكور ومثلهم من الإناث على الأغلب، ولكل مرحلة ساحتها وحدائقها ومرافقها الصحية، أما عدد الدروس الأسبوعية المعطاة لهم فهي (47) حصّة، مقسمة بواقع سبعة دروس كل يوم، من السبت إلى الأربعاء، ويوم الخميس خمسة دروس، تفصل بين كل درس ودرس استراحة مدتها عشر دقائق.
أهم الدروس العلمية التي تهتم بها الإدارة هو درس اللغة الإنكليزية الذي يُعطى للتلميذ منذ دخوله الروضة وحتى تخرجه، والذي من خلاله يُقيّم مستواه العلمي لدى الإدارة. مناهج هذا الدرس منتخب بعناية ومختلف عن الكتب الحكومية المقررة وأصعب منها بكثير. والكتب ذات مناشئ إنكليزية معتمدة مع مثيلاتها من المدارس الإنكليزية ولكن بمستويات أدنى بطبيعة الحال، ومتوفرة دائمًا في مكتبة المدرسة الحاوية على كتب مختلفة وعناوين عديدة ولجميع المستويات والمراحل الدراسية. المعلمات والمعلمون والمديرة، كثيرًا ما يستخدمون الكلمات والمصطلحات الإنكليزية مع التلاميذ خلال الدوام لأملاء آذانهم بها وتعليمهم النطق الصحيح لها. ومن أعراف الطلاب التقليدية والبريئة، هو امتلاك كل واحد منهم دفتر مذكرات (Autograph) يتبادلونه فيما بينهم، وأيضًا بينهم وبين معلميهم، لكتابة كلمة قصيرة أو خاطرة أو أمنيات على صفحاته الملونة، وباللغة الإنكليزية، لتبقى ذكرى طيبة بعد تخرجهم وذاكرة أبدية لجيلهم، ومن سروري أني لا زلت أحتفظ بدفتري الخاص إلى اليوم.
خُصصت ضمن مُجمّع غرف الإدارة غرفة خاصة للطبابة، كاملة بمعداتها وسريرها ومستعدة لاستقبال الحالات الطارئة، وفيها ممرضة رسمية مختصّة بدوام كامل، وتشرف بدورها على حملات التلقيح السنوية لكل التلاميذ ضد الأمراض السارية آنذاك.
للمدرسة مختبر لدرس (العلوم والأحياء) مجهّز بالعدد ووسائل الإيضاح والحيوانات المحنّطة والمحفوظة، بما يتلاءم مع المواد النظرية المعطاة، وهناك أيضا مرسم نظامي كبير، ينتقل إليه التلميذ في الحصة المقرّرة لمادة (الفنية) يشرف عليه أساتذة متخصصين، وقد برز عدد من التلاميذ من هذا المرسم وخرجوا بإبداعات فنّية متميّزة في كثير من الأحيان. للمدرسة أيضًا غرفتين مليئتين بمستلزمات درس الرياضة ومشرف خاص لها فالنشاط الرياضي في هذه المدرسة هو من المسلّمات الأساسية والفاعلة، نظرًا لتوفر ساحة كبيرة لرياضة كرة القدم وكرة السلة وساحات أخرى واسعة ومتفرقة بين هياكل المدرسة. كما للمدرسة فريق كشّافة يرتدي زيّ الكشافة المعروف -أعتز بأني كنت أحد أعضاء هذا الفريق-ويشرف عليه أستاذ خاص متمرس بالتقاليد والفنون الكشفية ويشارك الفريق في المعسكرات والمسابقات السنوية التي تُقيمها وزارة التربية.
لكثرة الهيئات الدبلوماسية والشركات الأجنبية العاملة في العراق فقد هيّأت المدرسة قسم كامل وصفوف خاصة للتلاميذ غير الناطقين باللغة العربية، يسمى القسم الإنكليزي (E-section)، يُقبل فيه أيضًا أولاد العراقيين الذين لا يتقنون اللغة العربية، كون إبائهم كانوا يعملون أو يدرسون خارج العراق. المناهج التعليمية لهذا القسم تختلف عن أقرانها ولكنها مقرّة ومعترف بها من وزارة التربية.
مسار انتقال الطلاب من منازلهم إلى المدرسة وبالعكس، يتم أما بسيارات ذويهم الخاصة، ويطلق عليهم تسمية الــ (Private Car) أو عبر باصات المدرسة الموحّدة باللون الأصفر المميز المتعارف عليه عالميًا، وهي بعدّة أحجام وحسب كثافة التلاميذ في المناطق، فباص يستوعب 40 طالب، و18 راكب، وآخر 9 راكب. مميّزة كل واحدة منه بحرف من الحروف الأبجدية الإنكليزية (etc….D، C، B، A) رُسمَت على مقدمة ومؤخرة كل سيارة لتعريف التلميذ بباصه وللتوصيف أيضًا، فمثلا الباص الذي كنت أستقلّه أنا يحمل الرمز G، أو ما كنّا نطلق عليه (باص حجي علوان) -نسبة لأسم سائقه المحبوب-والموجّه إلى منطقة المنصور. ونظرًا للزيادة السنوية المضطردة من الطلاب الجدد للمدرسة ومن أحياء متفرقة من بغداد، فقد صار لزماً على الإدارة أن تؤجّر باصات أهلية مختلفة لفكّ الاختناق على باصات المدرسة.
