8 أبريل، 2024 4:58 ص
Search
Close this search box.

من خراب البصرة إلى خراب الموصل .. هل من أمل في الإصلاح؟

Facebook
Twitter
LinkedIn

ألحَّ على ذاكرتي، منذ سقوط الموصل وخرابها على يد “داعش”، المثل الذي طالما رددناه كلما ألمّت بنا فاجعة وهو “بعد خراب البصرة” ويعني عند العراقيين حلّ المشكلة بعد استعصائها وفوات أوانها. وقد اطلعتُ على آراء عددٍ من الكُتّاب بشأن هذا المثل فتأكدتُ أنه انتشر بين العراقيين وبخاصة البصريين منهم بعد ثورة الزنج في العام (255 هـ) بعد أن حلّ الخراب والدمار وتصاعدت الصراعات واهتزت أركان الخلافة العباسية يومذاك.
      في حزيران عام 2014 م سقطت الموصل بعد (1146) عاماً من خراب البصرة، وكان هذا السقوط قد تم على يد “داعش” التي تمثل بقايا جاهلية العرب التي استطاعت اسقاط واحدة من كبريات مدن التاريخ العربي والإسلامي. وفي الوقت الذي كان يوم العاشر من حزيران من العام الجاري تاريخاً رسمياً لخروج الموصل من سيطرة القوات الحكومية، فإن أوساطاً من العراقيين والموصليين اعتبرت أن الموصل وقعت في قبضة مجاميع من الإرهابيين والخارجين عن القانون قبل هذا التاريخ، إذ كانت هذه المجاميع تفرض الاتاوات على المواطنين والتجار وكبار الموظفين والشركات العاملة هناك، ولم يكن هذا الأمر سرّاً على أحد، ليبقى التساؤل عن حقيقة وسرّ وسبب ما حصل في ثاني كبريات محافظات العراق ماثلاً يبحث عن إجابة شافية.
      منذ أيام استمعت وشاهدت حديثاً لأحد المسؤولين يؤكد فيه أن الحدود العراقية السورية أصبحت تحت سيطرة “داعش”، وعلل سبب ذلك بكون السلاح الذي تمتلكه قوات الحدود لا يتناسب مع كفاءة الأسلحة والمعدات المتطورة التي استولت عليها “داعش” من خمس أو ست فرق عسكرية بعد أحداث الموصل. اعتراف المسؤول يثير أسئلة عدة لا أحد من المسؤولين أجاب عنها لغاية الآن، وهي: كيف تم ذلك؟ ومن هي الجهة المسؤولة عنه؟ وكيف اجتاح بضع مئات من المسلحين محافظة كاملة تنتشر فيها وحولها خمس أو ست فرق بكامل آلياتها وأسحلتها وعتادها؟
      لم تقف طموحات وأفعال “داعش” عند الحدود التي رسمتها اتفاقية سايكس ـ بيكو، بل خرقتها وأعلنت ما يسمى بدولة الخلافة في سوريا والعراق. والأدهى من ذلك أنها استباحت دماء منْ لا يبايعها من المسلمين، وهدمت مراكز ودور العبادة والمعالم الأثرية وأحلت قتل المسيحيين واليزيديين والشبك والتركمان والكاكئية وغيرهم متجاهلة سيرة الرسول الأكرم (ص) والصحابة، فقد أكدت وقائع التاريخ أن المسلمين حين ضاقت بهم السبل أشار عليهم الرسول (ص) بالهجرة إلى بلاد الحبشة النصرانية قائلاً “إنّ فيها ملكاً لا يُظلم عنده أحد، وهي أرض صدق”.
      لم تعد الكتابة عن التاريخ وأهواله مجدية الآن، وأمامنا مستجدات ملحة تتطلب حلولاً ناجعة عاجلة، فالمنطقة تجتاحها الحرائق والحروب وما يجري في سوريا وليبيا والسودان ولبنان واليمن يشي بموجة ظلامية عاتية، ولا سلاح أمضى لمواجهتها والتصدى لها من سلاح الوحدة الوطنية، وهذا السلاح وحده القادر على حمايتنا من الهمجية الجديدة وشرور الطائفية السياسية. سلاحنا الفعّال كما يقول الشيخ الجليل رفاعة الطهطاوي “حبّ الوطن من الإيمان”، فمن أجل صيانة بلداننا لابدّ من تشكيل جبهة واسعة في منطقتنا لمكافحة الإرهاب المدمر تتناغم مع الجهود العالمية لاسئتصاله ودحره. وعلينا نحن أبناء المنطقة أن نعمل معاً من أجل حماية ديارنا وألاّ نعتمد على الآخرين فقط، وندعو الله أن ينصرهم على أعدائنا!
