عجيب ما يجري في العراق من تناقضات سياسية تحير المتابع لها ،وتجعله يعيد النظر في كل القناعات التي كان يظنها أنها أضحت راسخة وبديهية في العملية السياسية.
كثيرا ما تحدثنا في حواراتنا السياسية وعبر مختلف وسائل الأعلام عن قضية طارق الهاشمي وتداعياتها ، وما خلفته من ارتدادات سلبية على مجمل العملية السياسية .
لكني أرى ثمة أمور أفرزتها هذه القضية تجعل الحديث عن مشكلة الهاشمي أهون بكثير مما أفرزته هذه القضية ، بتعبير آخر إن ما يقوم به الأخوة الكرد، وفخامة رئيس الجمهورية من مواقف تتقاطع مع ثوابت الدستور تجعلنا أمام مفترق طرق مع كل البناءات والانجازات التي تحققت بدماء العراقيين ، من كتابة لدستور يمثل إرادة اغلب العراقيين ،وتأسيس قضاء مستقل ، هذا القضاء هو الذي شرعنة دستورية وقانونية رئيس الجمهورية، وكل الرئاسات الأخرى، ومؤسسات الدولة المختلفة .
إن من أهم مهام رئيس الجمهورية هو ما نصت عليه المادة(67)من الفصل الثاني التي تنص على (رئيس الجمهورية هو رئيس الدولة ورمز وحدة الوطن ويمثل سيادة البلاد، ويسهر على ضمان الالتزام بالدستور، والمحافظة على استقلال العراق وسيادته،ووحدته،وسلامة أراضيه، وفقا لأحكام الدستور ).
إذا ضمان الالتزام بالدستور من واجبات رئيس الجمهورية ، وعند مراجعة بعض مواد الدستور التي يجب أن يسهر على تطبيقها رئيس الجمهورية، نجد ان المادة (88) من الفصل الثالث تنص على (القضاة مستقلون ، لا سلطان عليهم في قضائهم لغير القانون ، ولا يجوز لأية سلطة التدخل في القضاء أو في شؤون العدالة) .
احترام المادة أعلاه في الدستور العراقي تدخل ضمن مسؤوليات رئيس الجمهورية ، فإذا لجا متهما إلى( بيت ) السيد رئيس الجمهورية، وهو مطلوب للقضاء الذي نص عليه الدستور، هل إن ضيافة فخامتة تعد دستورية او قانونية ؟
ثم هل ان تصريح فخامة الرئيس بان (طارق الهاشمي في ضيافتي) يأتي من منطلقات دستورية ؟وهل هناك خصوصية للسيد طارق الهاشمي تجعله في منعة من طائلة القضاء إذا التجأ إلى بيت الرئيس؟وهل هذه الخصوصية لشخص الهاشمي أم لمنصبه ؟وكلاهما ( الشخصنة والمنصب ) تتقاطع مع المادة (88) أعلاه، اذ تقول (لا يجوز لأية سلطة التدخل في شؤون القضاء)، اذ لا سلطة رئيس الجمهورية تسمح بتحويل بيته إلى ملاذ آمن للمتهمين ، ولا منصب نائب الرئيس يسمح بان يكون النائب بمناى عن القانون .
بل إن توفير الملاذ الآمن من قبل رئيس الجمهورية يجعل الرئيس نفسه تحت طائلة القانون .
ان الأمر تعدى تلك الحدود، إذ إننا نجد إن وكيل وزير داخلية إقليم كردستان يصرح هو الآخر بان شرطة الإقليم لا تعمل تحت امرة رئيس الوزراء حتى تسلم المتهم طارق الهاشمي للقضاء الاتحادي ، وهذا خرق اخر للقانون والدستور ،حيث لاتوجد مادة دستورية تنص او تشير الى ان أمر القضاء الاتحادي لا يطبق على الهاربين إلى الإقليم ، بل إن القضاء الاتحادي مسؤول عن تطبيق العدالة من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب ، وان صلاحية قضاء الإقليم منحصر في منطقة الإقليم .
إننا اليوم نطالب دول لها سيادة مطلقة على أراضيها، ولها قوانينها وقضاؤها بتسليم المطلوبين للقضاء العراقي ،وقد وجدنا فخامة رئيس الجمهورية نفسه يطالب بعض دول الجوار بتسليم المطلوبين للقضاء العراقي ،ليتخذ القضاء مجراه العادل فما بالك باقليم تابع لسلطة الدولة العراقية !
نعم لقضاء الإقليم مساحة يتحرك بها ضمن الاختصاصات التي لم تنحصر بالقضاء الاتحادي او تتعارض مع الدستور ،بناءا على ما نصت عليه المادة(121)من الدستور.