المستوى الاجتماعي والوظيفي والطبقي لكل أولياء الطلاب يكاد يكون متساوي غير متباين، وأغلب الطلاب هم من عوائل مثقفة رفيعة ومعروفة، لها مكانتها في العمل الوظيفي في دوائر الدولة أو في الحقل الصناعي أو التجاري، ولم نَعرف في الصف أو المدرسة أولاد مسؤولين كبار في الدولة، أو ربّما كانوا متواجدين بيننا لكن لم تُحط بهم هالة تميزهم عن أقرانهم كما جرت وازدادت فيما بعد، فكلنا متساوين في الحقوق والواجبات، والمأكل والملبس، ولا مميّز إلا المتميّز في الدراسة علميًا من خلال درجاته الفصلية والنهائية، علمًا أن أولاد المسؤولين في ذلك الوقت كانوا منتشرين في مدارس أهلية أخرى وأيضًا مدارس حكومية التي لا تقل بعضها رصانة علمية عن هذه المدرسة بفضل مدراءها ومدرّسيها الصوارم، وهي معروفة.
في بداية السبعينيات انتسب إلى مدرستنا طالب جديد، لاحظنا وجود تمايز بينه وبين بقية الطلاب، كان له وضع خاص واهتمام مميز من قبل مديرة المدرسة، واسم والده بدأ يغزو أسماعنا، وشخصيته أصبحت نافذة وقوية في الدولة، عرفنا فيما بعد إن اسمه عدي، بن صدام حسين أو (السيد النائب) كما كان يُعرف آنذاك، الذي انتسب إلى هذه المدرسة حديثًا بعد استشارة الدكتور فرحان باقر-طبيب الرئيس أحمد حسن البكر الخاص-ونصيحته للنائب بذلك. وبعد سنتين التحق شقيقه قصي أيضًا، وبدا هذا التمايز أكثر وضوحًا ومُلفتًا لنا عندما بدأت دورية شرطة مع أفرادها ملازمة لمدخل المدرسة منذ الصباح الباكر وحتى انتهاء الدوام، ثمَّ تنسحب لترافق سيارة ابن المسؤول إلى داره وقت الانصراف.
بعد تأميم المدرسة عام 1974، انتقلا عدي وقصي، من هذه المدرسة إلى مدرسة الكرخ النموذجية الحكومية، التي تديرها والدتهما السيدة ساجدة خير الله. وبذلك عادت مدرستنا خالية من أولاد المسؤولين، ولكن تحت ظل إدارة حكومية لا أهلية.
من طريف الحالة وغرابتها أن المدرسة خُصص لها رسميًا ومنذ زمن بعيد مفوّض شرطي مرور، يدعى (كاظم) متواجد قبل وصول الباصات وسيارات أولياء الطلبة ولحين انتهاء الدوام وانصرافهم، واجبه تنظيم دخول وخروج هذه الأليات. استمر دوام هذا الرجل في المدرسة لسنوات طويلة.
مديرة المدرسة الآنسة صوفي مبارك، تَعتبر كل تلاميذ المدرسة بمثابة أبنائها الأجلاء، وتحرص بشدة على سلامتهم ومصلحتهم، فهي تأبى أن تقوم المدرسة بسفرات جماعية في فصل الربيع لأماكن ترفيهية مثل مدينة الألعاب، أو حدائق وأماكن عامة، داخل بغداد أو خارجها تجنبًا للعواقب الوخيمة وتبعاتها لهم، لكنها في الوقت نفسه تُشجع القيام بزيارات علمية للمتاحف مثل المتحف العراقي والمتحف البغدادي ومتحف التاريخ الطبيعي وحديقة الحيوانات وغيرها من الأماكن العلمية ذات المصلحة الثقافية والعائد الفكري للتلميذ.
من نافلة القول أن الحالة الاستثنائية الوحيدة التي خرجت عن نطاق رغبة المديرة؛ هو ذلك التوجه الصادر من أعلى السلطات الحكومية للمدارس بالخروج إلى الشارع العام الواصل بين مطار المثنى وقصر الزهور عبر شارع دمشق والمشاركة في الاستقبال الجماهيري الكبير للرئيس البلغاري الزائر تيودور جيفكوف، حيث مرَّ من أمامنا موكبه مع الرئيس أحمد حسن البكر، واقفين في سيارة مكشوفة وتنهال عليهم الورود من الجهتين حتى امتلأت السيارة، فيما زُودنا نحن التلاميذ بأعلام صغيرة للعراق وبلغاريا محيّنه بهتاف (جيفكوف أهلًا بيك … شعب العراقي يحيك).
أما المديرة المغلوب على أمرها فكانت تقف خلفنا تراقب الموقف بصمت وعينيها لا تزيغ عن حركة التلاميذ.