      وفيما يخصّ الأوضاع الداخلية للعراق، فالبلاد تعاني من مخاطر تهدد وجودها، إذ أن ما يزيد عن ثلث مساحة بلادنا تحتلها “داعش”، وتجاوز عدد النازحين (1،8) مليون نسمة بحسب احصاءات الأمم المتحدة، وحدودنا منتهكة من قبل العصابات المسلحة، والعلاقات بين المكونات السياسية يحكمها الصراع الدائم من أجل المكاسب والاستئثار بالسلطة والثروة!
      أما أخطار المطالبة بالأقاليم الطائفية فهي أخطار داهمة مآلها التقسيم والإنفصال بالرغم من فذلكات المنظرين “الجدد”. وثرواتنا يهدرها الفساد المستشري، فبالأمس القريب أكد تقرير هيئة النزاهة نصف السنوي لعام 2014 وجود (844) مداناً بالفساد من بينهم ثلاثة وزراء و(22) مديراً عاماً.
       لا يمكن حل أزماتنا من خلال النظر إلى حالتها الراهنة فقط، بل الأهم ضرورة معرفة أسبابها التكوينية، فالبناء الخاطئ للعملية السياسية القائم على المحاصصة والطائفية السياسية يؤدي بالنتيجة إلى أزمات شبة دائمة. كما يجب عدم إغفال الآثار المدمرة للنظام الاقتصادي الريعي المعتمد على النفط فقط، لأنه جعل النخب السياسية تتصرف بثروة البلاد وكأنها ملك خاص، وبذلك تنتهك العدالة ويعمّ الفساد ويسود الحرمان قطاعات واسعة من الشعب. وعلى الرغم من المخاطر الكبرى التي تتعرض لها البلاد فإنّ العقبات وصراعات المحاصصة وسياسة التهميش والاستئثار والرغبات الشخصية في اختيار الوزراء عوامل تقف وراء التلكؤ في تشكيل الحكومة.
      إن أهم ما ينتظره أبناء شعبنا من الحكومة الجديدة هو:
1- استغلال الظرف الإقليمي والدولي المناسب الآن لتحرير المناطق التي سيطر عليها تنظيم “داعش” في محافظات نينوى والأنبار وصلاح الدين وديالى وبابل وكركوك.
2- تشكيل هيئة جديدة للمصالحة الوطنية تشترك فيها القوى المشاركة وغير المشاركة في السلطة، لأن المصالحة الحقيقية هي المدخل للحفاظ على الوحدة الوطنية، آخذين في الاعتبار أن المصالحة تقتضي الاعتراف بالآخر شريكاً في القرار لا تابعاً لأرباب السلطة.
3- وضع خطة شاملة لمعالجة الفقر الذي يعاني منه 16% من أبناء الشعب، فضلاً عن معالجة ظاهرة البطالة التي تمثل أيضاً ما يزيد عن 16% من مجموع السكان، بالإضافة إلى معالجة مسألة الخدمات وبخاصة القضاء على أزمة السكن والكهرباء والمياه الصالحة للشرب.. والتركيز على تنمية القطاعات الانتاجية الأساسية (الزراعة والصناعة) للحدّ من الآثار السلبية المتعاظمة للاعتماد على النفط مصدراً وحيداً للثروة.
4- معالجة الخلافات القائمة بين الحكومة المركزية وإقليم كردستان / العراق، وكذلك معالجة شؤون المحافظات باللا مركزية الإدارية الواسعة وقطع الطريق على القوى الطائفية التي ترفع شعارات بناء أقاليم على أسس طائفية.
5- إعادة النظر في بناء الجيش والشرطة والقوى الأمنية وذلك بإحلال مقاييس القانون والكفاءة والوطنية العراقية في قبول المنتسبين إليها وفي تشكيل وحداتها وقياداتها، وإلغاء ما يسمى بسياسة الدمج والشهادات الكاذبة والمزورة مع الاهتمام بالتسليح والتدريب والتربية الوطنية والخدمة الإلزامية.
6- تشكيل مجلس الخدمة المدنية خارج اعتبارات المحاصصة والطائفية السياسية، وحصر الوظيفة العامة به دون تدخل السلطة التنفيذية، وألا يجوز تعيين أي موظف في الدولة خارج إطاره.
      إن تحقيق ما أشرنا إليه يشكل مقدمات ضرورية للإصلاح، فهل أن حكومتنا المرتقبة في وارد ما أشرنا إليه؟ هذا ما سيجيب عنه المقبل من الأيام..     
     
الأمين العام للحركة الإشتراكية العربية

مقالات اخري للكاتب

أخر الاخبار

كتابات الثقافية

عطر الكتب