للمدرسة فرق رياضية متنوعة في الساحة والميدان، تشارك بها في المهرجانات الرياضية السنوية لتربية مدارس المحافظة التي تقام على أرض ملعب الكشافة، واحيانًا على ملعب الإدارة المحلية المجاور. وللمدرسة أيضًا فرقة موسيقية متكاملة مع آلاتها ومنشديها تعزف وتغني في المهرجات الخاصة بالمدرسة، يُشرف عليهم ويدربهم باستمرار، مدرّس مادة الموسيقى الفنان الكبير المعروف جميل جرجيس، الذي لحن نشيدًا خاصًا للمدرسة تقول إحدى مقاطعه: (شعلة منيرا … تُنير الدربَ فينا … مدرسة المنصور) وسُجل هذا النشيد مع نشاطات عديدة أخرى لفرقة المدرسة الموسيقية في التلفزيون العراقي.
مقابل ذلك تحرص المدرسة بكامل هيئاتها التعليمية على إقامة فعاليات كبيرة غير صفّية على مدار السنة ولكن ضمن إطار سياج المدرسة. أول هذه الفعاليات هو المعرض الفني المشترك الذي يجري في القاعة الرئيسية للمدرسة. تتصدر واجهة القاعة لوحة كبيرة بقياس (6X4) م، تمتد من السقف إلى الأرض، رسمت بجهود مشتركة لمجموعة كبيرة من الطلاب وبإشراف مُعلمي مادة درس الفنية. أما على جانبي القاعة فقد صفّت طاولات بشكل طولي، عُرضت عليها نتاجات الطلبة من الأشغال اليدوية والأعمال النحاسية واللوحات التعبيرية والرسوم المائية والزيتية وغيرها من الإبداعات الجميلة، وتمنح في هذا اليوم أيضًا الكؤوس الفضية للطلبة المتفوقين في كل مرحلة من مراحل الدراسة.
كباقي المدارس الأهلية والحكومية فأن إدارة المدرس تلتئم أولياء الطلبة لاجتماع في النصف الأول من السنة الدراسية وفي النصف الثاني منه أيضًا، يتناقش فيه الأهالي مع المدرسين حول المستوى التعليمي والتربوي لأبنائهم. لكن نشاط آخر تحرص على إقامته المدرسة كل عام، ما يميزها عن بقية المدارس هو استقبال أهالي التلاميذ في يوم محدد، يطلق عليه (Open Day) أو (يوم حرّ) وهو كأي يوم عادي من أيام الدوام الرسمي، فيه يدخل والد التلميذ أو والدته إلى داخل الصف ليطلع بشكل مباشر على نشاط المُدرس في إعطاء المادة التعليمية وتجاوب أبنه مع الدرس، وردّة الفعل بينهما، دون إبداء أي ملاحظة أو تعقيب، وتستمر هذه الفعالية مع دروس ومواد أخرى طيلة ذلك اليوم. ليخرج ولي الأمر من هذه الزيارة بانطباع ملموس وزيادة في الثقة عن السلوك الحقيقي لأبنائهم.
أما أبرز نشاط حافل تقوم به المدرسة في السنة الدراسية وفيه تودعه، فهو المهرجان الرياضي السنوي أو ما يُعرف بـ (Sports day) الذي يشترك فيه كل طلاب المدرسة بملابس رياضية موحدة بيضاء كتب على صدرها بلون الفريق (المنصور الأهلية) ويساهم فيه كامل الهيئة التدريسية ويحضره ذويهم وإخوانهم واحياناً أقاربهم، ويرعاه مدير التربية، ويقام في الساحة الكبيرة للمدرسة حيث تُنصب مجاميع عديدة من الخيم الكبيرة وأدوات الزينة وشعارات الترحيب، وتخطّط الساحة بالخطوط البيضاء لأجراء منافسات الساحة والميدان ومسابقات أخرى. يبدأ المهرجان باستعراض الفرق المشاركة على وقع الجوق الموسيقي العسكري، ويقسّم جميع الطلاب إلى أربعة فرق، كل فرقة تحمل راية بلون معين واسم لأحد القادة العرب التاريخيين، وهي: (الراية الحمراء لسعد بن أبي وقاص، والصفراء لخالد بن الوليد، والخضراء لطارق بن زياد، والزرقاء لصلاح الدين الأيوبي)، تبدأ بعدها سباقات الساحة والميدان وحسب المراحل الدراسية وتمنح للفائزين الثلاثة الأوائل في كل سباق، مدالية ذهبية وفضية وبرونزية ثمَّ تحصى النقاط الفائزة لجميع الفرق وفي الأخير يقدم درع المهرجان للفريق الأول، وينتهى المهرجان بعزف السلام الجمهوري. ويشارك أولياء الطلبة معنويًا في سباقات هذا المهرجان أيضًا.
في بداية صيف عام 1974، أخبرتني(زينب) أبنة جارنا، التي تكبرني بسنوات وتنتسب إلى مدرسة أهلية أخرى، إن الحكومة العراقية أصدرت قرارًا بتأميم جميع المدارس الأهلية في العراق، على أن ينفّذ هذا القرار ابتداءً من العام الدراسي الجديد 1974-1975. لم أكترث لكلامها في البداية، ولم أبالي أو أثق بها، ربما لصغر سني في حينها، أو عدم إدراكي لمثل هكذا قرارات …!
وبالفعل فقد صدر قرار مجلس قيادة الثورة المرقم (102) في 7/2/1974، الذي ينص على أن يكون التعليم مجاني بما فيه الكتب المدرسية ولكل المراحل وعدم تحميل الطلبة أي نفقات، ويلغى أي قرار يعارضه. هذا القرار الذي سبق السيف العذل، بانت رؤيته علينا بعد أسابيع قليلة عندما بدأ العام الدراسي الجديد ولاحظنا في حينه أن الأجواء اختلفت بشكل مُلفت، وأول شيء لفتَ انتباهنا هو تغير اسم المدرسة، من (مدرسة المنصور الأهلية) إلى (مدرسة المنصور التأسيسية) لتميّزها عن مدرسة أخرى بنفس الاسم ولكن في منطقة أخرى. وألغيَّ متنفسنا النفيس (مطعم الطلاب)، وحصة البراعم من (حليب الأطفال) اليومي، وقُلّص عدد الدروس اليومية من سبعة إلى خمسة، لتصبح كمثيلاتها الحكومية، واُستبدلَ شعار المدرسة.
الشيء الآخر الذي لمسناه بوضوح هو غياب عدد كبير من المدرسين الرواد والعريقين لهذه المدرسة وحلَّ محلهم أساتذة جُدد. ولكن من المدرسين الذين سعدنا ببقائهم في المدرسة هو الأديب واللغوي الأستاذ (عبد الحميد المحّاري) رئيس قسم اللغة العربية والمدرّس فيها، لدوره الفاعل على مستوى الطلاب وشهرته وتأثيره التربوي. لكن هذه السعادة لم تدم سوى أسبوع إذ جاء المحّاري، ليخبرنا بصدور أمر نقله مستشارًا في مجلس قيادة الثورة، فتأسفنا لذلك وكانت لحظة وداعه وفراقه حزينتين آسيتين انهمرت دموعه ودموعنا بغزارة لن ننساها. وفي يوم الخميس ألقى كلمة وداعية في ساحة المدرسة أمام جميع التلاميذ بعد فقرة رفعة العلم.
بعد أسبوع التحق مُدرس جديد لهذه المادة ودخل الصف مهيوبًا، فارعًا، تبدو على ملامحه صفة الهدوء والشدة في نفس الوقت. حدثت لي معه حادثة ظريفة، أود أن أسردها باختصار، لأنها لم تغب عن بالي:
في أول يوم دوام لهذا المعلم وأول حصّة دراسية له بدأ بإعطائنا المادة المطلوبة فور حضوره للصف دون مقدمات أو كلام مجاملات كما هو العرف السائد في أول لقاء بين المعلم والتلاميذ. في نهاية الدرس استفسر المدرس من التلاميذ إن كان أحد لديه أي سؤال عن المادة المعطاة؟ فرفعت يدي للاستئذان منه بسؤال خارج المادة ولكنه طبيعي …! فأذن لي بالكلام، فقلت له: أنك يا أستاذ دخلت الصف وشرحت الدرس ولحد الآن لم تعرّفنا بشخصك واسمك الكريم؟ صمتَ برهة، وخزرني بعينيه وشعرت أنه استشاط غضباً من جرأة سؤالي وحراجة موقفه. استدعاني أمام الطلاب لتوبيخي ومسك يدي ووضع قلم الرصاص بين أصبعي الوسطى والبنصر، وحشر أصابعي حشرًا حتى صرتُ اصرخ من شدّة الألم…! لم تكن هذه الأفعال مألوفة لدينا، فضربُ المعلم للتلميذ وتعنيفه من الممنوعات بل من المحرمات في هذه المدرسة وبكل أشكالها، باستثناء مديرة المدرسة التي تضربنا ضربتان بيدها على خلفيتا، تكاد تكون حركة مضحكة وبسيطة أكثر مما هي عقاب وزجر.
وبينما غارت عيناي من حَدَقتيْها، وغطى الذعر ملامح وجهي من هول هذه العقوبة، ارخى المعلم أصابعي فسقط القلم أرضًا وتنفستُ قليلًا، ثمَّ بعد لحظات سألني ما سمك؟
فأجبته فورًا:
-أسمي صفوة فاهم كامل …!
بعد ابتسامة ملأت شَدقَيّه، لتخفيف توتري، وتطييب خاطري أجابني:
-وأنا أسمي فاهم كامل الصّحّاف…!
يا لها من مفارقة غريبة …! اسمهُ كاسم والدي، وأنا الذي كنت أعتقد أن هذا الاسم لا شبيه له حتى في دليل التلفون …! كان ذلك الدرس اليتيم، هو الأول والأخير للمعلم الجديد، فقد انتقل في اليوم التالي مديرًا في وزارة التجارة وغاب عن المدرسة نهائيًا، لكن ظلَّ الصّحّاف، وقلم الرصاص، وآلم أصابعي، غائرة في مخيلتي إلى الآن …!
في العام الدراسي التالي، انتقلنا إلى بناية الثانوية المجاورة التي بُنيت عام 1967، بعد أن تخرّجنا من الابتدائية، لنبدأ حياة دراسية ومستوى دراسي جديد. كانت وزارة التربية قد غيّرت أسم المدرسة من (ثانوية المنصور الأهلية) إلى (ثانوية الانتفاضة)، لتميزها عن إعدادية المنصور الكائنة في منطقة الحارثية قرب قصر الزهور، فكانت بداية أخرى لتفكيك هذا الصرح التاريخي، وكانت هذه الثانوية هي المدرسة المختلطة إناثًا وذكورًا الوحيدة في العراق. في السنة التالية 1976/1977، تعرضت هذه الثانوية إلى ضربة قاصمة أخرى، فبناءً على شكوى أو مقترح من إحدى المدرسات فقد تم فصل البنات من هذه الثانوية وجعلها ذكورية فقط أو ما أُطلق عليه (للبنين) وجعلها إعدادية ودمج إعدادية المنصور في الحارثية معها في بناية واحدة تسمى (إعدادية المنصور للبنين) أما المتوسطة فقد نُقلت بدوام مزدوج مع إعدادية الكفاح للبنات في حي دراغ، وسميت (متوسطة الانتفاضة للبنين). وبذلك انتهى التسلسل الثقافي المنطقي العريق لهذه المدرسة وهُدّم هذا الصرح الجميل علميًا واجتماعيًا ومعنويًا، وإلى الأبد. ولا حول لنا إلا أن نقول:

وا أسفاه … وا أسفاه … وا أسفاه.

السيرة التاريخية العطرة لهذه المدرسة وسيرّ مدارس أهلية أخرى عريقة بتاريخها ومجدها، تجعلها تفتخر باحتضانها لمئات الطلاب والطالبات على مدى سنوات عمرها الطويل قبل تأميمها، ورضعوا لبَان العقيدة منها، ومن ثمَّ تخرجهم في الجامعات العراقية، وشبّوا عن الطوق ليكونوا بناة حقيقين لبلدهم ويرفدوا المؤسسات العلمية والعملية والمعامل والمصانع بخبراتهم الحديثة، لكن النهاية بخواتيمها لا بنتائجها، فمن المؤسف القول إن 90 % من خريجي هذه المدارس إن لم يكن أكثر، هم الآن في أوطان أخرى، لا وطنهم الأم العراق، وعقولهم النيّرة وصروحهم الوهّاجة في خدمة تلك الأوطان، وهذا ما يعصر القلب قبل أن تدمع العين … ولله في خلقه شؤون!
في سنوات قليلة سابقة بدأ التلاقي وتبادل التحيات والذكريات والصور بين هؤلاء الطلاب وزملائهم عَبرّ مواقع التواصل الاجتماعي، ثمَّ برزت أفكار ناضجة لتفعيل هذا التلاقي. فبدأ عدد من طلاب هذه المدارس الأهلية بفكرة إحياء ذكرياتهم مع زملائهم الذين تشتّتوا في بقاع الأرض عملّيًا من خلال مناسبة تسمى بــ (Reunion) أو (لقاء الخريجين)، تقوم على مبدأ لَمْ شمل أكثر عدد من زملائهم من خريجي هذه المدرسة ومن دورات متقاربة، ليتجمّعوا في مكان واحد مع أزواجهم وأولادهم، في بلدٍ ما، جوابًا لأمنية الشاعر حمدي هاشم عندما قال:

مدرستي أمٌ حانية

فبربي كيف أوفيها

طالب مدرسة المنصور النجيب (نمير أنور نجيب) أخذ على عاتقه هذه المبادرة والمهمّة، فجمع مجموعة كبيرة من خريجيها والمنتشرين في العراق ودول العالم، ولمَّ شملهم في المملكة الأردنية عام 2017، حيث بلغ عدد المحتفلين أكثر من مئة وخمسين فردًا، إضافة إلى عدد من معلماتهم ومعلميهم الرواد كضيوف شرف أجلّاء ، فكان هذا التجمّع واحدًا من أجمل اللقاءات الاجتماعية والأسرية، وعادت عجلة التاريخ بهم إلى عقود سابقة وأيام خوالي جمعتهم البراءة والزمالة والأخوّة، وكأنهم صبيان وصبايا يلعبون في ساحة المدرسة أثناء الاستراحة ما بين الدرسين!
هذه التجربة الرائدة ستُعاد من نفس الطالب خلال الفترة القادمة من هذه السنة ومع مجموعة جديدة وذكريات متجدّدة أخرى …إن شاء الله.

وأخيرًا وليس آخرًا … التمسْ من القارئ الكريم أن يتفهم طول هذه المقالة وعدد اسطرها، فالمادة لا تحتمل التجزئة، وأحداثها لا يمكن اختزالها، ولا مناص من اختصار ذلك الزمن الجميل، فحاولت جاهدًا أن أضع المعلومة المفيدة والمنتقاة في حدودها الدنيا.
وصدق قول أمير الشعراء أحمد شوقي حين قال:

أنا المدرسة اجعلني

كأمِّ، لا تملْ عني

هذه هي مدرسة المنصور الأهلية، مَربعْ طفولتي، ونشأتي، ولحظات جميلة من سيرة حياتي.
وبعد استعراضي الموجز والمتواضع لمسيرة مدرسة أهلية كإنموذج لواقع المدارس الأهلية في العراق، فمن حقي الآن أن أتساءل لمن هو في موقع المسؤولية والقرار في الحكومة العراقية عامةً وفي وزارة التربية خاصةً:

متى أرى ويرى وكل من تخرج مِن هذه المدارس العريقة، مدارس أعظم من هذه المدارس …؟
وتعليم أسمى لأبنائهم وأرقى مما نالوه من تعليم في مدارسهم تلك …؟
إلا يستحق بلد مثل العراق وشعبه أكثر من ذلك؟
أليس العراق من علّم البشرية … القراءة والكتابة …؟ *